ثلاث سنوات ونصف السنة. هذه الفترة الزمنية المطلوبة للوزيرة ميري ريغف لتحويل وزارة الثقافة الى مكتب مفوضية الثقافة. لقد قامت بذلك بصورة مدروسة ومنهجية، متعبة في طريقها مراسلي الثقافة الذين توقفوا عن الكتابة عن تطاولاتها وتهديداتها على المبدعين والمؤسسات. "هي فقط تبحث عن العناوين"، قال الكثيرون منهم واخطأوا. ما وراء ذلك ارادت ريغف أن تغير عميقا عالم الثقافة الاسرائيلي واخضاعه لقيم وسياسة الحكومة الحالية.
اذا كان تعديل القانون ذي الاسم الفاشي "اخلاص في الثقافة" سيمرر في الكنيست حتى نهاية الشهر كما تأمل ريغف، فان الفوز سيكون من نصيبها. "القانون لا يتحدث عن حرية التعبير، بل عن حرية التمويل"، كررت ريغف الحملة الفعالة، لكن المشوهة. اموال الجمهور المخصصة للثقافة لا تعود لحزب السلطة بل لكل الجمهور الاسرائيلي على اختلاف مواقفه. ولكن ثلاث سنوات ونصف السنة هي كل ما تحتاجه من اجل تحويل الجهاز الى توزيع دعم اقتصادي للمؤسسات الثقافية الى جهاز لمعاقبة المؤسسات الثقافية.
موشيه كحلون – الرجل الذي بعد سنوات من الوقوف في الثقب، وافق بالتحديد في سنة انتخابات – في مناخ خطير من الانقسام، الحماسة والبحث عن خونة تحت كل شجرة نضرة – وافق على التنازل عن الصلاحيات التي منحت لوزارة المالية ونقلها الى وزيرة متقدة العيون. هو المسؤول عن انهيار الفصل الذي حدد في القانون بين اليد المسؤولة عن توزيع الميزانية للثقافة وبين تلك التي يمكنها فرض عقوبات على مؤسسات الثقافة. ريغف في الحقيقة صوبت واطلقت النار، لكن ايضا يد كحلون مست بالجثة وحللت المحرم.
قائمة تصفية – سينما تيك في تل ابيب، مهرجان اسرائيل، مهرجان السينما في القدس، مهرجان السينما في الجنوب، مهرجان الافلام في حيفا، مسرح الاطفال "الميناء"، مسرح "الميدان"، مسرح "يافا"، كل صناعة السينما المحلية، وحتى مهرجانات الافلام التي تحتفل بالابداع الاسرائيلي وراء البحار. هذه قائمة جزئية للمؤسسات التي سبق وتلقت تهديدات من ريغف التي ارادت اثناء ولايتها فحص امكانية المس بميزانياتها بسبب "المس بقيم الدولة". كل من يأمل باجراء تعديل طفيف على القانون يجب عليه ان يسأل نفسه: كيف كانت الثقافة الاسرائيلية ستبدو لو ان صلاحية تقليص الميزانيات كانت في يد الوزيرة منذ بداية ولايتها.
"قيمنا" – الصيغ المختلفة لهذا المفهوم التي استخدمتها ريغف: "العرض يمس بالقيم الاساسية للجمهور الاسرائيلي ودولة اسرائيل"، "الحديث يدور عن افلام تسعى الى تقويض قيمنا ورموزنا" وما اشبه. في صراعها ضد عالم الثقافة استخدمت ريغف بالجملة كلمة قيمنا بصيغة جمع المتكلم (نحن). وكأن هناك فقط طقم قيم حلال وهي صاحبة القدرة والصلاحية على تشخيص من يحافظ على قيمنا ومن يريد تقويضها. ولكن عندما نحدد قيمنا بصورة جماعية كهذه، يوجد لـ "قيمنا" ميل للتقلص واخراج المزيد من الافكار والاشخاص خارج الجدار.
منذ مئات السنين سفكت دماء كثيرة في الحروب التي شنها الاشخاص المؤمنون بقيمنا ضد الذين يسمحون لكل شخص بأن يحدد لنفسه عالم قيمه. حتى الآن رؤية ريغف انهزمت، لكن الضرر الذي يمكن أن تتسبب به للمجتمع ممزق مثل المجتمع الاسرائيلي هو ضرر كبير.
21 تشرين الاول، يوم ولادة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. في مقابلة مع برنامج "قبل الاخبار" تمنت له الوزيرة ريغف النجاح والانجاز والصحة والسعادة و"أن لا يسمع المخللات"، من المفضل أن يسجل هذا في المذكرات من الآن كي لا ننسى. فمن يعلم، ربما قريبا عدم ذكر الموعد سيعتبر تقويضا لقيمنا.