كلّنا نتَّفق أنَّ (إسرائيل) هي كيان توسعي، فكلّ ممارساتها اليومية من تهويد واستيطان ورفضها العملي لمبدأ حل الدولتين يؤكد هذه الحقيقة. ولكن السؤال: هل تستطيع (إسرائيل) أن تتوقف عن التوسع وتصبح دولة لها حدود واضحة ومعترف بها كباقي دول العالم؟ فـ(إسرائيل) كما نعلم هي الدولة الوحيدة التي لم تعلن لها حدودًا.

قانون القومية الذي أقره الكنيست الإسرائيلي قبل أشهر أكّد هذا الجوهر التوسعي الملازم لـ(إسرائيل) عندما نصَّ على أنّ هذه الدولة مقامة في أرض (إسرائيل) التاريخية وليس عليها، أي بمعنى أنَّها مقامة على جزء من هذه الأرض.

ربما نكون بحاجة للعودة إلى أساس الفكرة التوسعية في الأدبيات الصهيونية الأولى لنفهم لماذا لا تتخلّى (إسرائيل) عن جوهرها التوسعي، فقد تمَّ تغييب هذه الأدبيات التي تكشف طبيعة الفكر الصهيوني عن عمد وبحكم مرور الزمن وتطور الأحداث أيضًا.

الفكرة الأساسية للصهيونية هي أنَّ هناك "شعبًا يهوديًّا يريد العودة لأرض (إسرائيل) التاريخية أو أرضه التاريخية". الصهيونية قالت في حينها إنَّ فلسطين هي هذه الأرض، ولكن مَن يعود للأدبيات المشار إليها فإنَّ هذه الحدود تمتد من النيل للفرات، ولذلك رفض الصهاينة خارطة الانتداب البريطاني لفلسطين والتي هي خارطة وعد بلفور.

البريطانيون أنفسهم كانوا يدركون هذا الموقف الصهيوني، والدليل ما قاله رئيس الوزراء البريطاني في عهد إعلان بلفور دافيد لويد جورج: إنّ الإعلان، أي إعلان بلفور، تضمن وعدًا بتحويل فلسطين كلها بما في ذلك شرق الأردن إلى وطن للشعب اليهودي.

وايزمان في مذكراته قال ما معناه أنّ هناك وعدًا إلهيًّا لبني (إسرائيل) بفلسطين، "ولكن لست أعرف الحدود التي رسمها هذا الوعد"، والتي هي أوسع من حدود فلسطين المقترحة، ويعني فلسطين الانتدابية. ولا يغيب عن بالنا هنا مشاريع الحركة الصهيونية الأولى في العريش وصحراء سيناء بتمويل من روتشيلد والتي أطلقوا عليها فلسطين المصرية.

وبعيدًا عن تلك الأدبيات الصهيونية وهي كثيرة وكلّها توسعي، فإنَّ ممارسات (إسرائيل) اللاحقة كلها تؤكّد ذلك. التوسّع في حرب عام 1948، وتوسّعت في سيناء عندما أُتيحَت لها الفرصة عام 1956، ومن ثُمّ في حرب 1967 عندما احتلت الضفة وقطاع غزّة وهضبة الجولان وشبه جزيرة سيناء.

إنَّ مَن يعتقد أنَّ (إسرائيل) ستتوقف عن كونها دولة توسعية فهو واهم والدليل أنّها أبطلت مسيرة أوسلو، وهي ترفض التنازل عن الجولان وتستمر بمصادرة الأراضي الفلسطينية والاستيطان وتهود القدس وفلسطين كلها.

"قانون يهودية الدولة" أعاد التذكير بأطماع (إسرائيل) خلف حدود فلسطين الانتدابية، فالجوهر التوسعي بالنسبة لها هو أساس الفكر والمشروع الصهيوني وهو أحد أشكال الدفاع عن الدولة، فقادة الصهاينة يدركون أنّ أفضل وسيلة للدفاع عن (إسرائيل) هي العدوان والتوسع.

ومَن يعتقد أنّ بإمكانه التخلص من توسعية (إسرائيل) وخطرها بمهادنتها والتطبيع معها فهو واهم. نحن الفلسطينيون ندرك هذه الحقيقة ونلمسها يوميًّا ولن نتوقف عن مقاومتها، فنحن ندرك أنّه في اللحظة التي نجبر فيها (إسرائيل) على وقف جوهرها التوسّعي نكون قد تخلّصنا من الاحتلال.