خطاب الرئيس محمود عباس في المجلس المركزي، كان خطاباً هاماً، قد لا يكون فاجأ أحد من المتابعين للشأن السياسي، لا سيما وأن جملة المواقف التي عاد وأكدها أمس، كانت طرحت وأعلنت أكثر من مرة وآخرها البيانين الصادرين عن اللجنة المركزية واللجنة التنفيذية يومي الجمعة والسبت.

ولكن ما ميز خطاب الرئيس عباس، أنه بدأ بالتأكيد على أن "القدس عروس عروبتكم"، و"تاج الدرة" و"عاصمة فلسطين الأبدية" و"زهرة المدائن" و"القدس هي مكة" بالنسبة لنا، وهي "أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين". وأنهى خطابه بالتأكيد على ذات الشعارات. وأكد في أثناء ذلك على رفض موقف ترامب البائس والمجحف، حيث أشار في سياق الخطاب، إلى أنه التقى الرئيس الأميركي أربع مرات، وتواصل معه هاتفيًا من 4 إلى 5 مرات، وفي كل مرة يوضح له الرئيس أبو مازن محددات عملية السلام، والمخاطر الناجمة عن السياسات الاستعمارية الإسرائيلية، ورفض الإسرائيليون العودة لطاولة المفاوضات وفق مرجعيات ومحددات الشرعية الدولية وعملية السلام، لكنه بقي أسير الرؤية الإسرائيلية.

وكان الملفت في خطاب أبو مازن توقفه مطولاً أمام التاريخ، حيث أشار للدور الأميركي التاريخي في التآمر على مقدرات ومصالح الشعب الفلسطيني. ولم يكن توقفه أمام التاريخ مصادفة أو لتعبئة الوقت، إنما شاء التأكيد وبالاستناد لخارطة فلسطين التاريخية عن تطور العملية الاستعمارية. وأكد أن المشروع الصهيوني لا علاقة له بالمسألة اليهودية، بل هو مشروع استعماري لحسابات الغرب.

هذا وأكد على تمسك الشعب العربي الفلسطيني بالحقوق الوطنية الثابتة، مهما اتخذت دولة التطهير العرقي الإسرائيلية من إجراءات وانتهاكات المصادرة والتهويد والأسرلة، وباقِ شعبنا ما بقي الزعتر والزيتون في الأرض الفلسطينية. ولن يغادر الفلسطينيون أرض وطنهم، لأنه ليس لهم وطن غير فلسطين.

وغمز بشكل واضح من قناة الذين رفضوا المشاركة في دورة المجلس المركزي، أي حركتي الجهاد الإسلامي وحماس، وقال "أين يريدوا أن يعقد المجلس؟" ولمصلحة من لم يشاركوا في لحظة حرجة وهامة من كفاح الشعب الفلسطيني. وتحدى أن يكون فرَّط بثابت من ثوابت الشعب الفلسطيني. كما غمز من قناة بعض الوزراء العرب، الذين لم تسمح بلدانهم بمظاهرة أو اعتصام للدفاع عن القدس، وفي نفس الوقت سجَّلوا عتب على الفلسطينيين، إنهم لم يكونوا بمستوى الحدث، وذكَّرهم أن هبة الشعب الفلسطيني قدمت حتى الآن أكثر من 500 جريح، وأكثر من ألف معتقل والعديد من الشهداء، ومع ذلك أكد على التمسك بالوحدة الوطنية، والمضي في خيار المصالحة الوطنية، وقال: "صحيح مسيرة المصالحة لا تسير قدمًا، ولكنها غير متوقفة". وأكد على أن السلطة ستبقى تدفع لأسر الأسرى والشهداء، ولن تستسلم لمشيئة وإملاءات إسرائيل أو أميركا، كما أكد على أهمية العلاقة مع الأشقاء العرب.

وخلص إلى المطالبة بالآتي: إعادة النظر في الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل، ورفض الرعاية الأميركية لعملية السلام، ولن نقبل مهما كلَّف الأمر من ثمن بأية إملاءات أميركية، وأكد على إننا لن نقبل أن نكون سلطة دون سلطة على الأرض، ولن نقبل وجود الاحتلال الإسرائيلي دون كلفة عالية، وأشار إلى أننا سوف نستمر في محاربة الإرهاب، وأنَّ السلطة ودولة فلسطين وقعت 83 برتوكول مع 83 دولة لمحاربة الإرهاب، كما أكد تمسكه بخيار وأسلوب المقاومة الشعبية السلمية، وهي السلاح الأمضى في تكبيد الإسرائيليين خسائر على كل الصعد، أضف إلى تمسكه بالعملية السلمية، والاستعداد للانخراط في أية مفاوضات برعاية دولية لتحقيق الأهداف الوطنية، وأكد التمسك بمبادرة السلام العربية بالأولويات الموجودة فيها دون أي تغيير أو تعديل، وعلى ضرورة الإعداد لعقد دورة جديدة للمجلس الوطني.

وأعلن الرئيس عباس على أن إسرائيل، هي من أنهى اتفاقيات أوسلو، وعليها أن تتحمل نتائج ذلك، وأكد على أننا نريد دولة واحدة، ونظام سياسي واحد، وبندقية واحدة، وقال مقولته الشهيرة: "لا دولة في غزة، ولن تكون دولة فلسطينية بدون غزة".

جال الرئيس عباس على الكثير من القضايا العربية والدولية، وثمَّن موقف البابا فرنسيس، الذي اعترف بدولة فلسطين دون أن تطلب منه ذلك، وبالتالي جاء الخطاب بمثابة وثيقة سياسية وتاريخية مهمة يستطيع المجلس المركزي أن يبني عليها لتعزيز الكفاح الوطني، وفتح الباب أمام المجلس المركزي ليقرر ما يراه مناسبًا.