ستلجأ الإدارة الأميركية إلى وسائل ضغط أشد وأخطر ضد الرئيس أبو مازن كي يقبل بصفقة ترامب الصهيونية، ونُشير إلى ذلك الآن ونؤكِّده، لأنَّ قرار القرصنة الإسرائيلي لأموال المقاصة الفلسطينية اليوم، إنَّما هو قرار أميركي في الأساس، يعرف الرئيس أبو مازن ذلك، وفي حساباته هذا الأمر منذ أن قال (لا) لهذه الصفقة الفاسدة، وقبلها منذ أن وقف في وجه الإدارة الأميركية ضد طلبات المصادرة التي أرادتها للقرار الوطني الفلسطيني المستقل، ومنها مثلاً ألّا نذهب إلى محكمة الجنايات الدولية، ومطالب أخرى هي في مجملها طلبات هيمنة ومصادرة، قال لها الرئيس أبو مازن (لا) و(لا) بأي حال من الأحوال، طالما أنَّها لا تتّفق مع أبسط الحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة، وطالما أنَّها لا تُقدِّم خطوات جادة في طريق تحقيق السلام العادل.

والواقع أنَّ الإدارة الأميركية تُناكِف ذاتها، وهي تقوم بعملية إعادة تدوير لأوهامها التي تصوّر لها أنّ وسائل الضغط والتهديد ما زالت ممكنة مع الرئيس أبو مازن برغم أنَّها اختبرت صلابته ولكنها لم ترَ ولن ترى على ما يبدو أنَّها ليست صلابة الحق فحسب، وإنّما هي صلابة الحكمة الواقعية، التي أنتجتها تضحيات عظيمة لشعبنا الفلسطيني الذي ما زال يسطر أبهى حقائق الصمود والثبات والبطولة.

وبالحكمة الواقعية ولأنَّنا أدرى بطبيعة الأوضاع السياسية الراهنة في المنطقة العربية، وسعي الإدارة الأميركية لإقامة تحالفات مريبة فيها خدمة للعمل الصهيوني، بهذه الحكمة، وهذه المعرفة، نعرف تمامَا أنَّنا سنعاني كثيرًا قبل أن تدرك الإدارة الأميركية أنَّ الرئيس أبو مازن لن يرضخ لإرادتها، وأن حلمها أن ترى قلمه الوطني يوقِّع على صفقتها الصهيونية، هو أشبه ما يكون بحلم إبليس في الجنة!!

أكثر من ذلك على الإدارة الأميركية أن تتيقَّن أنَّ الرئيس أبو مازن لن يكون كمثل "فاوست" الذي أبرم عقدًا مع الشيطان بعد أن باع له روحه، لأنَّ الروح المؤمنة للرئيس أبو مازن، هي روح فلسطين غير القابلة للبيع أو المساومة، عدا عن أنَّها الهيابة التي لا تخشى في الحق لومة لائم، وقبل ذلك وبعد كل ذلك فإنَّ فلسطين بقيادة الرئيس أبو مازن لا تعقد أحلافها إلا مع الحق والعدل والسلام، من أجل انتصار هذه الثوابت الأخلاقية العظيمة.

أموال فلسطين لن تكون إلّا لأبنائها والشهداء والأسرى أولاً، "لو بقي قرش واحد لدينا فإنَّه لهؤلاء البررة"، هذا هو قرار الرئيس أبو مازن الحاسم الذي لن يعرف أي تراجع ولا من أيّ نوع كان، وأموال فلسطين هي أموال الحياة بين يدي شعبها لانتصار الحياة بقيمها الإنسانية الرفيعة، هي أموال البناء لا أموال الهدم والتخريب التي تتدفّق بالحقائب على "مليشيا القسَّام"، التي تصفها الإدارة الأميركية ذاتها بالإرهابية، ومع ذلك هي مَن تدفع (!!!) إنَّ تواصل هذه الحقائب تدفقها الذي لا يكون إلّا عبر البوابة لإسرائيلية!!! وعلى ما يبدو ولأجل أن تواصل هذه الحقائب تدفقها، فإنَّ ناطقي حركة "حماس" باتوا في مواجهة نبأ القرصنة الأميركية الإسرائيلية لأموال المقاصة الفلسطينية، صمًّا بكمًا عميًا، لكنَّهم الذين يعرفون، غير أنَّهم الذين يخشون قول الحق، ولأن تلك الحقائب باتت هي مرشدهم الأعلى والحاكم بأمرهم تماما، ويا لها من حقيقة بائسة ومخزية!!

القرصنة الأميركية الإسرائيلية لأموال فلسطين، ليست إلا وهم الغطرسة العنصرية البغيضة، هذه التي لم ولن تفهم حقيقة التحدي والصمود الفلسطيني الحُر التي باتت نشيدًا في موقف الرئيس أبو مازن.. لا لصفقة القرن، والقدس ليست للبيع، ولن نساوم أبدًا على لقمة عيش أُسَر شهدائنا وأسرانا، وإنّ لها ونحنُ القادرون.