كما توقع الفتحاويون وابناء شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة، حلّت الذكرى الحادية عشرة على استشهاد الرئيس ياسر عرفات، كغيرها من سنوات الانقلاب السابقة، فقد مُنعِت حركة "فتح" من قِبَل حماس من إحياء هذه الذكرى بشكل يليق بـ"أبو عمار" الرجل الرمز لفلسطين ولمسيرة التحرير الوطني.
مجلة "القدس" التقت عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" الدكتورة آمال حمد لتتحدث عن هذه المناسبة.
برأيك لماذا تمنع حركة "حماس" التي تسيطر على قطاع غزة حركة "فتح" كل عام من إقامة حفل احياء للذكرى في مكان يليق بهذه الذكرى؟
رفضُ حماس ليس غريباً، وهو شيء متوقع، وطبيعي من حركة اختطفت قطاع غزة بأكمله وكرّست مفهوم الانقسام بين شطرَي الوطن، واليوم من خلال منعها لنا من الاحتفال بذكرى ياسر عرفات، هذا المعلّم والملهم والأب والقائد والمؤسّس وعنوان وهوية وضمير الشعب الفلسطيني، فهي توجّه رسالتين. الأولى أنها لا ترغب لا بالوحدة ولا بإنهاء حالة الانقسام.
أما الرسالة الثانية فهي خوف حركة حماس من كم الجماهير التي من الممكن أن تخرج في هذه الذكرى العزيزة على قلوبنا جميعاً والتي ستعطي مشهداً ثانياً لقطاع غزة ترفضه حركة حماس، والذي يبيّن أن الأغلبية بغزة هم أبناء الشهيد ياسر عرفات، ومن يسيرون على نهجه وخطاه، وهم أبناء حركة "فتح"، وبالتالي تعطي رسالة للعالم بأن أبناء ياسر عرفات هم من يسيطرون على قطاع غزة بتشكيلهم الأغلبية والأكثرية في القطاع، وذلك ليس في مصلحة حركة حماس، كونه يفيد بأن غزة ليست مِلكاً ولا حكراً على حركة حماس، بل هي ملكٌ للشعب الفلسطيني وياسر عرفات وأتباع ياسر عرفات.

أصحيحٌ أنكم طلبتم من حماس رسمياً بصفتها المسيطرة أمنياً وادارياً على قطاع غزة إحياء الذكرى؟
نحن طلبنا ذلك بشكل واضح باسم مؤسسة الشهيد ياسر عرفات، وذلك لأنها تضم بين ثناياها ليس أبناء حركة "فتح" فقط، بل فيها من أبناء الشعب الفلسطيني بأكمله، وفيها قيادات عربية ووطنية لأن ياسر عرفات ليس حكراً على حركة "فتح"، بل هو المؤسس لحركة التحرر الوطني الفلسطيني التي انطلقت في زمن صعب واستمرت في زمن صعب وكانت بوصلة حركات التحرر الفلسطينية والعالمية، وبالتالي المؤسسة هي من طلبت الاحتفال إلا أن حركة حماس رفضت، وقد طلبنا ذلك بناء على أرضية أن هناك من يمثّل الكل الوطني الفلسطيني والإسلامي ولكنهم رفضوا وكانت رسالة واضحة من حماس، لحركة "فتح" بأنها لن تسمح بإقامة احتفال لائق.

كُنتِ من ضمن الوفد الذي تسلّم بيت الشهيد ياسر عرفات الذي كانت قد سيطرت عليه حركة حماس منذ بداية الانقلاب، ما هو شعوركم في ذلك اليوم؟
شعور مؤلم أن نذهب لاستلام بيت القائد المؤسس أولاً ضمن بروتوكول استلام وتسليم، كأن دولة تسلّم دولة، وكأن هذا البيت كان رهينة وحكراً لدى شريحة معينة اختطفته من أبناء الشعب الفلسطيني، البروتوكول يكون بالعادة بين دول، لكن أن نأتي نحن اليوم ونتسلّم البيت بهذا السياق فهذا شيء مقيت ومؤلم على النفس. الشيء الثاني هو مدة السنوات الثماني! لماذا بعد 8 سنوات؟ لماذا لم يُسلَّم البيت في أول يوم بعد الانقلاب؟ مع العلم أننا طالبنا به أكثر من مرة ورفضوا. ولكن لنتدارك الأمر اليوم أصبح لدينا سفارة بغزة، سفارة ياسر عرفات، وهي بيته، والمطلوب أن يصبح هذا البيت مزاراً لكل أبناء الشعب الفلسطيني ويتحوّل إلى متحف، وليس فقط لمقتنيات ياسر عرفات، بل يكون بيتاً لتعلم الوطنية، فياسر عرفات علّمنا الوطنية، وكيف نحب فلسطين وكيف نحب بعضنا وعلّمنا كيف ننتمي لفلسطين والوطن وبالتالي المطلوب أن نتعلّم هذه الرسائل ونعلّمها لأبنائنا. كان عرفات عنواناً للوحدة الوطنية ودافع عنها في كل المراحل، ولم ينتقص من حق فصيل من الفصائل، كان في غابة البنادق التي نفتخر بنضال أهلنا وشعبنا في لبنان، نفتخر بهم في معركة الصمود الأسطوري التي جسّدها شعبنا العظيم بلبنان بكافة الفصائل، وكان ياسر عرفات عنواناً لها حيث حافظ على كل شعبنا الفلسطيني ووحدته وتلاحمه، وهذه الوحدة كانت وقاية لنا، والآن يجب أن يعلّم بيته أبناءنا حب فلسطين وحب الهوية الوطنية الفلسطينية من خلال زيارة هذا المتحف والرسائل التي من المفترض أن تكون بداخله، وهي رسائل تحمل تاريخ الشعب الفلسطيني العريق منذ انطلاق الثورة الفلسطينية وحتى اللحظة، تاريخ هذا القائد وزملائه المناضلين الذين شاركوه في مواجهة المحتل الغاصب، وموروثاتنا الوطنية والثقافية والاجتماعية والسياسية مطلوب أن تكون في هذا المكان.

هل تسلّمتم جميع مقتنياته؟
لم نتسلّم المقتنيات للأسف، دُرنا فقط في داخل المنزل وبعد ذلك وُقّع بروتوكول وخرجنا من المنزل. أمّا الاستلام الحقيقي للمقتنيات فلم يتم، وإنما استلمنا بندقية ياسر عرفات فقط، لما لها من رمزية وما تشكّله في داخلنا من عنوان، فنحن على الدرب، درب المقاومة والنضال، وياسر عرفات حمل هذه البندقية منذ اللحظة الأولى، منذ الرصاصة الأولى والعملية الأولى، وظلَّ محافظاً عليها إلى أن دفع حياته ثمناً لنضاله وصموده الأسطوري، وحفاظه على الثوابت الوطنية الفلسطينية، لذا نسجّلها لا تنازل ولا بيع ولا كما ادعى الآخرون أنه باع الوطن وباع فلسطين والقضية، فالقضية والثوابت كانت حاضرة في عقلية وذهن ياسر عرفات وحافظ عليها ولم يتنازل عنها، ولن نسمح لأي قائد فلسطيني كان من كان بأن يتنازل عن أي ثابت من الثوابت التي استشهد من أجلها ياسر عرفات. وأنا أقول أن البندقية هي طريقنا للتحرير، وفتح لم تتخلَ عن البندقية، قد تختلف أدواتها النضالية من مرحلة إلى أخرى لكن البندقية حاضرة في عقليتنا ومنهجنا وبرنامجنا الوطني والسياسي.

برأيك ما هي رسالة حماس من تسليم البيت بهذه المرحلة رغم منع احياء الذكرى؟
حماس حاولت أن توضح أنها لا تمنع "فتح" من إقامة الفعاليات والمهرجانات، وأنا أقول لمن طلب منا أن نقيم مهرجاناً بغرفة أو صالة صغيرة، أن ياسر عرفات أكبر من ذلك وأن عنوانه ليس صالة أو قاعة مغلَقة، ياسر عرفات بحجم فلسطين والوطن والقضية وبالتالي كان أقل شيء ممكن أن نقدمه هو ساحة تتسع لكل أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة يشارك فيها ويكون الكل حاضراً، لكن حماس حاولت أن تُبرِق برسائل خارجية مفادها أنها سلّمت بيت ياسر عرفات وأنها لا تمنع "فتح" من إقامة الفعاليات،  هذا منهج حماس يخرجون على الإعلام ليقولوا أنهم مع الوحدة الوطنية، وعلى الأرض يبيعون الأرض،  ويقسمون الشعب ويسيطرون على المعابر، وتتحوّل حكومتهم إلى حكومة جباية، وحكومة ظل تمنع حكومة الوفاق الوطني من ممارسة دورها، وبالتالي رسالة تسليم البيت كانت واضحة بأنها محاولة لكسب ود العالم الخارجي عبر الفضائيات، حيث تفاجأنا بحشد وسائل الإعلام التي استدعوها لنقل رسالة أنهم سلّموا البيت وأنهم مع الوحدة الوطنية ويريدون تنفيذها، في حين أن الوقائع على الأرض تشير لشيء مغاير تماماً، والداخل يدرك حجم ممارسات حماس ويعرف أن حماس لا ترغب لا بمصالحة ولا بوحدة وطنية، ولذلك لم يعد يهمها الرأي العام الداخلي، وأنا أقول لحماس كوني صادقة،  ومارسي ما تتحدثين به عبر الفضائيات ووسائل الإعلام على الأرض، وإننا لا نريد أكثر من ذلك.            
                 
لو كان ياسر عرفات حاضراً معنا في هذه المرحلة، برأيك كيف كان سيتعامل مع الهبة الشعبية الحالية؟
نحن ما زلنا نرى أن ياسر عرفات بيننا، وحاضراً في وجداننا وضميرنا ونتعاطى ضمن رسالة ومنهج عرفات الذي رسّخ الأرضية ونستفيد من التجارب التي خاضها كانتفاضة الـ1987 التي شكّلت بوصلة عودة ياسر عرفات وإخوانه، وكذلك انتفاضة الـ2000 التي قادها وحرّكها، واليوم الهبة التي يقودها الرئيس محمود عباس الذي يسير على منهج وخطى ياسر عرفات، يعني بمنطق تحديد مصالح الشعب الفلسطيني، هل مصلحتنا اليوم البندقية والكفاح المسلّح أم النضال الشعبي والسلمي، وأنا أقول أنه في ظل التحولات الإقليمية والدولية وانشغال الدول العربية بأوضاعها الداخلية وسخونة الاقليم، وما يجري فيه وتنامي قوى التطرف الاسلامي والإرهاب الموجود في العالم، إن الهبة الجماهيرية الفلسطينية هي مصلحة وطنية، واتوقع أنه لو كان الشهيد ياسر عرفات موجوداً لتعاملَ بنفس المنطق، فهو قارئ جيّد للسياسة الدولية ولاعب حقيقي في الساحة الاقليمية والدولية، ولكان حلَّ الكثير من القضايا سواء بالاقليم او ساحتنا الداخلية، ولما كان الانقلاب الحمساوي ليحدُث، ولبقيَ الشعب الفلسطيني موحّداً حتى اليوم لأنه كان اكثر شخصية تعي سُبُل التعامل مع الاسلام السياسي، وكان قادراً على أن يقرأ الإسلام السياسي بشكل حقيقي ويحدد حماس إلى أين تريد أن تصل.

هل من الممكن أن تتحوّل هذه الهبة الشعبية الى مسلّحة؟
نحن مع الهبة الجماهيرية السلمية ومع توسعها الافقي واتساعها في المناطق المحاصرة او مناطق التماس او الاشكال المتعددة، ولكن ضد أن تصبح مسلّحة حتى نحافظ على دماء الشعب الفلسطيني ولأن توازن القوى ليس في صالحنا ولأن تحوّلها لانتفاضة مسلّحة سيخدم برنامج وسياسة نتنياهو، وهو معني بأن تتحوّل الهبة الشعبية السلمية إلى انتفاضة مسلّحة تخدم رؤاه وتفسَّر أمام العالم أن الفلسطينيين هم الإرهابيون، في حين أن الإرهابي الحقيقي هو نتنياهو الذي مارس الحرق بحق ابناء الشعب الفلسطيني، فمحمد أبو خضير أُحرِق وهو طفل على قيد الحياة، وعائلة دوابشة أحرِقت وهي على قيد الحياة، بتعليمات وتوجيهات نتنياهو وحكومة المستوطنين التي يديرها، ومن داس الأقصى وحطم الأعراف والمواثيق والشرائع الدولية والأخلاقية من عصابات المستوطنين بتعليمات نتنياهو، واسرائيل من ضمن الدول السبع التي تدعم داعش، والآن داعش يسوّق البترول من خلال دولة الاحتلال إسرائيل، وبالتالي الإرهاب الحقيقي هو نتنياهو ومستوطنوه وحكومته وجيشه، ونحن ندين الإرهاب سواء أكان في لبنان أو في فرنسا أو غيرهما، وما يحدث في العديد من الدول إرهاب حقيقي صنعته أمريكا لخدمة أجندات الاحتلال بقيادة نتيناهو، الذي يمارس الارهاب ضد الشعب الفلسطيني بشكل منظمّ وجرائم منظمة بواسطة حكومته وجيشه ومستوطنيه، لذا ما يحدث في المنطقة كل يوم ناجم عن تخطيط امبريالي أمريكي صهيوني خدمة لنتنياهو وضد الشعب الفلسطيني وقضيته، ولن يكون أمن ولا استقرار في العالم والشرق الاوسط بدون حل عادل للقضية الفلسطينية، وبدون أن نأخذ حقنا ونتخلّص من الاحتلال، ومهما فعل نتنياهو وأمريكا بسياساتها سيبقى الشعب الفلسطيني عصياً على الكسر ويوماً ما سنقيم دولتنا وعاصمتها القدس الشريف.

ماذا تريد حركة "فتح" في هذه المرحلة؟
المطلوب أولاً أن تتَّحدَ حركة "فتح" داخلياً، لأن وحدتها الداخلية بوصلة حقيقية لمواجهة كل التحديات. ثانياً، الوحدة الوطنية وانهاء حالة الانقسام، لأن غزة جزء أصيل من الوطن، ولن نسمح بإقامة دولة بدونها ولا فيها فقط، واقامة الدولة والقدس هي عاصمة ابدية للدولة الفلسطينية، وقد دفع ياسر عرفات حياته ثمناً للحفاظ على الثوابت، ولأن تبقى القدس عاصمة للدولة الفلسطينية.
وبالتالي الوحدة الداخلية والوطنية والدولة الفلسطينية المستقلة وقضية تعزيز الحياة الديمقراطية السليمة،  بدءاً من الخلية ووصولاً الى اللجنة المركزية، وتجديد الشرعيات الفتحاوية الداخلية، هو مطلب وطني بدونها جميعها لن يوجد مشروع وطني فلسطيني، وعلى مستوى الاقليم هناك دور حقيقي لحركة "فتح"، ونحن لسنا دخلاء على المشروع، ولدينا تاريخ يسمح لنا بأن تبقى هامتنا مرفوعة الى عنان السماء، لأن ياسر عرفات واخوانه تركوا لنا ارثاً نضالياً كبيراً نباهي به العالم اينما ذهبنا، وانا اناشد كل اخواني وابناء الشعب بأن تعود "فتح" الى الصدارة، وتلتقط البوصلة تجاه المتغيرات، ففتح مستهدَفة من الاحتلال وممن يسعى للنيل من الشعب والقضية، لأنها حاضنة المشروع الوطني وحركة الجماهير. كما أن الوحدة الوطنية مطلوبة في لبنان، وعلينا أن نعود الى الصدارة ونتجذّر بشكل واضح، ونحن لا نسمح لأي فصيل او دولة ان تتدخّل في الشأن الداخلي لحركة فتح او الشعب الفلسطيني، وكذلك من غير المسموح لفتح أو لأي فصيل سياسي فلسطيني او حزب ان يتدخّل في أي شأن داخلي حزبي أو اقليمي أو عربي أو دولي في اي قضية كانت، ومطلوب ان نكسب التعاطف الدولي والعربي والاقليمي مع القضية الفلسطينية، ونحن اخر احتلال موجود ومن يناصر الشعوب يجب ان يناصر الشعب الفلسطيني بحقه في التخلُّص من الاحتلال، هذا هو العنوان، أما ان نضع انفسنا في حسابات صغيرة هنا وهناك فليس مسموحاً ومحاولة نهش حركة "فتح" وشرذمتنا غير مسموح به ففتح عصية على الكسر وستبقى في المقدمة كما كنا.

هل من كلمة أخيرة؟
هذا الشهر مررنا بمناسبتَين هما استشهاد الرمز ياسر عرفات، واعلان الاستقلال الذي قاده ياسر عرفات في الدورة الـ17 في الجزائر العام 1988، والذي وضع وثيقة اعلان الاستقلال، وهي اعلى وثيقة دستورية فلسطينية ضمنت الحقوق لأبناء الشعب الفلسطيني، تحدث فيها عن الحقوق السياسية والوطنية والعدالة الاجتماعية والمساواة ورفع التمييز والظلم والمساواة بين المرأة والرجل، وهذه الوثيقة نعتبرها مرجعية وطنية فلسطينية دستورية نفتخر بها، ومن خلالها 137 دولة اعترفت بالشعب الفلسطيني، والوثيقة هي التي أسّست للاعتراف بالدولة العام 2012، والاعتراف الاممي الذي حصلنا عليه في الجمعية العامة، وبالتالي كانت بوصلة عرفات ورسالته واستراتيجيته واضحة لجهة تحقيق حلم الدولة المستقلة، ونحن استمرينا على العهد الى ان حصلنا على الدولة، ونعده بأن نستمر لنحصل على دولة كاملة العضوية، وليست بصفة مراقب، ونعلن سيادة هذه الدولة على حدود الرابع من حزيران، التي أعلن عنها الرئيس ياسر عرفات.

خاص مجلة القدس العدد 321/ حوار: منال خميس