تلقَّى الرئيس الأميركي دونالد ترامب صفعة قوية على وجهه، من خلال النجاح المبهر الذي حقّقته "الأونروا" في التغلُّب على أزمتها المالية الناجمة عن عدوان مباشر نفَّذه ضدها ترامب بنصائح من مساعديه الذين اختارهم على هواه، ليُنافقوه في برنامجه المعادي بالمطلق للشعب الفلسطيني، وقضيته المركزية، وحقوقه العادلة والمشروعة التي يقرّ بها العالم أجمع، باستثناء حكومة نتنياهو وحليفتها إدارة ترامب.

وطبعًا نجاح "الأونروا" في تخفيض العجز من 446 مليون دولار إلى واحد وعشرين مليون دولار، تمَّ بفعل مبادرات المجتمع الدولي، وهذا نجاح له معانٍ عميقة، أهمها على الإطلاق أنَّ القضية الفلسطينية هي قضية عالمية بامتياز، وكلُّ من يريد أن يكون مع الحق والعدل لا بد أن يكون معها، وكل من يريد أن يسجّل موقفًا ضد العدوان والظلم والاستهتار الأميركي الصهيوني فلا بد أن يكون معها، خاصة أن الشعب الفلسطيني صاحب القضية ورمزها هو شعب مثير للإعجاب بدهشة، بقدرته الفائقة على البقاء، والحضور الإيجابي، وأنه بنضاله العادل من أجل قضيته وحقوقه قد سجّل نماذج نضالية أصبحت جزءًا من الميراث الحضاري للإنسانية كلّها، شعب فجّر ثورة بالقرب من أكبر حقل بترول في العالم، شعب مارس كل أنواع النضال المشروع مضيفا إليه بعدًا جديدًا، شعب تجسّدت معجزته القصوى في نهوضه المستمر، وقيامته المذهلة من الرماد!!!

في الأيام الأخيرة، فوجئ الكثيرون في العالم، أن أميركا ترامب، مستاءة، بل مستاءة جدًّا، لأنّ القيادة الفلسطينية تمضي قدمًا في الانضمام إلى المنظمات والمعاهدات الدولية، لماذا؟ أميركا ترامب، أو إدارة ترامب تقول إنّ الوقت لم يحن بعد! وهل المنظمات الدولية التي تقبل عضوية فلسطين فيها، تمارس هذا القبول بدون قواعد ومن دون معايير؟ وهل الجهة الوحيدة في العالم التي تعرف هذه القوانين والمعايير هي أميركا وحدها؟ أم أنَّ ترامب وإدارته يتوهمون أنّهم على وشك الإفصاح عن "صفقة القرن"، وأنهم يحبون أن ينتظر كل فعل فلسطيني إلى ما بعد إعلان الصفقة؟ وهل يظل ترامب ضيّق الأفق هكذا، كلّما اكتشف خللاً رهيبًا في تصوّراته يزيد عداءه للشعب الفلسطيني وقيادته الشرعية، بينما الخيار الصحيح أن يتوجّه ترامب بالعداء لأعضاء إداراته الذين خدعوه، ولحلفائه الإسرائيليين الذين نصبوا عليه وأوقعوه في شر أعماله، فتحوّل من وسيط إلى عدو، وتحوّل من حكم إلى خصم.

الفلسطينيون يتقدّمون، رغم عار التطبيع المجاني الذي اعتدى من خلاله المطبّعون على مبادرة السلام العربية، وعرضوا أنفسهم كبضاعة رخيصة، لا يذهبون إلى القدس بحجة أنّ هذا تطبيع، ولكنّهم حين يُعزَف النشيد الإسرائيلي في عواصمهم، يرقصون فرحًا بحجة أنّ هذا اندفاع نحو السلام، يا سلام؟!

فلسطين تتقدّم لأنّ القيادة الشرعية الفلسطينية تستثمر الممكن إلى أقصى مدى، وهي تقرأ بعمق أن العالم ذاهب إلى تحوّل جذري، وأنّ فلسطين جزء من هذا التحوّل الجذري، وأنّ الساقطين بكل أشكال سقوطهم، ومهما كانت السمسَرات التي يتورّطون فيها لا مكان لهم إلّا في متاهات العار واللعنة، أمّا فلسطين فهي الحقيقة المشرقة بتراكم البطولات وكل أشكال الحضور المبدع.