منذ انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897، في مدينة بازل بسويسرا على يد تيودور هيرتزل، بإشارة من الدول الكبرى التي قرَّرت استخدام الحركة الصهيونية كأداة رئيسية لها في إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط، فإنَّ شعبنا الفلسطيني انخرط بأشكال متعددة من المواجهة، وسجل حالات متقدمة من الحضور في مواجهة المشروع الصهيوني الذي أنشأ إسرائيل بقرار دولي هو قرار التقسيم الذي صدر عام 1947، وعلى إثره حطت النكبة بشعبنا عام 1948، واقتلع من وطنه بقوة الحديد والنار، وتحول إلى شعب لاجئ تذروه الرياح في كل اتجاه، شطب اسمه عن الخارطة، وتآكلت حتى الفناء المطلق قيادته، تحول فيه ابن الشهيد إلى يتيم، وتحول فيه كل من يملك وعياً أو قوة أو أي شكل من أشكال رفض هذا الجسم الغريب الشاذ- إسرائيل- إلى خطر ملاحق، لكن شعلة الحياة في هذا الشعب لم تنطفئ ولو للحظة واحدة، فأينما حل هذا الشعب في مخيماته أو منافيه أو مغترباته على امتداد القارات الست كان حاضراً بأهلية ليرسل إشارة خارقة تقول إن هذا الشعب الفلسطيني موجود؛ لأن وطنه حتى لو بأسماء مزورة أخرى، وما زلت أذكر رقماً جاء ضمن إحصائية من دولة إسرائيل نفسها العدو الرئيس التي تحظى بدعم هائل من أعداء آخرين، تقول الإحصائية إنَّ الفلسطينيين- وهم في تلك الحالة التي وصفتها– نفذوا من عام 1948 إلى حين احتلال قطاع غزة في نهاية عام 1956، إحدى عشر ألفاً وستمائة وخمسين عملية تسلل وتخريب– المصطلح الإسرائيلي– واعتداء!!! بعض هذا النشاط نفذه فلسطينيون من خلال كتائب الفدائيين التي كان يقودها مصطفى حافظ ضابط الاستخبارات المصرية، عاشت ذكراه، وتخلدت روحه في جنات الخلد، أو فلسطينيون انخرطوا في صفوف الجيش السوري في وحدات الاستطلاع العسكري، ولكن الأغلبية الساحقة من هذا النشاط نفذها الفلسطينيون بنموذج الذئب الوحيد، فلسطيني لا ينتمي إلا إلى نفسه، إلى فلسطينيته، إلى إرثه الذي ورثه في أعماقه لنسبه الفلسطيني، وحقه الفلسطيني، ومآله الفلسطيني.

أقول ذلك رداً على رئيس يعتبر الآن نقطة عار في تاريخ أميركا دونالد ترامب، بمناسبة أن الخارجية الأميركية نفت في الأيام الأخيرة صفة الاحتلال عن الأراضي الفلسطينية، ونفت صفة الاحتلال عن الأراضي السورية "الجولان" هل رأيتم أغبى من ذلك؟؟؟ كل المحقونين بوهم القوة يرتكبون حماقات كبرى، لكن حماقات ترامب وإدارته تفوق كل تلك الحماقات، فترامب يحتمي من السقوط الحتمي الوشيك بنتنياهو، يجعل من نفسه أضحوكة، يهين أميركا ويحط من مستواها، دائماً كنا على خلاف مع أميركا بسبب انحيازها الأعمى لإسرائيل، ولكنها كانت تصر على أن تظل الدولة الأكبر، والوسيط المؤهل لدور الوسيط، أما هذا الصرع الذي يفوق الغباء الذي يستظل به دونالد ترامب، فهو تعبير عن اليأس، هو يائس ويدرك أنه وصل نقطة اللاعودة، والأهم بالنسبة له ولنا، أن الشعب الفلسطيني بقيادته الشرعية فائقة الوعي، وفائقة اليقين، تشترك بحضور قوي لإنجاز عملية إسقاط ترامب ضمن سياق عالمي تتعدد مظاهره، وأن ترامب هذا وإن استمر حتى نهاية فترته، فسيجد نفسه ساقطاً، ويقول العديد من الخبراء الأميركيين إنه بعد سقوطه سيعيش ما تبقى له من العمر يتنقل من محكمة إلى أخرى، بسبب جرائمه التي ارتكبها قبل دخول البيت الأبيض، وأثناء وجوده بالبيت الأبيض، لعل هذه إشارة من الله بأن الفجار لفي سعير، وأن ترامب لا يناسبه سوى هذا المصير، أما الضلع الثالث في هذا المثلث اليائس، فهو نتنياهو الذي لا يزال يعيش "في جلباب أبيه" يحتقر شعبه وهو حر في ذلك، ويعتبر أن إسرائيل لا تستطيع العيش دونه، وهو حر في هذا الاعتقاد، الذي يهرب من الفضيحة إلى فضيحة أخرى، وكما وصفه الرئيس التركي اردوغان إنه لص وقاتل الأطفال الفلسطينيين، نقول له نحن أبناء الشعب الفلسطيني بقيادتنا الشرعية وعلى رأسها الرئيس أبو مازن، لست أنت أول من نسقطه، هناك كثيرون، ولكن سقوطك القريب سيكون أمراً مفعولاً، وبشر الصابرين.

ولا يبقى من المثلث اليائس، سوى ضلعه العربي الفلسطيني، الذين يمارسون الخيانة والتطبيع والسقوط مثل نوع من الإدمان الذي لا يستطيعون التغلب عليه، ابتداء من نقل الأموال إلى حماس عبر إسرائيل لتتمكن حماس من مقاومة إسرائيل!!! أليس هكذا يقولون؟؟؟ إلى حالات التطبيع الرخوة، تطبيع رخيص بلا ثمن، مقابل غداء في غرفة واحدة مع الساقط نتنياهو، كما قال بومبيو وزير الخارجية الأميركي عندما كان معهم في وارسو، ومثلما فعلت حماس ضد المحتجين على الفقر والانقسام، شذوذ بلا معنى، وسقوط بلا ثمن، وانفلات عن السرب إلى الهاوية، وقريباً سيواجهون نذير الانفجار الكبير.