بحميمية لافتة، وبصراحة بليغة، وحنو تجلى بصدق الكلام، خاطب الرئيس الزعيم أبو مازن إجتماع المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية في دورته الحالية، دورة القدس العاصمة الأبدية لدولة فلسطين، تبسط في الحديث بإرتجالات بليغة، وفاض بما في قلبه وعقله ورؤياه، وما في دفاتره وأوراقه من معرفة ومعلومات ومواقف، وذهب إلى قراءة تاريخية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ليوضح الكثير من حقائقه وملابساته، لتأصيل الوعي بحقيقة الصراع وطبيعته وإحتمالاته معاً، وحتى لا تنحرف بوصلة التفكير الوطني نحو التعامل مع الراهن السياسي فحسب، هذا التأصيل بالغ الأهمية لأن الاستجابة لتحديات الصراع لم تعد تحتمل ردود الفعل، ولا التعاطي الانفعالي مع تطوراتها التي باتت حادة وخطيرة، وعلى نحو لا يقبل الجدل ولا المناكفة السياسية في أطرها الحزبية الضيقة، وبسبب هذه الحقيقة إنتقد الرئيس الزعيم أبو مازن غياب حركتي "حماس" و"الجهاد الاسلامي"، عن إجتماع المركزي، وهو الإجتماع المعني بمواجهة التحديات المصيرية، والتصدي لكل محاولات المس بالقضية الوطنية وحقها المشروع في السعي إلى التسوية العادلة التي تؤمن الحرية والاستقلال لشعبنا الفلسطيني، في دولة سيادية بعاصمتها القدس الشرقية، ودائماً مع الحل العادل لقضية اللاجئين، أنه الغياب الذي لا يمكن تبريره ولا بأي جملة وطنية ولا حتى تقنية أن صح التعبير، فالخطب كبير، لأن القدس العاصمة، درة التاج وزهرة المدائن، هي من في عين العاصفة اليوم، وهي التي إستدعت هذا الإجتماع لتحتمي بأسوار أبنائها بقرارات تقبل التحدي وتواجه الإعلان الباطل للرئيس الاميركي ترامب من أجل إسقاطه مهما كلف الثمن.

والواقع أن الرئيس الزعيم أبو مازن في نقده لهذا الغياب، إنما كان ينقل عتب القدس، وإستهجانها له، بل أن خطابه الذي إمتد لثلاث ساعات تقريباً، لم يكن بكل تفاصيله غير خطاب القدس، بكل محمولاتها التاريخية، وبكلماتها الكنعانية والعربية، وبتطلعاتها الحرة، ودعوتها لحماتها الفلسطينيين في أطرهم الشرعية، وفي ساحات المقاومة الشعبية السلمية، أن يكونوا على مستوى اللحظة التاريخية الفارقة، وأن يتكاملوا بالوحدة الوطنية الصلبة لإسقاط كل المحاولات التآمرية الرامية إلى النيل من مكانها ومكانتها الفلسطينية والعربية والانسانية. ولهذا دعا الرئيس الزعيم أبو مازن أعضاء المجلس المركزي، إلى التبصر وإتخاذ ما يلزم من قرارات لخوض معركة الدفاع عن القدس والمشروع الوطني التحرري، بالواقعية النضالية، وبعقلانية الحكمة والتواضع وحيث قال وأوضح "لسنا مغرورين ولا مغامرين أو عدميين أو جهلة، بل نعرف ونعي تماماً ما يحدث ويجري في هذا العالم من حولنا، ولا نبالغ في قدرتنا وإمكانياتنا، ونحن نستطيع أن نقول نعم، ولا، لكننا أيضاً لا نقلل من مواقع أقدامنا، وليس لدينا دونية تجاه الأخرين ولا ننحني إلا لله عز وجل".

ثلاث ساعات من البوح والتطلع، وبنفس لم يتقطع ولا لحظة واحدة، حتى أدرك الإجتماع شيخاً وكأنه في مطلع شبابه، ثلاث ساعات مرت كدقائق استعجلت مرورها، لكن الذين في قلوبهم مرض، الراجفون والمتآمرون في تلك الغرف المظلمة بعيداً عن قاعة الشقيري، وحدهم من تثاقلت عليهم، لا لأنها ثلاث ساعات إنطوت على خطاب المعرفة والموقف والتفاصيل، فحسب، بل لأن الخطاب ذاته كان دلالة عافية وتحد وثقة وقوة، صفعة العصر سنردها، والقدس عاصمة أبدية لدولة فلسطين شاء من شاء وأبى من أبى.

ومرة أخرى ودائماً أن الكبير بكبر الأرض ينطق / لا تسل عن رايته وحدها التي تخفق.