الدكتور رامي عيشه
كما كل عام تنظم حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" حفل استقبال في ذكرى إنطلاقتها في مقر سفارة دولة فلسطين لدى الجمهورية اللبنانية.
هذا التقليد صار في العرف الفلسطيني "عرفاً دبلوماسياً" يجتمع فيه كل محبي الثورة الفلسطينية التي تختزلها إنطلاقة "المارد الفتحاوي" التي أشعلت بإنطلاقتها الكفاح المسلح لاسترداد الحقوق الفلسطينية المهدورة.
التحضيرات والموارد البشرية في ذكرى الإنطلاقة:
منذ بداية شهر ديسمبر/كانون الأول تبدأ ورشة العمل للتحضير لحفل الإستقبال والمناسبات الأخرى المتعلقة بالإنطلاقة ومعها يعود رجال الفتح إلى الميدان، بالنسبة إليهم إنتهت فترة الاستراحة من المناسبات الأخرى والتي كان آخرها في 11-11 ذكرى رحيل القائد الرمز ومشعل الانطلاقة أبو عمار.
بالطبع عمل رجال الفتح التنظيمي الآخر لم يتوقف بين ذكرى رحيل القائد وذكرى الإنطلاقة، لكنهم سيعودون إلى الميدان بشكل تلحظه أعين القاطنين في المخيمات، وسيبقون على الأرض ليؤازروا التحضيرات لذكرى الإنطلاقة.
يقول البعض أن حركة "فتح" ترصد ما لا يقل عن 7 آلاف عنصر في المخيمات اللبنانية للمؤازرة والمساعدة في التحضير للإنطلاقة والنشاطات المتعلقة بهذه الذكرى وتتوزع مهام هؤلاء بين منظمين وأمنيين لحماية المشاركين في أنشطة الإنطلاقة.
التحضيرات اللوجسيتة للإنطلاقة وحفل الإستقبال:
يبدأ العمل بتصميم شعار الإنطلاقة إذ يقوم منتجو الجرافيكس الذين تضمهم حركة "فتح" بالتعاون والإشتراك مع مسؤول مفوضية الثقافة والإعلام بوضع مخطط الشعار الذي سيتم رفعه في ذكرى الإنطلاقة وفي جميع الاحتفالات الخاصة بهذه الذكرى. وتستمر جلسات العصف الذهني بين المنظمين حتى يصل الشعار إلى خواتيمه وبالشكل الذي يراه عامة الناس، وهذا العام وقع إختيار المنظمون على شعار "فتح شعلة ثورة لن تنطفىء، وقودها دماء الشهداء- الإنطلاقة ٥٤".
ولا ينتهي الأمر بالشعار وطباعة الدعوات، إذ تبدأ الجلسات بين أعضاء ومسؤولي الإقليم والشعب والمفاصل الحركية لوضع خطة عمل للمناسبات الخاصة بالانطلاقة وهي كثيرة وتتعدد من احتفالات مركزية إلى إضاءة الشعل في المخيمات والدورات الرياضية وحفلات الاستقبال والمهرجانات الفنية إلى تنظيم الندوات التنظيمية التثقيفية.
وبالتوازي يبدأ الإعلام المركزي والمناطق في طباعة الدعوات والبوسترات الخاصة بذكرى الإنطلاقة، ليتم بعد ذلك توزيعها على الشُعب الحركية وهذه الأخيرة تقوم بتعليق اليافطات في أرجاء المخيمات وإرسال الدعوات إلى المدعوين داخل وخارج المخيمات.
ورشة العمل هذه لا تنتهي، ففي كل مخيم تحضر الشعبة خط المسيرة وساعة الإنطلاق ونقطة النهاية والأغاني الوطنية التي سيتم بثها في المناسبة وحجز الصوتيات وبالطبع الشعلة التي سيتم إضاءتها في ذكرى الإنطلاقة. ولا يشعر القيمون على الاحتفالات بالراحة إلا عندما تكتمل التجهيزات كافة.
حفل الاستقبال:
ما إن تدخل إلى الشارع المؤدي إلى سفارة دولة فلسطين حتى تلحظ من بعيد حجم المشاركين في حفل الإستقبال، وأكثر ما يلفت الانتباه هو الإنتشار الكثيف لأمن السفارة في مقر السفارة والمناطق المحيطة بها، فهنا لا مجال للخطأ إذ تقع مسؤولية الحماية على أمن سفارة فلسطين والقوى الأمنية اللبنانية.
وما إن تقترب من السفارة حتى يعاجلك أحدهم بإرشادك إلى الطريق التي تمكنك من إيقاف سيارتك. وفي الموقف هناك عدد ليس بقليل من العناصر الأمنية التي تهتم بأدق التفاصيل.
تترك سيارتك وتتوجه راجلاً إلى السفارة وما إن تصل حتى يرشدك المنظمون إلى مكان حفل الإستقبال.
وما هي إلا بضع خطوات نزولاً حتى تصل إلى القاعة الرئيسية. في الممر الرئيسي هناك عدد من المستقبلين والفرق الكشفية التي ترحب بالمشاركين. في القاعة الرئيسية رفعت لافتة الانطلاقة ٥٤ "فتح شعلة ثورة لن تنطفىء، وقودها دماء الشهداء- الانطلاقة ٥٤"، ويتصدر القاعة عدد من الكراسي التي جلس عليها ممثلو الفصائل والقوى الإسلامية والفلسطينية، وممثلو الأحزاب والقوى الوطنية اللبنانية، وسفير دولة فلسطين لدى الجمهورية اللبنانية أشرف دبور وسفراء أجانب وعرب وفلسطينيين وأعضاء مجلس ثوري، وعدد من الوزراء والنواب اللبنانيين، وقيادات "فتح" التنظيمية والعسكرية والأمنية في لبنان، وقادة قوى الأمن الوطني الفلسطيني واللجان الشعبية في لبنان والمناطق، وفي المقابل اصطفت الكراسي بشكل مرتب وغصت بالمشاركين.
في المقلب الآخر احتشد عدد لا بأس به من الصحافيين المشاركين في تغطية الحدث السنوي، عدد كبير منهم منهمك بأخذ لقاءات جانبية مع المشاركين قبل بداية الحفل.
وما هي إلا دقائق حتى يعلن المنظمون إنطلاق الحفل الذي بدأ بالوقوف دقيقة صمت مع قراءة سورة الفاتحة لأرواح الشهداء، ثم النشيدين الوطنيين اللبناني والفلسطيني ونشيد حركة "فتح"، ليعتلي بعدها أمين سر فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وحركة "فتح" في لبنان الحاج فتحي أبو العردات المنبر للتأكيد على أهمية حركة "فتح" وأهمية إنطلاقتها والتي حولت الصورة النمطية عن الشعب الفلسطيني من شعب يصطف لأخذ المعونات إلى شعب ثائر ومدافع عن قضيته.
ساعتان كانتا كفيلتان لإستقبال عدد كبير من المهنئين الذين أكدوا بحضورهم على أهمية الدور الذي تلعبه حركة "فتح" في القضية الفلسطينية وفي الذاكرة الجماعية للشعب الفلسطيني. ساعتان كانتا كافيتان للـتأكيد على أحقية حركة "فتح" ومنظمة التحريرفي تمثيل الشعب الفلسطيني، ساعتان كانتا كافيتان للتأكيد على مكانة حركة "فتح" والإحترام الذي تحظى به من مختلف الأطياف السياسية.
وهذا العام تميز حفل الإستقبال بتكريم الإبداعات الفلسطينية، حيث قام سعادة السفير أشرف دبور والحاج فتحي أبو العردات بتكريم الفلسطيني محمد عوض الذي سجل براءة إختراع بإسمه، وهو من مخيم عين الحلوة في الجنوب اللبناني.
مع انقضاء الساعتين ينتهي حفل الإستقبال في الذكرى الـ"54" للإنطلاقة، ومعها يتنفس القيّمون والمنظمون الصعداء في انتظار مناسبة جديدة التي يزخر بها تاريخ الشعب الفلسطيني.