لا أذن تسمع معانــاة أهله ولا عيـن مسؤولة تـراه

 

خاص/ مجلة القدس

تحقيق – مصطفى ابو حرب

عائلات فلسطينية ولبنانية تقاطرت للسكن بجوار مخيم البداوي على تل كان عبارة عن صخور وأكوام من شوك وبلان. هذه العائلات حفرت الصخر وعبدت الممرات، وشيدت ما يشبه البيوت لايواء ابنائها . اسر جَمع بينها البؤس والفقر والتهجير، جمعت خوفها وشتاتها وقبلت بالحد الادنى من حقوق يرفض بعض اصحاب القرار أن يعطوهم إياها.

فلا الاونروا تعتبر نفسها معنية بهم لجهة تقديم الخدمات، والعديد منهم فلسطينيون مهجرون باعتبارهم خارج مخيم البداوي، ولا بلدية البداوي تقدم لهم الخدمات باعتبارهم لا يتمتعون بشرعية الاقامة في هذه البقعة الجغرافية.

وحدها اللجنة الشعبية الفلسطينية في مخيم البداوي تتعامل معهم وكأنهم جزء من قطاع احد قطاعات مخيم البداوي.

 

وللإضاءة على ارض هذا التجمع الفلسطيني المحاذي لمخيم البداوي كان لنا هذا الحديث مع احد فعاليات منطقة السيد محمد الفرح (أبو أيمن) الذي أوضح أن "عمر هذا التجمع اكثر من 25 عاماً و"نحن من أوائل العائلات التي سكنت هذه التلة بعد الاجتياح الاسرائيلي، وتهجير العائلات الفلسطينية من مخيمات بيروت والجنوب، وبدأت الأسر والعائلات بالقدوم إلى هذه التلة للسكن فيها من مخيم البداوي والجوار اللبناني، وبذلك تعدت اعداد الاسر 600 عائلة لبنانية وفلسطينية، ومن مخيم نهر البارد بعد نكبته عام "2007. أما عن المشاكل التي يعاني منها السكان فقال ابو ايمن بأنها تتمثَّل بأربع نقاط هي مشكلة مياه الشفة، ومشكلة الصرف الصحي، والطرقات،  وجمع النفايات.

أما بالنسبة لمشكلة مياه الشفة فهي الأهم، يشرح أبو أيمن "لقد حاولنا كل جهدنا لجر مياه الشفة من مخيم البداوي ولكننا لم نوفق لان المياه في المخيم قليلة والمسافة بعيدة بعض الشيء. الى ان جاءت مؤسسة اليونيسيف وحفرت بئراً ارتوازيةً قريباً من مخيم البداوي، وقمنا نحن ابناء الحي بجمع الاموال اللازمة لتمديد الانابيب لجر المياه إلى المنازل".

اما المجاري فحدِّثْ ولا حرج، لأنه لا يوجد شبكات صرف صحي، وانما يعتمد الاهالي على غرف صحية حُفرت تحت منازلهم مما يؤدي الى انبعاث روائح كريهة في البيوت ما قد ينذر بانتشار أمراض خطيرة.

أما الطرقات فهي غير معبدة، علماً أن حركة "فتح" ممثلة بأمين سر المنطقة ساهمت بشكل فعال في تمويل تعبيد الطريق الرئيس للحي. ولكن تبقى الطرقات بين البيوت ترابية وتتحول الى مستنقعات في الشتاء.

وعن كيفية معالجة الأمور قال أبو أيمن بأنه قد تشكلت لجنة من ابناء الحي تقوم بجمع الاشتراكات المادية لتيسير بعض الأمور التي قد تطرأ.

أما اللبنانية أم ابراهيم فقالت "أنا معروفة بهذا الاسم واسكن في هذا الحي منذ 25عاماً مع اخوتي الفلسطينيين، نعيش وكأننا أسرة واحدة ولكن للاسف لا مرجعيات المخيم مثل اللجنة الشعبية ولا الأونروا تعترف بمسؤوليتها عن هذه المنطقة، ولا حتى بلدية البداوي تلتفت إلينا، علماً أن في هذا الحي من الفلسطينيين ما يفرض على اللجنة الشعبية والاونروا الالتفات لهم، وكذلك هناك من العائلات اللبنانية ما يلزم بلدية البداوي بتقديم الخدمات لهذا الحي ولكن للأسف لا احد يبالي".

وتضيف بنوع من المرارة بأن "النواب وأثناء الانتخابات عملوا على تقديم خدماتهم  لمنطقة المنكوبين التي نحن جزء منها ولكنهم لم يلتزموا بها"، خاتمة "يلي ما إلو نصيب من البشر إلو رب العالمين".

بدورها، تعلّق أم أحمد "كل شيء في هذا الحي صعب، مياه المجارير تملأ الشوارع، والحشرات تملأ الأرجاء صيفاً وشتاءً، عداك عن الروائح الكريهة المنتشرة بسبب المياه الآسنة وانتشار النفايات في كل زاوية"، مضيفة "من حق أبنائنا وأطفالنا ان يتمتعوا بشوارع نظيفة وبيئة صحية، اليسوا بشراً كغيرهم"، مطالبة للمعنيين فلسطينيين ولبنانيين بتحسين أوضاع هذا الحي، والاهتمام بتأمين الخدمات لأهله.

من جهته يشرح السيد احمد جخلب "سكنت في هذا الحي منذ 27 سنة، وقد عانيت من التهجير بعد الاجتياح حتى حطت بي الرحال في هذا الحي حيث بدأت المعاناة تكبر مع ازدياد أعداد الأسر، هذه المعاناة التي لا تتغير مع تغير الفصول وانما هي في تفاقم مستمر".

وأضاف: "البيوت باتت تنتشر وسط أكوام النفايات لكثرتها والقوارض تملأ الشوارع ليلاً نهاراً، عداك عن مياه الشفة التي لا تصلح للشرب والجميع من المعنيين قد تنصَّل من مسؤوليته تجاه هذا الحي الفقير وكأنهم لا يعلمون بحالنا بالرغم من رفع الصوت مراراً وتكراراً ولكن لا حياة لمن تنادي"، مردفاً بأن الأونروا لا تقدم لهم الخدمات باعتبار هذا الحي خارج اطار عملها، والبلدية لا تلتفت إليهم باعتبار أن هذا الحي هو تجمع غير شرعي ويقوم على ارض الغير.

أمّا السيدة وفاء شريدة (ربة منزل) تقول بأن كل سكان هذا الحي أوضاعهم صعبة وسيِّئة، الأمر الذي يجبرهم على البقاء في ظل هذه الظروف الصعبة، مشيرة إلى الانقطاع الدائم للكهرباء بسبب اهتراء الاسلاك الكهربائية، وعدم وجود قدرة لدى الأهالي لتركيب ساعات كهرباء موضحة أن شركة الكهرباء لا تلتفت لهم بأعمال الصيانة والتمديدات، مناشدة المسؤولين بالالتفات لمعاناة الأهالي وتخفيضها.

وللإجابة عن تساؤلات الأهالي ولاستطلاع رأي اللجنة الشعبية في مخيم البداوي، كان لقاء مع مسؤول الخدمات العامة في اللجنة الشعبية في مخيم البداوي أبو رامي خطار الذي قال بأن تجمَّع تلة المنكوبين يعاني من حالة فقدان المسؤولية المباشرة عليه من قبل المرجعيات المحلية على صعيد البنى التحتية والخدمات العامة باعتباره يتبع إلى منطقة جغرافية مجاورة لمخيم البداوي ولا يندرج تحت اطار الخدمات التي تقدمها الاونروا للاجئين داخل المخيم.

وكذلك فإن بلدية البداوي المسؤولة مباشرة عن هذه البقعة الجغرافية، لا تقوم بتقديم أي خدمات لها، لأنها تعتبر الأونروا هي المسؤولة، كون غالبية عائلات هذا الحي من الفلسطينيين، علماً أن هناك أسر لبنانية فيها.

اما على صعيد اللجنة الشعبية فهي لا تستطيع قانونياً وإدارياً من حل مشكلات الصرف الصحي والكهرباء والمياه وجمع النفايات، لأنها لا تملك الامكانيات اولاً، ولا تستطيع تنفيذ اي مشاريع بنى تحتية بنقطة التجمع لانه خارج نطاق حدود المخيم الجغرافية.

أمّا كيف تتعاطى اللجنة الشعبية في حل مشاكل التجمّع الخدماتية، فهي على صعيد مياه الشرب، استطاعت اللجنة الشعبية قبل ثلاث سنوات من خلال التواصل مع منظمة اليونيسيف من حفر بئر للمياه وبناء خزان لتغطية حاجات هذا التجمع من المياه، وفعلاً تم ذلك وحُلَّ جزءُ من المشكلة التي مازالت عالقة في تحمل أعباء التمديدات وصيانة البئر في حال الأعطال وقطع الكهرباء.

وأهالي التجمع الكرام هم الذين بادروا واعتمدوا على انفسهم من خلال الجباية المحلية لتمديد القساطل الرئيسة لمنطقة التجمع الفرعية لبيوتهم نظراً لحاجتهم في ظل واقع اقتصادي صعب يعانون منه.

وزاد من حدة مشكلات التجمع قدوم عدد لا بأس به من نازحي مخيم نهر البارد، حيث استضافتهم العائلات التي تسكن في المنطقة، مما تطلب مسؤوليات إضافية في تأمين الخدمات. وتواصلت اللجنة الشعبية مع الاونروا لتأمين مازوت للبئر لتشغيلها في حال عدم وجود تيار كهربائي وفعلاً التزمت الاونروا بذلك وأسهمت إلى حد ما في هذا الجانب.

أما على صعيد صيانة البئر، وخاصة أنها عانت من مشكلات الجفاف أحياناً وأعطال في محطة المياه أحياناً أخرى، تم تقديم مساهمة 600 دولار بدل تكاليف الصيانة من قبل سفير فلسطين في بيروت. ثم برزت مشكلة أخرى وهي  حالة الجفاف، مما تطلَّب إجراء صيانة وزيادة عمق البئر، الأمر الذي تطلب تكاليف قدرت ب 2600 دولار أمريكي.

وحلاً للمشكلة بادرت لجنة المتابعة في اللجنة الشعبية في لبنان عبر أمين سر اللجان الشعبية في لبنان منعم عوض بدفع مبلغ 2100 دولار مساهمة لحل المشكلة تخفيفاً لمعاناة الناس، وفي هذا الإطار "فإننا نتقدم بالشكر لمن ساهموا بهذه المبادرة الطيبة التي خففت من معاناة الناس".

أما على مستوى الكهرباء: فهي من مسؤولية شركة كهرباء قاديشا وبلدية البداوي، ولا تستطيع اللجنة الشعبية التدخل في هذا الجانب مع ان اهالي التجمع قاموا بتركيب ساعات شرعية، يدفعون ما يتوجب عليهم من رسوم واشتراكات. كذلك على صعيد تمديدات الصرف الصحي التي تعاني من أزمة، فهي من مسؤولية مباشرة لبلدية البداوي.

وعلى صعيد الطرقات، بادر الاخوة في حركة "فتح" في منطقة الشمال بصب طريق رئيس يوصل إلى البيوت بالباطون ، سمي بشارع الراحل الشهيد ياسر عرفات، أما باقي الطرقات الداخلية الفرعية فهي تعاني من أزمة لا بد من حلها.

وتابع خطار "سنعمل في اللجنة الشعبية على التواصل مع الجهات المعنية والتي يجب أن تتحمل مسؤوليتها عن هذا التجمع الذي يعاني من نقص الخدمات"، موضحاً مهامها.

فبلدية البداوي، تتحمل مسؤولية تسوية أوضاع البنى التحتية للتجمع من مياه وصرف صحي، وجمع النفايات وصب الطرقات، لأنها المسؤولة المباشرة جغرافياً عن المنطقة.

أمّا الأونروا، فعليها تقديم بعض الخدمات للتجمع كاستلام بئر المياه وتحمُّل مسؤولية صيانتها ومشكلاتها، وتأمين المياه للتجمع في حالات الأزمات، والتفكير بافتتاح عيادة طبية او مستوصف طبي للمنطقة باعتبارها منطقة بعيدة قليلاً عن عيادة الاونروا، والمساهمة مع بلدية البداوي في تأمين وجمع النفايات من التجمع.

أمّا اللجنة الشعبية في مخيم البداوي، ورغم أن التجمع إدارياً يتبع لقطاع خدماتياً ويقدم له ما يقدم لباقي قطاعات المخيم من مساعدات تموينية وغذائية، إلا أنه يجب العمل على تشكيل لجنة من فاعليات التجمع، تتحمل مسؤولية المتابعة مع الجهات المعنية وخاصة مع اللجنة الشعبية.