"صيّاد يرمي الشباك في بحيرة طبريا قبل العام 1933"، هي صورة تعلو أخرى لـ"أطفال في قارب"، وليس بعيدا عنهما ثمة صورة بعنوان "ولدان يقطفان الأزهار البرّية"، وإلى جانبها "كرم للعنب في الخليل"، وأخرى لـ"رجل يلبس الطربوش في أحد حقول القمح بوادي الأردن".. هذه بعض صور معرض خليل رعد "فلسطين في الزمن الجميل"، واحتضنته قاعة المجلس الثقافي الألماني الفرنسي بمدينة رام الله، مساء أول من أمس، في إطار مهرجان الصورة بنسخته الثانية، وتنظمه مجموعة "شغف" وموقع "إيفنتس"، بالشراكة مع مؤسسة الدراسات الفلسطينية، وبتمويل من الصندوق الثقافي الفلسطيني.

في ذاك الركن البارز صورة مشهد عام لمدينة القدس في العام 1933، فمشهد آخر لمدينة الخليل في العام 1920 تحط على مقربة منها، وعند المدخل صورة لخليل رعد نفسه، فيما توزعت قرابة سبعين لوحة على جدران القاعة.

ويعتبر خليل رعد المولود في العام 1854 عميد المصورين الفوتوغرافيين العرب، حيث نشأ في القدس وتتلمذ على يد المصور الأرمني غرابيد كريكوريان، قبل أن يدرس فن التصوير في بازل بسويسرا، هو الذي أسس في العام 1890 استوديو خاصاً به في شارع يافا بمدينة القدس، قبالة استوديو معلمه السابق، واستمر بمسيرته كمصور يوثق الحياة اليومية الفلسطينية، ويبدع في تصوير الأسر حتى وفاته في العام 1957، تاركاً إرثاً فوتوغرافياً مهماً ومتنوعاً وجميلاً، حيث حطّ الجزء الأكبر من مجموعته في عهدة مؤسسة الدراسات الفلسطينية، وإن كانت سلطات الاحتلال سطت على مجموعة ليست بالصغيرة من أرشيفه الفوتوغرافي، هو وغيره من المصورين، ممن كانوا في شارع يافا، عقب احتلال القدس.

وقال وزير الثقافة د. إيهاب بسيسو لـ"الأيام"، كان من المهم الاحتفاء بالمصور الرائد خليل رعد، لكونه حمل ملامح الوطن عبر صوره الفوتوغرافية، التي نطل من خلالها على فلسطين مطلع القرن العشرين، وهو أمر ضروري لجهة حفظ الهوية والذاكرة الوطنية، ولجهة تشكيل حالة من الإلهام للمصوّرين الجدد، بما يخلق حالة من التفاعل ما بين الذاكرة والحاضر والمستقبل في مواجهة محاولات الاحتلال الإسرائيلي المتواصلة لمحو هذه الذاكرة، وهذه الهوية.

ويحمل المعرض عبر صور رعد دلالات واضحة على الإبداع الفلسطيني المبكر في الصورة، وكذلك قدرتها على توثيق اللحظة وتأريخها والحفاظ عليها، وهو استعادة لمعرض مشابه انتظم في العام 2013، نظمته مؤسسة الدراسات الفلسطينية تحت عنوان "فلسطين قبل 1948 ليست مجرد ذاكرة"، وفق ما أكد علاء جرادات مدير مكتب مؤسسة الدراسات الفلسطينية في رام الله، لافتاً إلى أنه وقع الاختيار على هذه الصور من بين ما يزيد على ثلاثة آلاف صورة قدمتها عائلة رعد لمؤسسة الدراسات الفلسطينية، وتمثل الجزء الأكبر من أرشيف المصوّر الشخصي، وتعكس مختلف جوانب الحياة في فلسطين خلال الحكم العثماني والانتداب البريطاني، في أكثر من جغرافيا، وعلى امتداد عقود عدة.

وتدخلنا صور رعد في إطار زمني عتيق، حيث "نقل حزمات الذرة بعد الحصاد بالقرب من نابلس"، وحيث "صبية تحمل القمح في العام 1925"، فإلى حيث "جمل محمّل بالقمح في مرج بني عامر"، قبل أن نرحل معه إلى حيث انتظم واحد من أقرب عروض "صندوق العجب"، في صورة تظهر الصبية يرتدون "القمباز" الفلسطيني التقليدي، والكوفية البيضاء أمام آلات يشغلها ويحرسها رجال بطرابيش و"شراويل" سوداء، أشبه بما كان يلبسه رجالات مدينة نابلس، ورجالات الشام كما ظهروا في "باب الحارة" وعديد المسلسلات، وصور العائلات، وغيرها من الصور التي تتنوع في موضوعاتها أيضاً.

وتشير ياسمين عطون، وهي واحدة من فريق "مهرجان الصورة" إلى أن خصوصية معرض خليل رعد تكمن في كون هذه الصور تدحض الروايات التي تحاول إقصاء الفلسطيني بادعاء أنه لم يكن موجوداً على هذه الأرض قبل العام 1948 .. "يكفي أن تطل على هذه الصور، وتقوم برحلة معها وعبرها لإدراك أن الفلسطيني هو صاحب الأرض وما عليها، وأنه هو من كان على هذه الأرض قبل تهجيره القسري عنها".