أســـماؤكُم لا تنــام
الفارسُ الهندي لم يمتْ. لعلهُ هناك، في العُلى يقضي حاجة .... علَّه يتلو نشيدَ السهم والنسمة.
لم يمتْ. فأنفاسُه وطنُ المواسم... حوافرُ خيلهِ الفصول... لا يعيبُه أن يؤدّي طقسَ الغياب.
 هناكَ هو، فوق رابيةٍ يرفع يديهِ مصليَّاً... عن جبينهِ يمسحُ الخجلَ... يمُهِّدهُ للشمس الأخيرة، لرمح من ضلوع البهاء.
لم يمتْ. لكنه يقطفُ لفرسهِ سَرجاً من رحيل. لطفلتهِ يبني خيمة من دموع الذئاب.
فوق الرابية العارية، يطلق للغيم ضُممَ وردٍ عاطر، يوضِّبُ الأكاليلَ والتيجان... يزرعُ الأسماء.
لا تبتعدوا في السؤال عنه، فبريقُ عينيهِ ليس دموعاً، والأسى في تضاريس وجههِ ليس حزناً.... لكن لجراحه مفاتيحُ للنار والمطر. لجدائل شعرهِ مع الريح ملاحمٌ، للريح مع الهنديِّ معجمُ ألقابٍ وأسماء.
لم يمت الهندي، لكنه هناك، يستشرفُ دورة الطقس، يتقصَّى دروبَ الثلج، يتحسَّر على حسناء، كانت حتى الأمس عذراء... على غدٍ بلا وردٍ يغني، بلا شمس تقبِّلُ صخرة من جمادٍ وندى... على براءةٍ يطعنُها الفناء.
يؤرِّقهُ قبرُ جدِّه... هل للقبور في الأوطان تحوّلات.... وعندما يُستلبُ الجسد، أيبقى للإسم معناه؟
يصمتُ الفارسُ الهنديُّ طويلاً... تتبارى في ملامحهِ الخلاصاتُ- الإنفعالات....لكن صدىً مُزلزلاً من حوله نطق:
أنت لونُ التراب المخضَّب بدمك. خُصوبة الأرض التي شربتْ ماءَ عينيك.... أنت زرقة خدِّ السماء.
تابع الصدى: نعم، ثمّة حافزٌ للروح في حراسة الجسد. فأسماؤكم لا تنام. يدركها نعاسٌ طفيفٌ ثم تزهر قناديلَ من رُبى.... مواويلَ من فراشاتٍ وسواقي من دماء.
أسماؤكم لا تنام. صمتُ عتبٍ يدركها، ثم تعرِّشُ كثريَّـا... كتسابيح الأنبياء.