أكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أن مدينة القدس أغلى من أنفسنا وأرواحنا، لافتاً إلى أن الله سبحانه وتعالى وعدنا بأن نصلي في القدس، وهذا وعد الآخرة.

وأوضح الرئيس عباس، خلال كلمة له في مؤتمر الأزهر الشريف لنصرة القدس، والذي يعقد في القاهرة، الأربعاء، أن مدينة القدس بأمس الحاجة، وأكثر من أي وقت مضى للنصرة والجهود والوقفة من الأزهر الشريف.

وأضاف، أن إعلان الرئيس الأمريكي دونالد الترامب الأخير تحدٍ فاضح للمسلمين والمسيحيين وعدوان من واشنطن على الأرض الفلسطينية ومقدساتها، مشيراً إلى أن الإدارة الأمريكية اختارت أن تخالف القانون الدولي والقرارات الدولية والثنائية، وتتحدى شعوب العالم كافة وتناقض الإجماع الدولي.

ولفت إلى أن الرئيس الأمريكي ترامب ادعى زورًا وبهتانًا أن القدس عاصمة لإسرائيل، مشدداً على أن الفلسطينيين حصلوا على العشرات من القرارات الدولية؛ إلا أنه وبسبب عجز المجتمع الدولي لم يطبق أي قرار من هذه القرارات.

وتابع: "على الأمتين العربية والإسلامية أن تقف وقفة واحدة من أجل أن تقول للعالم لماذا كل هذه القرارات لم تطبق، ونقول للعالم لن نذهب للإرهاب والعنف، وسنواصل بالمطالبة السلمية لحقوقنا".

وأكمل: "لعل ما يدعو للاستهجان والاستنكار أن قرار ترامب الذي يمثل خطيئة، قد جاء مناقضاً لكل المواقف الأمريكية السابقة بشأن القدس، سواء أممية أو أمريكية".

واستطرد: "منذ 1947 حصلنا على 705 قرارات من الجمعية العامة و86 قراراً من مجلس الأمن وبسبب عجز المجتمع الدولي لم يطبق أي قرار منهم".

وتساءل الرئيس عباس: "كيف نثق بهذه الإدارة لكي تحكم بيننا وبين إسرائيل؟ لن نثق بها ولن نقبل بها حكماً، وكيف قبلت واشنطن على نفسها هذا الموقف الغريب الذي نسف كل مواقفها السابقة وهز صورتها كدولة عظمى يفترض فيها أن تلتزم بتعهداتها وتحترم الشرعية الدولية وقوانينها، وكيف يمكن لأحد في العالم القبول بهذا الانتهاك الصارخ للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن؟".

وأضاف الرئيس: "أخرجت الولايات المتحدة من خلال هذا القرار الخطير من عملية السلام، ولم تعد تصلح أن تقوم بدور الوسيط الذي لعبته خلال العقود الماضية، وفرضت علينا واقعاً لا نملك معه إلا أن نلجأ لكل الخيارات الأخرى المتاحة بين أيدينا من أجل الدفاع عن حقوقنا، ولكننا لن نذهب إلى الإرهاب والعنف، ولنا وسائلنا الأخرى للحصول على حقوقنا".

وأكد أن القيادة الفلسطينية ستواصل الانضمام إلى المنظمات والمعاهدات الدولية كحق أصيل للشعب الفلسطينيي، وأن ذلك يتم بالتنسيق مع الدول الصديقة، مشدداً أن القيادة لن تتوقف عن الكفاح للوصول للحقوق الفلسطينية وإقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية بحدودها الكامل وحل عادل لقضية اللاجئين حسب القرار 194، ووفقاً للمبادرة العربية للسلام التي صدرت عام 2002.

واستطرد: "نثق في وعد الله في كتابه الكريم، وأقول من جديد أننا نتمسك بالسلام كخيار لشعبنا ولن يكون بأي ثمن وسلامنا يستند للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة وبما يضمن إقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الـ 67".

وأكد الرئيس عباس، أن القيادة الفلسطينية لن تقبل أن تكون القدس عاصمةً لإسرائيل سواء من الولايات المتحدة أو غيرها، لافتاً إلى أن الفلسطينيين في أرضهم منذ أكثر من 1400 سنة.

وأضاف: "لا يوجد هناك مسلم أو مسيحي أو يهودي محترم يقبل أن نتخلى عن مدينة القدس، فالمدينة للمسلمين والمسيحيين منذ فجر التاريخ، ولا يمكن لأحد التفريط بحبة رمل فيها، ولم يُولد بعد ولن يُولد أبداً الفلسطيني أو العربي أو المسلم أو المسيحي الذي يمكن أن يساوم على القدس وفلسطين، أو يفرط بذرة من ترابها أو التهاون في مكانتها وسلطانها الروحي على قلوب وعقول ملايين البشر من المسلمين والمسيحيين، وسنبقى الأوفياء الملتزمين بقرارات المجالس الفلسطينية".

وأكد الرئيس عباس، أنه لا معنى لدولة فلسطين دون أن تكون القدس عاصمة لها، وأن هناك من الدول الأوروبية من اعترف بدولة فلسطين وعاصمتها القدس، متابعاً: "قرار ترامب لن يمنح الاحتلال حقاً في أرض القدس أو سمائها، فهي مدينة فلسطينية عربية إسلامية مسيحية وعاصمة دولة فلسطين الأبدية وبدونها لن يكون سلام في المنطقة أو العالم بأسره".

وقال: "القدس هي بوابة السلام للجميع، حين تكون فقط عاصمة لدولة فلسطين، وهي بوابة الحرب والخوف وغياب الأمن والاستقرار إن لم تكن عاصمةً لدولة فلسطين، وعلى السيد ترامب أن يختار".

وأكمل: "الرواية الفلسطينية التي هي حقيقة الدين والتاريخ قد أصبحت الآن أكثر قدرة على إثبات منطقها وثوابتها وحقوقها الوطنية فيما الرواية المناقضة والتي تمثل آخر احتلال في العالم أصبحت تتقوقع أكثر فأكثر داخل أزمتها الأخلاقية والسياسية المتصاعدة وتعاني غياب الموقف الذي يحكم أي رواية تريد أن تمتلك الصوابية والحق".

وأضاف: "إن الاحتلال الإسرائيلي بكل ما يحمله من انتهاكات للأرض الفلسطينية وما يكرسه من أزمة أخلاقية أضحى اليوم يواجه رفضاً دولياً حاسماً ومتزايداً ".

وبين أن فلسطين آخر شعوب العالم التي تواجه الاحتلال، وأن قرار الكنيست الأخير لتكريس الاحتلال والتخطيط لطرد آلاف المقدسيين إلا مثالاً صارخاً لتشجيع العدوان على الشعب الفلسطيني، والحكومة الإسرائيلية انتظرت قرار ترامب لتغيير حدود القدس وإقرار القوانين التي ترفض إدخال المدينة في أي مفاوضات مقبلة.

وتابع: "لم يعد من الممكن السكوت أمام هذا العدوان ونحن مطالبون بخطوات عملية، لمنع إسرائيل من مواصلة انتهاكاتها لهوية وطابع مدينة القدس واستمرار الاستيطان، واعتداءاتها على المقدسات ومن أجل المحافظة على الوضع التاريخي للمدينة"، لافتاً إلى أن الاحتلال حاول قبل أشهر على فرض واقع جديد بالمسجد الأقصى من خلال البوابات الإلكترونية.

وشدد على أن ثبات أهل القدس المسيحييون والفلسطينييون أمام هذه الغطرسة الإسرائيلية، ليمنعوا نتنياهو من إجراءاته وتمكنوا من ذلك، مؤكداً أن الدعم الأردني والمصري والسعودي والمغربي ساهم في الانتصار بالمعركة.

ونوه إلى أن هبة البوابات أكدت عظمة المقاومة الشعبية السلمية، وأن جباه المصلين منعت نتنياهو من السيطرة على المسجد الأقصى، والقيادة الفلسطينية متمسكة بالمقاومة الشعبية السلمية وستواصل طريقها، وهي التي تؤكد صواب الدعوة للأمة العربية من أجل شد الرحال للمدينة المقدسة.

ولفت إلى أن القدس لن تكون لقمة سائغة للاحتلال وهي تخص جميع العرب والمسلمين، وأن التواصل العربي مع مدينة القدس هو دعماً للمدينة وليس تطبيعاً مع الاحتلال أو الاعتراف بشرعيته، والدعوات لعدم زيارة القدس بدعوى أنها أرض محتلة لا تصب إلا في خدمة الاحتلال الإسرائيلي، مطالباً الجميع بالتواصل مع أهل القدس وزيارتها.

وأضاف: "زيارة القدس ليست تطبيعاً مع إسرائيل وإنما تشيجع للناس لكي يصبروا ويصمدوا، فنحن نريد القدس بأهلها ومساجدها وكنائسها، وليست مجرد حجارة".

وتابع: "الاحتلال الإسرائيلي يحاول أن يجعل حياة الفلسطينيين جحيماً لا يطاق لتهجير الفلسطينيين، كما يمارسون القتل بالدم البارد، إلا أن الفلسطينيين لن يرتكبوا حماقة الـ 48 أو الـ 67 وسيبقون في أرضهم صامدون".

وبين الرئيس عباس، أن قضية القدس ليست قضية ثانوية وهي اليوم تستنصر أمتها ويقولون للجميع واقدساه لكي تشد الرحال نصرة لها ولدعم صمود أهلها ورباطهم فيها، مؤكداً أن قدوم العرب والمسلمين والمسيحيين للقدس نصرةً لها وحماية لمقدساتها وليس تطبيعاً مع الاحتلال الذي يضع كل العقبات ليستفرد بما تبقى من السكان ويطردهم.

وقال: "طال زمن التحديات الجسام، وتوالت المحن والنكبات على هذا الشعب منذ ما يزيد على قرن من الزمان، لكن رايتهم بقيت خفاقة عالية، وهامات أبناءه وبناته بقيت مرفوعة، ولم نستسلم جيلاً بعد جيل، وشاهدنا بأم أعيننا الزهرة الفلسطينية العملاقة عهد التميمي والتي منذ عمر الست سنوات تقاوم الاحتلال ولا تخاف".

وأضاف: "كل من تضرر من الاحتلال يطالب بالذهاب لمحكمة الجنايات الدولية، وهذا من حقهم، وسيذهبون للمحكمة الجنائية الدولية للمطالبة بحقوقهم، ولعلها تنصفهم أكثر من الأمم المتحدة".

وأكمل: "القدس ستظل مدينة مفتوحة لكل الأديان السماوية دون تفريق، لأننا نحن كمسلمين نؤمن بكل الأديان والرسل ولا نفرق بين أحد منهم، وكلنا أمل أن يتمخض مؤتمر الأزهر الشريف عن نصرة حقيقة للقدس، وأن نرى أفواج المرابطين تتقاطر على القدس من كل أرجاء الدنيا".

وقال: "إن صوت الأزهر الشريف وعلماء الأمة الإسلامية ورجال الدين المسيحيين ضرورة وواجب، ولابد أن يحضر في هذه المعركة وأن يخوضها من أجل القدس".