كان مشايخ الإخوان المسلمين - فرع فلسطين المسمَّى "حماس" وعسكرها في مثل هذه الأيام من العام 2007 منشغلين بطعن الحركة الوطنية الفلسطينية، وذبح قِيَم النضال الفلسطيني والانقضاض على الدولة الوطنية، ومعالمها التحرُّرية الديمقراطية، ومعاني الانتماء وثقافة السِّلم الأهلي، وتقديم نموذج لسادتهم ومموّليهم وتوأمهم أيضًا (الإخوان اليهود) على ما ستكون عليه الحال إذا تمكَّن (الإخوان المسلمون) من السيطرة على نواصي الحكم في الدول العربية.. فقد راهنَ هؤلاء على أنّ غزّة ستكون حجر (الدومينو) الذي إذا سقط ستتبعه أحجار العواصم بالسقوط.
لم يكن انقلاب "حماس" الدموي في الرابع عشر من حزيران العام 2007 وسيطرتها على قطاع غزّة بالعنف والمجازر والقصف والتدمير مجرّد رغبة وشهوانية معلومة لدى جماعة الإخوان لسلب السلطة وحسب، بل نقطة انطلاق نحو مشروع أميركي إسرائيلي إخواني يُهيّئ المنطقة قبل إدخالها في مدار هيمنة هذا الثلاثي، حيثُ ضمن الإخوان حصتهم سلفًا، حين تمَّ تمكينهم من الإطباق على مصر، وتونس.
انقلاب "حماس" الدموي كان أفظع من نكسة، ذلك أنَّ مشايخها وعسكرها استطاعوا وتمكَّنوا من نشر فايروس الانحطاط في نسبة لا بأس بها في العقل الفردي والجمعي في دائرتهم الرئيسة فلسطين، وأصابوه بانكسارات حادة يصعب تجميعها، فعسكر "حماس" قتلوا وسفكوا دماء أبناء جلدتهم الفلسطينيين الوطنيين مدفوعين بفتاوى من مشايخهم الذين وقفوا ويقفون الآن على منابر المساجد، ومشايخهم الذين يقفون على منابر الخطابة السياسية، وكذلك الجامعين بين الاثنتين في أضخم عملية تضليل تعرَّض لها الشعب الفلسطيني، لأنَّ كل هذا كان حدث ومازال يحدث باسم الجهاد والمقاومة وهذا ما يمكن اعتباره النكبة الحقيقية، ذلك أنَّ الإنسان الذي يستولي الغزاة على أرضه ودياره سيستعيدها حتمًا عندما يدرك أسباب النكبة، لكن أين لهذا الإنسان الإدراك إذا كانت الضربة قد أصابت وعيه ودماغه الوطني والإنساني بالتلف، حينها سيفقد أرضه وبيته ووطنه، وسيبقى هائمًا متعايشًا مع زهايمر ثقافي وسياسي في أحسن حالاته؟!
كان انقلاب "حماس" على المشروع الوطني والسلطة الوطنية والقانون الأساسي وقِيَم وأعراف المجتمع الفلسطيني أهون شرور التناقضات التي حاولوا ويحاولون تجسيدها كنمط حياة، حيثُ جعلوا الشيطان ملاكًا في تفسيراتهم وتأويلاتهم، وصار الحرام حلالاً، أمّا الخائن العميل فقد اصبح وطنيًّا ناضجًا ومثالاً يحتذى، وبات الجهاد عندهم وسيلة ابتزاز وأداة ضغط على المحتلين للسماح بمرور حقائب الملايين إليهم أمّا (الصواريخ) فقد تعهّد كبيرهم ورئيس مكتبهم السياسي إسماعيل هنية بالأمس لمبعوث الأمم المتحدة بمحاسبة مطلقي الصواريخ على دولة الاحتلال!! والأفظع من كلِّ هذا اصطياد سمك السردينة بالصواريخ!! فهذه الصواريخ مجهزة للإطلاق إذا ضيّق المحتلون مساحة الصيد في البحر، أو منعوا مرور حقائب الأخضر عبر حاجز بيت حانون المحتل.. أو إذا جفت خزّانات محطة توليد الكهرباء، حتى بات العالم ينظر لقضية فلسطين كمشكلة اقتصادية وحاجات إنسانية لا أكثر، ما شجّع ترامب على إطلاق صفقة القرن والدعوة لملء جيوب الفلسطينيين لعلهم يبيعون القدس.
قد لا يصدق إلّا من سمع بأذنيه ورأى بعينيه، لكنَّها الحقيقة، فأثناء هجومهم المسلّح على أبراج العودة فيما يُسمّى أرض المقوسي التي يقطن فيها فلسطينيون عائدون للوطن وموظّفون عسكريون في قوات الأمن الوطني الفلسطيني وآخرون مدنيون وبعد محاولتهم تدمير عمارة سكنية مؤلّفة من 12 طابقًا وفي كلِّ طابق ثلاث شقق سكنية ببراميل متفجّرة، كانوا ينادون عبر مكبرات الصوت من المساجد من الجهات الأربع المحيطة بالمجمع السكني:" اقتلوهم.. هؤلاء الساكنين في أبراج الدعارة.. اسبوا نساءَهم"!! لقد رأونا أعداء وفي هذه اللحظة كنّا شهداء على ولادة سلوك داعش الإجرامي الهمجي.