تقرير: ساهر عمرو

في الذكرى الخامسة والعشرين لمذبحة الحرم الإبراهيمي الشريف، التي نفذها الإرهابي باروخ غولدشتاين، وراح ضحيتها 29 مصليا داخل الحرم ومحيطه، فجر الخامس والعشرين من شباط لعام 1994، تشهد مدينة الخليل ارتفاع وتيرة تحريض المستوطنين على المواطنين الفلسطينيين، ومساعٍ حثيثة من قبل سلطات الاحتلال للسيطرة الكاملة على الحرم الإبراهيمي، عبر منع الآذان ومنع وصول المواطنين إليه، والسماح للمستوطنين باستباحته، وآخر الإجراءات كان رفض التجديد لبعثة التواجد الدولي في المدينة.

وبوضوح أكثر، أدت المذبحة إلى تقسيم الحرم الإبراهيمي مكانيا وزمنيا، حيث فرض الاحتلال سيطرته على ما يزيد من 66% من إجمالي مساحته، ووضعها تحت تصرف المستوطنين.

وتناقلت الصحافة العبرية على مدار أيام تصريحات لقادة جيش الاحتلال تعتبر فيها البعثة عقبة أمام عملها، وفرحة المستوطنين بقرار وقف عمل البعثة، وتوزيعهم الحلوى ابتهاجا.

عقب المذبحة صدر قرار عن مجلس الأمن الدولي يحمل رقم "904"، أدان الجريمة، ودعا إلى توفير الحماية للفلسطينيين، وبناء على ذلك تم تشكيل ما عرفت ببعثة التواجد الدولي "TIPH"،

وعلى مدار 22 عامًا من عملها أظهر الاحتلال رغبة واضحة بالتخلص منها، لتغييب الرواية الحقيقية، في خطوة قد تكون تأسيسا لمرحلة جديدة، وخلق ظروف مشابهة لما كانت عليه الحال قبل عام 1994، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي لظهور غولدشتاين جديد، يكون عنوان مرحلة ومخططات جديدة، تبتلع ما أبقته مخططات المذبحة الأولى.

هذا ما أكده عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أحمد سعيد التميمي، الذي قال إن الاحتلال يسعى إلى إخلاء البلدة القديمة من أهلها، ويمارس والمستوطنون الإرهاب المنظم.

واعتبر أن قرار وقف عمل بعثة المراقبين الدوليين يأتي في سياق تهيئة الظروف لتنفيذ مخطط احتلالي جرى إعداده مسبقا، للتخلص من المواطنين الفلسطينيين والاستيلاء على ممتلكاتهم والأماكن الدينية في المنطقة، بالإضافة الى انه يأتي في سياق تنافس الكتل الإسرائيلية لنيل رضا المستوطنين من أجل الانتخابات المقبلة، فالأراضي الفلسطينية والمواطن الفلسطيني مادة دعائية مفضلة لدى الساسة الإسرائيليين لاستقطاب الأصوات الانتخابية وخاصة أصوات المستوطنين.

من جانبه، قال الصحفي المطلع على الشؤون الإسرائيلية أنس أبو عرقوب إن إسرائيل وجدت نفسها في البداية مضطرة لقبول وصول بعثة التواجد الدولي إلى الخليل، لتخفيف وطأة الانتقادات التي أعقبت مجزرة الحرم الإبراهيمي، وكان ذلك أول وآخر حالة تقبل فيها بوجود مراقبين دوليين، ومنذ وصول البعثة تواصل التحريض من جانب اليمين الإسرائيليين، ومع تطور قدرات اليمين الدعائية في حشد الرأي العام وقدرته على التأثير على صناع القرار، تصاعد الخطاب المعادي للبعثة ما أدى لاتخاذ قرار بطردها.

وأضاف أن اليمين الاستيطاني اختار آخر حملاته الدعائية لتشويه الدور الذي تؤديه بعثة التواجد الدولي، وبعد مدة قصيرة من إعلان رئيس حكومة الاحتلال التوجه لانتخابات مبكرة، لإدراكهم أن بنيامين نتنياهو يبحث عن أي فرصة لإرضاء المستوطنين واستثمار ذلك في صناديق الاقتراع.

بدوره، أشار الناشط في مجال توثيق الاعتداءات الإسرائيلية هشام الشرباتي إلى إن المستوطنين ينتظرون بفارغ الصبر اللحظة التي ينفردون فيها بأهلي البلدة القديمة.

وأضاف، "عندما تخلو المنطقة من الكاميرات يجد المستوطنون الفرصة سانحة للتنكيل بأي فلسطيني، خاصة في ظل الحماية والغطاء الذي يوفره جنود الاحتلال، الذين يمارسون بدورهم انتهاكات لا تقل في خطورتها عن جرائم المستوطنين، فغياب الشهود الدوليين وتقاريرهم ذات المصداقية العالية، والتي كانت إلى حد ما تشكل رادعا، سيجعل من البلدة القديمة بيئة يفضلها الاحتلال والمستوطنون لممارسة أبشع أشكال الإرهاب بحق المواطنين.

وما بين ما تناولته الصحافة العبرية من تقارير واضحة لجيش الاحتلال تعتبر وجود البعثة الدولية عقبة أمام قواته لتنفيذ عمليات دقيقة في المنطقة، وما بين الفرحة الكبيرة التي قابل بها المستوطنون قرار وقف عمل البعثة الدولية وانطلاقهم في شوارع البلدة القديمة يوزعون الحلوى ويصرخون باتجاه المواطنين الفلسطينيين مهددين ومتوعدين، يطرح السؤال هل نحن على موعد مع غولدشتاين جديد؟ أم هنالك ما هو أسوأ؟.