ما الذي سيقع، أو ما الذي سيصبح أسوأ، لو إننا رفضنا الاستماع لأي مبعوث أميركي يأتي في إهاب الوسيط، لوقف إطلاق نار، أو لاستئناف إطلاق مفاوضات، فرفضنا استقباله وامتنعنا تماما عن الحديث معه؟
مساعدات الأميركيين لا تساوي يوما واحدا من انحيازهم ضدنا وضد دم أطفالنا. وليس الأميركيون وحدهم الذين يجرحون مشاعرنا ويرموننا مع المحتلين عن قوس واحدة. فالمقصرون يأذوننا باستنكافهم عن المساعدة في الأمور الجوهرية التي تمس ظروف الحياة وكرامة الحياة وطابعها في فلسطين.
جون كيري، وإدارة أوباما، ساندوا العدوان دون أن يشترطوا على الأوغاد الذين ساندوهم، أن يذهبوا راجلين لمواجهة المقاومين، وألا يستأسدوا على الأطفال وعلى ساكني المنازل، بالقاذفات الأميركية الصنع التي انتجت للتفوق في الحروب الكلاسيكية بين الجيوش. فهؤلاء لا يرجى ولن يرجى منهم خير. فإن أتاحت هوامش السياسة، حديثا معهم، تراهم يناقشون المسائل على قاعدة أمن إسرائيل ورخائها وتفوقها وتسلطها، فلا يتبقى شىء لأمننا ورخائنا وحقنا في الدفاع عن أنفسنا. وهؤلاء الأميركيون، لم يتبق لديهم منطقة في هذا العالم يحسمون المسائل فيها سوى منطقتنا. طردوا من آسيا الوسطى، بعد أن أسسوا فيها قواعد عسكرية. انخلعوا من هناك، غير مأسوف على سحناتهم، وتركوا بنيتهم التحتية للدول التي تأسست فيها. وخلعوا تلقائيا من أفغانستان. وفي العراق، سلموا بعض معداتهم لإدارة موصولة بالإيرانيين، وآلت بعض المعدات الى الدواعش. أما في أميركا اللاتينية الصديقة، فليس لهم موطئ قدم. يعاملون من أصغر الدول وأفقرها، معاملة الند للند. والهنود كما سائر الآسيويين، يعاملون أميركا بحذر وبكل الشكوك في النوايا، ويكيلون لها الصاع صاعين. فعندما تعرضت سيدة ديبلوماسية هندية لغلاظة الشرطة الأميركية؛ تلقت سفارة الولايات المتحدة في اليوم التالي جوابا مهينا. جاءت الجرافات الهندية لإزالة الحواجز الإسمنتية التي تحمي السفارة الأميركية، وعومل الديبلوماسيون بغلاظة جوابية. لذا يتكثف استعلاء أميركا وظلمها في منطقتنا دون سواها، وهذا عامل مفجر لغضب الشعوب واستنكارها، يراكم عوامل احتقان داخلية. فالأميركيون ما زالوا يحاولون إقناع العالم أن إسرائيل مهددة، ومستضعفة وتحتاج الى حمايتهم. يتبارى المتنافسان في انتخابات الرئاسة على تطمينها وتدليلها، لكي يثبت كل منهما إنه جدير بالرئاسة. وعندما يفوز هذا أو ذاك بالرئاسة؛ يصبح رد الجميل له، من إسرئيل، عنادا واحتقارا، علما بأن المسائل التي تعاند فيها تل ابيب، ولية نعمتها واشنطن، تكون هامشية وتجميلية ولا علاقة لها بجوهر العدالة!
اليوم، يردد الأميركيون، ومن ورائهم يردد رهط الخانعين: كانت هناك مبادرة مصرية، و"حماس" رفضتها. كأن المشكلة تكمن هنا، وكأن المبادرة وضعت نقطة واحدة على حرف يتعلق بحقوق الناس الآدمية في الحياة وفي الحرية، وكأن الشعب الفلسطيني الذي بذل دمه لكي يعلي صوته، ليس له الحق في شئ، وحسبه أن يتفضل الوسطاء بإبلاغ حامل السكين والإف 16 أننا اكتفينا من الموت في شيء هذه المناسبة، وأن الأشلاء الزائدة ليس لها أماكن في ثلاجات المشافي ثم نقطة على السطر.
وزير الخارجية الأميركي، الوسيط الفاشل الكريه، لم يأت مسرعا إلا بعد أسر الجندي الإسرائيلي. هرع مهموما متأسيا، لكي ينقذ الجندي الذي هجم على غزة لكي يقتل المزيد من الأطفال. فهذه هي أميركا، وهذا هو الوسيط الضالع في العدوان!