لأنَّ الرئيس أبو مازن قال لا لصفقة القرن الفاسدة، ولأنَّه أكَّد وشدَّد غير مرة أنَّه لا تراجع عن هذه الـ(لا) وأنّه ما عاد للإدارة الأميركية دور الوسيط الوحيد في أيّة عملية سياسية مقبلة، ولأنَّه تصدَّى لضغوط شتّى لحمله على التراجع عن هذا الموقف، ولأنّه قال وعلى نحو القسم، أنّه لو بقي قرش واحد لدينا فإنَّه لعوائل الشهداء والأسرى، في تصديه الحاسم لقرصنة (إسرائيل) أموال المقاصّة الفلسطينية، وقراره إنَّنا لن نتسلَّم أموال هذه المقاصة إذا ما نقص قرش واحد منها، ولأنَّ الرئيس أبو مازن هاتف مفتي القدس وحيَّا صمود المرابطين في الأقصى، ليرفرف عَلم فلسطين إثر ذلك فوق باب الرحمة، بعد أن تمكن المقدسيون البواسل في ملحمة تحد بطولية جديدة، من فتح هذا الباب الذي أغلقه الاحتلال الإسرائيلي منذ اثني عشر عاما، ولأن الرئيس أبو مازن لا يخادع شعبه ولا يسوق له الأوهام، ولا يدعو لغير الواقعية النضالية، لتعزيز الصمود الوطني وتكريس المقاومة الشعبية السلمية في مواجهة المحتل الإسرائيلي ومستوطنيه، حتى اندحاره، وقيام دولة فلسطين الحرة المستقلة من رفح حتى جنين بعاصمتها القدس الشرقية، ولأنَّ الرئيس أبو مازن على الصعيد الدولي داعية السلام العادل والساعي إليه بسياسة الحق والحقيقة وباحترام الشرعية الدولية وقراراتها، ولأنه اليوم رئيسٌ لمجموعة دولية بالغة الأهمية ما يجعل من فلسطين حاضرة دولية، لأنَّ الرئيس أبو مازن هو كلُّ هذا الموقف الوطني النضالي الحاسم، وهذه السياسة الحكيمة، وهذا الحضور الفاعل على مستوى العالم اجمع، ولأنَّه الفلسطيني حتى النخاع تمامًا، فإنَّ حركة "حماس" باتت لا تُطيقُ كلَّ ذلك على نحو مجنون، فتذهب إلى تصعيد محموم ضد الرئيس أبو مازن في دعوة أقل ما يُقال عنها إنّها الخطيئة الكبرى بأُم عينيها، وهي تطالب برحيله (!!) وما من أحد يتمنّى اليوم أن يرحل الرئيس أبو مازن، أكثر من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، والتنظيم الدولي للإخوان المسلمين!! هذا يعني وبلا أي جدل، أنَّ "حماس" وهي تزامن دعوتها المخبولة هذه، مع اشتداد الحرب الأميركية الإسرائيلية على رأس الشرعية الفلسطينية، ومشروعها الوطني التحرري، إنَّما هي تعلن بلا أي لبس، أنَّها شريك في هذه الحرب العدوانية، وإذ تزامن "حماس" دعوتها هذه أيضًا مع تصعيد لخطاباتها التهديدية في مسيرات العودة، فإنَّها إنَّما تُقدِّم هنا دعمها الانتخابي لليمين الإسرائيلي المتطرِّف الذي يقوده نتنياهو، لا سيما أنَّ نتنياهو بات تقريبًا لا يملك غير ورقة "التهديد الأمني" التي يمكن أن تقوده إلى الفوز في الانتخابات المقبلة، على اعتبار أنّه الوحيد القادر على ردع هذا التهديد، الذي تغذيه خطابات "حماس" بأوضح وأفضل ما يريد نتنياهو!!

نعم "حماس" اليوم شريك في الحرب الأميركية الإسرائيلية ضد الشرعية الفلسطينية ومشروعها الوطني التحرري، ومَن يتساوق ويتماهى اليوم مع ادّعاءات "حماس" وأحابيلها الإعلامية، إنَّما يضع نفسه على أقل تقدير في موضع الشبهات، وتجنُّب الشبهات، هو عمل الحكمة بقدر ما هو عمل التقوى، ومَن يقع في الشبهات طبقًا للحديث الشريف، فإنَّه يقع في الحرام، الحرام الذي تمارسه "حماس" اليوم بمنتهى القبح والدونية، وبلا أيِّ خجل ولا من أي نوع كان، ترى المستوطنين الصهاينة وهم يدعون لقتل الرئيس أبو مازن في صُوَر وضعوها على مفارق الطرق، فتقوم هي بحرق صُوَر الرئيس في دعوة أبشع لقتله!!! وكم مرّة تماهى وتساوق الزهار مع ليبرمان في هذا التحريض المأفون!!

أيّة دلائل بعد يمكن أن يقدم الواقع هذا كي يدرك الكلّ الوطني، أنَّ "حماس" باتت على الطرف الآخر تمامًا، حيث ترامب ونتنياهو والتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، هذا التنظيم الذي لا علاقة له بإسلام الحق والعدل والنزاهة والتقوى، إسلام العقل والحكمة والجدال بالتي هي أحسن، والذي جاء به رسول الرحمة والمحبّة والتسامح محمد صلّى الله عليه وسلم.

أيّة دلائل بعد، و"حماس" لا تريد أن ترى في باب الرحمة، وقد فتحه المرابطون بإرادتهم الوطنية الحُرّة رغمًا عن الاحتلال وغطرسته، لا تريد أن تراه بابًا لتوبتها عن الخطايا التي ارتكبت وما زالت ترتكب بحق فلسطين وقضيتها ومشروعها الوطني التحرري، كأنَّ الغيَّ بات مرشدها الوحيد، والضلالة طريقها، ويا لَهَا من طريق معتمة لا تقود لغير الهلاك في الدنيا والآخرة والله تعالى أدرى وأعلم.