يستمر تدهور أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا وهم يدخلون السنة الرابعة من أزمتهم وتهجيرهم، بسبب ارتباطها عملياً وميدانياً بالوضع السياسي والعسكري والأمني السوري من جهة ، وارتباطها بما يجري داخل الضفة الغربية وقطاع غزة من جهة ٍثانية.
لقد أصبحت مفاصل المشكلة الفلسطينية في الوطن والشتات، ورغم خطورة وصعوبة المرحلة التي تمر بها، أكثر ارتباطاً بالحل . وإن انفراجاً ما  في أي تفصيلةٍ فلسطينيةٍ،  سينعكس على بقية القضايا، كون الظروف الدولية والعربية، أصبحت في مواجهة المرآة السياسية التي وضعتها القيادة السياسية الفلسطينية بحنكة وذكاء أمام المجتمع الدولي والعربي والإسلامي، ولقد ساهم ازدياد الممارسات والتضييقات على اللاجئين الفلسطينيين في سوريا داخلاً وخارجاً والمهجرين منهم، في الإسراع بحل قضيتهم.
هناك حلولٌ طبقت بطريقة الأمر الواقع، وتحت مسمىً إنساني، وهي من النوع  الذي يصب بشكل أتوماتيكي في إنهاء حق العودة إلى فلسطين كإعادة توطين اللاجئين في دول المهجر بشكل لاعودة عنه قانونياً، إلا إذا تم ضمان حقهم كلاجئين فلسطينيين في تلك الدول.
فمن أخطر ما يتعرض له هؤلاء اللاجئون الذين يعاد توطينهم في دول أوروبا والدول الإسكندنافية، هو تطبيق بعض نقاط قرار 194 الخاص بعودة اللاجئين الفلسطينيين وتعويضهم، بطريقة ناعمة ودون أي جلبة ، تستدعي حَمـِيَّةَ الثـُّوار التي فَتَرتْ بحسب طبيعة المرحلة رغم مخاطرها، فما يجري عملياً على الأرض هو، أن خيار هذا اللاجئ بالتخلي عن العودة إلى أرض أجداده وأبيه، وذلك باختياره اللجوء بشكلٍ فردي إلى تلك الدول المضيفة والعيش فيها، واكتساب جنسيتها بعد تسجيله حين استقباله باسم لاجئ دون وطن، على عكس اللاجئ السوري الذي يتم تسجيل اسم دولته على ملفه الخاص.
وعملياً، فإن هذا اللاجئ قد تم تعويضه عن ممتلكات أجداده بتأمين متطلباته وعائلته كمواطن سيتم دمجه في المجتمع بجنسيته الجديدة ، دون التوقيع على ورقة تنازل خاصة - ولا ندري إن كان قد وقـَّعها دون علمه أثناء المقابلات الخاصة، كما حصل مع لاجئين فلسطينيين في إحدى الدول الاسكندنافية، وكيف تم إتلاف أوراقهم الثبوتية والشخصية أمام أعينهم عندما اشترطت الجهات المضيفة إعطاء الإقامة و الجنسية لهم مقابل تسليم الأصلية - وكل ذلك يندرج تحت أن قرار 194 هو قرار فردي لكل لاجئ يختار حق العودة والتعويض أو عدم العودة مع التعويض، لذلك من المهم إعادة النظر بطريقة استقبال تلك الدول للاجئين الفلسطينيين، وكما طَرَحتُ سابقاً ، أقلها منح حق المواطنة في دولة فلسطين المقبلة للاجئين الراغبين به، خاصة ً أن الغالبية العظمى منهم يصرحون بعدم تنازلهم عن فلسطين وطناً وأرضاً لهم ، وإدراج ذلك ضمن اتفاق يـُبرَم بين منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني عن طريق السلطة الفلسطينية و دول استقبال اللاجئين، وإن لم يتم تدارك هذا الخطأ وتَحَسـُّسِ الخطورة، فإن هؤلاء سوف يعودون يوماً ما زائرين وسائحين أجانب لأرض فلسطين، كونهم لا يمتلكون وثيقة فلسطينية وطنية ورسمية.
بالإضافة إلى أن توطين اللاجئين الفلسطينيين في تلك الدول هو بمثابة إعلان تطبيقي عن فك ارتباط منظمة التحرير الفلسطيني بهم كممثل لهم وحتى الاونروا من خلال تصريحها أنها غير مسؤولة عن أي لاجئ خارج مناطق خدماتها.
ومن المعروف أن ما دفع بهم للهجرة هو انسداد الطرق أمامهم، بسبب عدم وقوف الدول العربية عند مسؤولياتها القومية والإنسانية تجاههم  بشكل عام، وبسببٍ مباشرٍ هو تراجع خدمات الجمعيات الإغاثية ، لنقص تمويل الجهات المانحة، وكذلك استمرار سياسة الأونروا في تقليص الخدمات والمساعدة المالية المفترضة  للاجئين، وأهم ما أقلقهم هو مستقبل أبنائهم التعليمي والاجتماعي المتروك للمتغيرات والظروف المتقلبة، والمرتبطة بالأوضاع الأمنية، خاصةً في الدول العربية المستضيفة لهم، وبالأوضاع السياسية العربية التي تستعيد ترتيب أوراقها حسب الإرادات الإقليمية والدولية وغير المعروف متى ستنتهي لكي يتم عرضها على طاولة التوقيع والتنفيذ.
ولقد رأى اللاجئ الفلسطيني أن قضيته هي آخر الأوراق العربية المطروحة للنقاش، وربما هي غير موجودة على جدول الأعمال، ما عدا حبرها المخطوط في الكلمة الترحيبية الرسمية، وبشكل خجولٍ لا يـُسمـَح له أن يرقى إلى مستوى اتخاذ المواقف العملية، أو حتى مواقف الشجب والاستنكار، كما كانت سابقاً.
ونتيجة ًلما تعرض له من تضييقات أمنية وسياسية كما حصل في لبنان ، نتيجة ما سـُمـِّي بالقلق الطائفي، وبسبب انسداد أفق الحل، وعدم الاستقرار الاجتماعي والتعليمي والصحي، وانعدام البدائل والخيارات، بدأت الغالبية منهم تتجه نحو الهجرة غير الشرعية كحل فردي .
وهكذا اتسعت ديموغرافيا اللاجئين الفلسطينيين حول العالم، بتشرذمٍ وشتاتٍ أدى إلى مضاعفة التفسخ الاجتماعي في بلاد المهجر، كما حصل مع فلسطينيي العراق وفلسطينيي لبنان  قبلهم؛ مما أدى إلى ضرب الرهان على التكتل الاجتماعي والوطني الفلسطيني في الشتات، والذي صمد 67 عاما ً منذ نكبة فلسطين، في مواجهة الآلة الصهيونية الإعلامية لطمس التراث والحضارة العربية الفلسطينية.
وبقياس هذا التشرذم والانشطار الديموغرافي للفلسطينيين في المهجر، فإننا نجده يتعدى عدد تلك الدول التي هاجروا إليها، لأن توزعهم كان على ولايات متباعدة جداً تستغرق عشر ساعات وأكثر في نفس البلد، للوصول إلى أقاربهم، وبالتالي ارتفاع عدد أماكن تواجدهم إلى أكثر من 20 منطقة جغرافية.
أما بالنسبة للعادات والتقاليد التي هي جزء من الحضارة والثقافة الفلسطينية فإنها ستندثر مع الزمن ، ليس لأن من هاجر منهم هو عديم الوطنية، بل لأن العادة الاجتماعية أو التقليد لا تستمر مقوماته وعناصره إلا ضمن التكتل الوطني والاجتماعي ، داخل تجمعات ومخيمات فلسطينية ، كما كان في دول الطوق والضفة والقطاع، وإن إحياء مناسبات فلسطينية وطنية وسنوية وإن كان يذكر بالوطن، فهو لا يندرج تحت العادات والتقاليد الاجتماعية التي كان يعيشها الفلسطيني كل يوم بل كل لحظة وفي كل تفاصيل حياته مع الكل الاجتماعي ، مما يكرس نكبة فلسطين الحقيقية .
ورغم المشهد الهستيري في الهجرة غير الشرعية، في الآونة الأخيرة، فإن شريحة من اللاجئين الفلسطينيين من سوريا ولبنان لا يزالون يصرون على العودة إلى فلسطين مباشرة، رافضين أية محطة أخرى بعد مخيماتهم وإن هجروا منها أو استفحل سوء أوضاعها .
وتتعالى أصواتهم مطالبين باستقبالهم في الأراضي الفلسطينية الواقعة تحت اسم السلطة الوطنية الفلسطينية، والتي هي أراضي الدولة الفلسطينية المقبلة؛ لحين حل قضية اللاجئين، فهم لا يتخيلون أنفسهم إلا مستنشقين لهواء الوطن لأنها أرض الرباط المقدسة.
أما الشريحة الثانية منهم  فيطالبون بالعودة إلى فلسطين، في حال تمت إقامة الدولة الفلسطينية، لأنهم شهدوا هول معاناة أقاربهم ومعارفهم في دول أوروبا التي هاجروا إليها حيث انقطعت حياتهم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بشكلٍ نهائي بسبب طبيعة البعد الجغرافي عن باقي مناطق تواجد معارفهم أو أقربائهم في نفس البلد، مما أدى إلى حالات اكتئاب شديدة تحولت إلى أمراض نفسية، بسبب ضياع الأمل بالحياة التي كانوا يحلمون بها ، كونهم كان جزءٌ لا بأس به منهم نشيطين مجتمعياً وممارسين للعمل من الدرجة الأولى، ومثقفين ومتعلمين ، فلا طعم للحياة برأيهم إن توقفت فقط على الطعام والشراب .
وكلا الشريحتين تعتبر نفسها جزءاً أصيلاً من الحضارة الفلسطينية التي حافظوا عليها بثقافتهم ونشاطاتهم ، وأنهم كوادر هامة تؤكد على المساهمة في بناء الدولة الفلسطينية واستمرار تطورها الوطني، ودعم دورها القومي والدولي لاحقاً كدولة مثل باقي الدول المتقدمة في العالم.
إن مطالبة الرئيس الفلسطيني محمود عباس المجتمع الدولي المستمرة، منذ اشتداد أزمة اللاجئين الفلسطينيين، وآخرها مجلس الأمن بالضغط على إسرائيل للسماح بدخولهم إلى الأراضي الفلسطينية، ومتابعة المندوب الفلسطيني في الأمم المتحدة للطلب، قد شكَّل حافزاً إضافياً للاجئين الفلسطينيين في سوريا، نحو مضاعفة جرعة الأمل بالعودة إلى فلسطين ولو لجزءٍ منها، بينما تبقى فلسطين التاريخية هي أيقونة الثائر الحر الذي لن يبيعها بأي ثمن ولو امتدت به خارطة الطريق إلى منعطفاتٍ بدت للآخرين أنها أبعدته عن المسار الوطني.