بقلم: إيهاب الريماوي

لا يقتصر العدوان على قطاع غزة على الصواريخ والقذائف المدفعية، ففي زمن وسائل التواصل الاجتماعي، وسرعة انتقال المعلومة، بات الهاشتاغ والتغريدة والفيسبوك واليوتيوب، أسلحة إستراتيجية لها وقعها، واستخدمتها إسرائيل من أجل نشر روايتها الزائفة حول العالم.

قبل عامين، أطلقت وزارة الخارجية الإسرائيلية برنامجا تدريبيا لصُنّاع محتوى إسرائيليين من أجل تحسين صورة إسرائيل في جميع أنحاء العالم، من ضمنه تعليمهم المصطلحات التي يجب استخدامها عند الرد على التعليقات التي تُهاجَم فيها إسرائيل.

في اليوم العاشر للعدوان على قطاع غزة، أنفقت إسرائيل أكثر من 7 ملايين دولار لتمويل فيديوهات تروج دعايتها عبر منصة يوتيوب في ثلاث دول فقط هي فرنسا وألمانيا وبريطانيا.

ويرى المختص في الإعلام الرقمي محمد أبو الرب، أنه رغم الإنفاق الإسرائيلي، فإن الأعداد المشاركة في المسيرات المؤيدة لفلسطين في تصاعد، في وقت يزداد فيه تأثير المحتوى الفلسطيني في الرأي العام الغربي، من خلال منصات رقمية فلسطينية تخاطب العالم بـ7 لغات.

غير أن المحتوى الداعم لفلسطين يواجه تضييقًا اشتكى منه صُنّاع المحتوى العرب والغربيون الذين يدعمون القضية الفلسطينية، ما جعلهم يبحثون عن طرق للتحايل على الخوارزميات، لتفادي حظر منشوراتهم وحذفها، إلا أن شركة "ميتا" قالت إنها ستعمل على إصلاح بعض الأخطاء التي أثرت في الحسابات في جميع أنحاء العالم، وليس فقط من ينشر حول العدوان على غزة.

وما يفند ادعاءات "ميتا" أن سبب حذف بعض المنشورات يعود إلى أخطاء تقنية، فإن إنستغرام مثلا كان يصنف كلمة غزة على أنها محتوى إرهابي حتى أيام قليلة، وادعت لاحقا أنها ستقوم بإصلاح ذلك في خوارزمياتها، إضافة إلى أنه خلال أول أسبوع من العدوان على غزة، حذفت فيسبوك نحو 800 ألف منشور داعم للقضية الفلسطينية، في وقت أبرزت فيه المنشورات الداعمة لإسرائيل، في انحياز فج وواضح لصالح دولة الاحتلال.

وحتى وقت قريب، كان الإعلام الغربي بشكل عام منحازًا إلى إسرائيل، حتى أنه روج رواياتها حول قطع الرؤوس والاغتصاب، إلا أنه بعد الضغط الدولي والإعلامي، تراجعت مثلاً قناة السي إن إن الأميركية عن هذه الرواية، كذلك تراجع البيت الأبيض عن تصريحات الرئيس بايدن حول ذلك.

ووفقًا لتقرير صادر عن شركة الاستشارات Business for Social Responsibility، فقد أكد وجود انحياز ضد المحتوى الفلسطيني، ولمصلحة الرواية الإسرائيلية التي تعكسها الآليات والخوارزميات التي تختص بالرقابة والتضييق على المحتوى الفلسطيني وتعمل على إزالته، وغياب وجودها في حالة المحتوى الإسرائيلي الصادر عن منظومات الدعاية والتحريض التابعة للاحتلال.

ويشدد التقرير على أن طبيعة الانحياز القائم لمصلحة الاحتلال يتجاوز ما ذكره التقرير، ويظهر في طبيعة التنسيق القائم بين الشركة وسلطات الاحتلال ضد المحتوى الفلسطيني، وحتى استفادة الاحتلال من صفحات "ميتا" كأدوات في نشر التهديد وممارسة القمع والتحريض ضد الفلسطينيين.

وهذا ما يؤكده أبو الرب، أن المضامين الفلسطينية يتم تقييدها كلها، إذ إن تقييد الحسابات والصفحات يحول دون السماح لها بالمراجعة، ويتم دون إبلاغ أو تحذير، خلافا لما كان يُعمل فيه بالسابق من حيث وجود اقتراح بالمراجعة قبل عملية التقييد.

ولفت أبو الرب، إلى أن الاتحاد الأوروبي طلب من منصتي "X" (تويتر سابقا)، وتليغرام تقييد المحتوى الفلسطيني إلا أنهما رفضا ذلك، إذ إنه من الواضح أن الدول الأوروبية منزعجة من نشر الفيديوهات الفلسطينية والقصف اليومي، واتساع التظاهرات المؤيدة، فيما أن الضغط الأوروبي نحو تقييد المحتوى الفلسطيني جديد، فلم يسبق أن حدث ضغط بهذا الاتجاه الذي كان حصرًا لإسرائيل وأميركا.

ويؤكد، أن جزءًا من التعاطف الغربي مع القضية الفلسطينية جاء ليس بسبب الفيديوهات اليومية والمحتوى الفلسطيني، إنما بسبب ما نشرته وسائل الإعلام الغربية نقلاً عن المسؤولين الإسرائيليين الذين أعلنوا العقاب الجماعي على المدنيين بقطع الكهرباء والماء، ووصف الفلسطينيين "بالحيوانات البشرية"، وبالإرهابيين، فهذا الكلام لا يقبله المواطن الغربي بشكل عام، الأمر الذي انعكس بشكل واضح على حجم التظاهرات وتصاعدها.

ويشير أبو الرب إلى أن أفضل ما يجب التركيز عليه في مخاطبة الغرب، هو التركيز على المحتوى الإنساني، والقصص، وتفاصيل الحياة اليومية، والعقاب الجماعي، والبيوت المهدمة، وحجم الدمار الهائل، وأيضا الأرقام والإحصائيات.

ويوضح أن المحتوى الفلسطيني يملك صورا حية وحقيقية تثبت صحة الرواية الفلسطينية مقابل الرواية الإسرائيلية، فكل ثانية هناك قصة جديدة، وقصف جديد، ومأساة جديدة، لكن المشكلة تبقى في تسويقها الذي يحتاج إلى جهد كبير، خاصة من الجالية الفلسطينية في الدول الغربية التي عليها تمويل منشورات داعمة لفلسطين، لتصل إلى أكبر قدر ممكن، فالمحتوى الفلسطيني عادل وإنساني، ويلقى تعاطفا دوليًا كبيرًا، وحتى يتم رفده بالمزيد من التأييد، فهو بحاجة إلى تضافر الجهود من الجاليات ورجال الأعمال من أجل إظهار الحقيقة للمجتمعات الغربية.

أما الناشط الفلسطيني المقيم في الولايات المتحدة الأميركية محمود أبو قلبين، فقد شرع مع مجموعة من زملائه بالترويج للرواية الفلسطينية من خلال المنصات الاجتماعية، عبر نشر رسائل واضحة خاصة للعالم الغربي حول حقيقة ما يحدث في قطاع غزة والضفة.

وقال: نتعامل مع خبير مختص بتطوير إستراتيجيات التواصل وإدارة الانطباعات، وهو الذي يوجهنا نحو المواضيع التي يجب أن نتطرق إليها، فنركز على الحقائق والأرقام التي يصعب أن يرفض الشخص التعامل معها، وتكون هذه إحدى الأدوات الحقيقية التي نضعها بين يديه.

وأضاف أبو قلبين: أنه حتى يتم تجاوز الحظر والحذف للمنشورات الداعمة للرواية الفلسطينية، فإنه يتم اللجوء إلى أساليب من أجل تجاوز ذلك، كتقسيم الكلام، ووضع النقاط بين الأحرف، إلا أن التفاعل الكبير أيضًا من الجمهور يساعد بشكل كبير على توصيل المعلومة الحقيقية إلى أكبر شريحة ممكنة.

ويشير معهد السياسة والمجتمع الأردني، إلى أن نسبة ترجمة المحتوى الفلسطيني إلى الإنجليزية في الأردن على وجه الخصوص، ارتفعت بنسبة 200% خلال العدوان، وهذا ما ساهم مع صُنّاع المحتوى في مختلف الدول في انخفاض التأييد للرواية الإسرائيلية في الولايات المتحدة مثلا من 90% إلى 70% مع نهاية الأسبوع الثاني من العدوان.