يوم الأربعاء الماضي أعلن تكتل "كاحول لافانا" (ازرق أبيض) برنامجه الانتخابي، الذي خلا من أية إشارة لخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، ولم يأتِ على ذكر الدولة الفلسطينية نهائيًّا، ولو من باب رفع العتب، أو لذر الرماد في العيون. الشيء الوحيد الذي ذكره بصدد التسوية، هو عقد مؤتمر إقليمي بمشاركة الدول العربية، ويهدف إلى: بناء الاستقرار في المنطقة، وتعميق إجراءات الانفصال عن الفلسطينيين من دون المساومة على المصالح الأمنية لدولة (إسرائيل)، وتجلى في التأكيد على عدم انسحابه من أربع مناطق في حال فوزه، وتوليه رئاسة الحكومة، هي: أولاً الكتل الاستيطانية، ثانيًا القدس، ثالثًا الأغوار الفلسطينية، رابعًا هضبة الجولان. وهو ما يتنافى مع أبسط معايير السلام الممكن والعادل نسبيًّا.

بنظرة سريعة يستخلص أي متابع لمواقف غانتس ولبيد وفريقهما من البرنامج، انه برنامج يميني بامتياز، لا يحمل أي دلالة، أو مؤشر إيجابي ولو بالمعنى الشكلي لبناء ركائز سلام يقوم على مرجعيات التسوية السياسية، ويتجاهل كليًّا قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالصراع، وهو بالنتيجة يتعامد، ويتكامل مع برنامج قوى اليمين واليمين المتطرف، وخاصة الليكود. وما حملات التحريض المتبادلة بين أزرق ابيض والليكود، واتهام غانتس ومجموعته، بأنهم يمثلون "اليسار"، ليس سوى فرية سمجة، وضحك على ذقون الناخبين من انصار اليمين واليمين المتطرف، لأن نتنياهو يريد المحافظة عليهم ذخيرة لدعمه في معركة البقاء في الحكم، والهروب من مقصلة قضايا الفساد، التي تلاحقه، وبالتالي لا تعدو سوى حرب لكسب الأصوات، والمنافسة على التربع في سدة الحكم، لأنه (البرنامج) لم يحمل إشارة تميزه عن برنامج نتنياهو.

ويخطئ من يعتقد أن تكتل "كاحول لافانا" يملك رؤية سياسية واقعية تخدم المجتمع الإسرائيلي، أو عملية السلام، أو تعزيز التعايش، أو بناء جسور الثقة مع شعوب ودول المنطقة. وكل ما يمكن افتراضه، ووفق ما أعلن غانتس، رئيس التكتل، انه سيعمل على إعادة النظر ب"قانون القومية الأساس"، وسيعيد الاعتبار للقضاء بالمعنى الاستعماري الإسرائيلي، ويحافظ على الديمقراطية الشكلانية، ويحد من دور الحريديم المتطرف. ولكنه اقتصاديا واجتماعيا لا يختلف في الجوهر عن نتنياهو، ولا غيره من قوى اليمين.

وهنا يتأكد الاستخلاص القديم الجديد، وهو انه لا توجد في إسرائيل ونخبها، وفسيفسائها الحزبية والسياسية من يملك الشجاعة والقدرة على تبني خيار السلام العادل والممكن والمقبول فلسطينيا وعربيا ودوليا. لأنهم جميعا أسرى ذات النزعة والخلفية الفكرية السياسية الاستعمارية، وهم كلهم في خندق المشروع الكولونيالي الواحد، الطامع في بناء "دولة إسرائيل الكاملة" على كل فلسطين التاريخية. وإن وجد تباين أو اختلاف فيما بين الكتل، فهو اختلاف في الشكل، وفي الإخراج لبلوغ الهدف الاستعماري الناظم لكل مكونات الحركة الصهيونية بمشاربها واتجاهاتها ومسمياتها المختلفة.

ومع ذلك، فإن صعود تكتل أزرق أبيض لسدة الحكم بات مصلحة إسرائيلية خاصة، وتخدم مناورة قادتها الجدد، في حال تمكنوا من حصد الأغلبية في الكنيست القادم لتلميع صورة الدولة أمام الرأي العام العالمي، من خلال هزيمة نتنياهو، وإسدال الستار على تسيد الليكود وزعيمه نتنياهو في الحكم، وفتح الباب أمام قيادات جديدة تكسر الاحتكار النتنياهوي، ليس هذا فحسب، بل وتضعه في السجن ارتباطا بقضايا الفساد المتورط فيها. وربما تؤثر على مسار صفقة القرن الأميركية من حيث تنظيم تنفيذها بسيناريو أقل تطرفًا وفجورًا.

لذا لا يمكن لفلسطيني أو عربي أو أممي مؤمن بخيار السلام الرهان على تكتل "كاحول لافانا" بقيادة غانتس لبيد لبناء عملية سلام ممكنة وواقعية. وهو ما يدلل على أن المجتمع الإسرائيلي ليس مؤهلا، ولا ناضجا لبناء تسوية سياسية تتفق ومرجعيات عملية السلام.