هل يمكن وصف المنطقة العربية بمنطقة حروب؟ وإذا كانت الإجابة بنعم، وهي فعلا كذلك، فما هي أسباب هذه الحروب؟ ومن يقف ورائها؟ وما دور الدول العربية في هذه الحروب التي تعتبر أراضيها مسرحاً لها؟ والسؤال الأهم ما هي تداعيات هذه الحروب؟ وهل نشهد حرباً أخيرة قريباً؟ تاريخياً المنطقة كانت منطقة حرب بكل مستوياتها الإقليمية والكونية، لدرجة لا نبالغ فيها إذا قلنا أن الحربين العالميتيين الأولى والثانية لم تكن المنطقة بعيدة عنهما، وان تداعياتهما قد انعكست بشكل مباشر على المنطقة بدءاً بالحرب الأولى التي كانت بداية لتقسيم المنطقة إلى دول قطرية غير قابلة للاندماج والتطور، وبقيت تحمل في قلبها بذور الصراع والعداء.ولعل الأسباب التي تفسر لنا هذه الظاهرة الخطيرة، إنها مرتبطة بأسباب كثيرة أولها الأهمية الإستراتيجية والاقتصادية للمنطقة، فأقل ما يقال إنها منطقة قوة تسعى لها كل الدول الإقليمية والدولية، فالمنطقة منطقة استهداف وتغلغل لمصالح دول القوة التي تدرك أن احد مفاتيح القوة الرئيسة هي بالسيطرة والاستحواذ على مقدرات المنطقة. والسبب الثاني وجود إسرائيل في قلب المنطقة العربية والتي أقيمت بفعل القوة، واحد أهدافها هو الحفاظ على تفوقها وقوتها على بقية دول المنطقة. وأما السبب الثالث وقد يكون الأهم ضعف المنظومة العربية الواحدة القوية وغياب دور الدولة المحورية، والعمل الدؤوب من قبل الدول الإقليمية والدولية على إجهاض قوة هذه الدولة كما ترى بالنسبة لمصر والسعودية. ويمكن أن نضيف سبباً آخر وهي حالة الصراع والتنافس بين القوى الإقليمية والدولية كإيران وتركيا وأثيوبيا وإسرائيل على المستوى الإقليمي، والصراع بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي أولاً والآن مع روسيا، هذه القوى كلها لها أهدافها ومصالحها الإستراتيجية. والمنطقة بكاملها كانت هدفاً لسياساتها. وبسبب هذا التنافس شهدت المنطقة العديد من الحروب الكبرى والحروب الصغرى، أذكر منها حرب 1948 وحرب 1973، وهما حربان رئيستان أخذتا طابعاً عربياً، وحروب إسرائيل مع لبنان، وحروبها الثلاث مع حركة "حماس" في غزة. وهناك حروب بالوكالة تقوم بها فواعل من غير ذات الدول كحزب الله في سوريا ولبنان، والحركات الإسلامية المتشددة كداعش في سوريا والعراق وليبيا، والخطورة في هذه الحروب انغماس بعض الدول العربية فيها، ولعلي اذكر بأخطرها على الأمن القومي العربي غزو أو حرب العراق على الكويت، وقبلها حرب إيران والعراق، وشكلت الأولى ضربة قوية لمفهوم الأمن القومي العربي، ومن وقتها نلاحظ غلبة الأمن القطري على الأمن القومي العربي، وهو ما يفسر لنا التراجع في القضية الفلسطينية كقضية قومية عربية. واليوم وبعد موجة التحولات العربية والتي كان مخططاً لها ، نجد تزايد احتمالات الحروب والصراعات التي تشهدها المنطقة، لدرجة لم تبقى دولة عربية بعيدة عن هذه الصراعات والأمثلة كثيرة في ليبيا واليمن وسوريا ولبنان، والعراق ، وأخيرا بروز الأزمة القطرية أو الخليجية في أوسع مضامينها، والتي تعرض منطقة الخليج لكل الاحتمالات باعتبارها المنطقة التي كانت أكثر استقراراً واليوم باتت هذه المنطقة بما لها من أهمية إستراتيجية واقتصادية مستهدفه بشكل مباشر لأطماع الدول الإقليمية، وأرضها باتت مستقبلة للتواجد العسكري الخارجي كما نرى في قطر التواجد الأمريكي والتركي وتمدد النفوذ الإيراني، وفي غيرها وخصوصاً تمدد النفوذ الإيراني ليصل لسواحل البحر المتوسط من جهة سوريا. وزيادة التواجد العسكري الروسي في سوريا ووصوله لحلم قديم حلم الوصول للمياه الدافئة في الخليج عبر إيران وقطر أيضاً. ومما يزيد من احتمالات الحرب التمدد الإيراني في منطقة الخليج، ومحاولة إجهاض القوة السعودية بإحاطتها بمناطق تسيطر عليها إيران في اليمن ، وفي الشمال العراق وفي الغرب لبنان وسوريا، وهي سياسة تعرف بسياسة الكماشة، والهدف الأساس هو ضرب الدور السعودي وإضعافه مما يسهل السيطرة على المنطقة ويحول إيران إلى دولة إمبراطورية، تعيد معها أحلام الامبراطوية الفارسية، ومما زاد من احتمالات الحرب استهداف الرياض ومطارها بصاروخ باليستى حوثي ولهذا دلالات خطيرة، فعندما تستهدف عاصمة دولة ما فهذا يعني الاقتراب من المواجهة العسكرية، وزيادة الذهاب لخيار الحرب. ولم تتوقف هذه التهديدات على السعودية العربية بل طالت التهديد بضرب إمارة أبو ظبي عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة. وفي الوقت ذاته العيون على الجيش المصري الأقوى في المنطقة، وهو الحصن القوي للأمن القومي العربي والقادر على التصدي وكبح جماح نفوذ وتطلعات هذه الدول. وتفاقمت التطورات بعد استقالة الحريري وظهور الفراغ في لبنان، وتجدد الحديث عن حرب جديدة قد تكون لبنان مسرحها. ومن هذه الرؤية تبدو خيارات الحرب واحتمالاتها وأطرافها واضحة، وقد تكون هذه المرة إيران والسعودية، وقد تجران معهما دولاً عربية أخرى، وتدخلاً دولياً. هذه الحروب والصراعات الهدف منها واضح وهو إعادة رسم الخريطة السياسية الثانية للمنطقة ولكن على أسس مذهبية وأثنية وقومية جديدة تأتي على حساب الهوية العربية للمنطقة. ويبقى التساؤل في كيفية مواجهة هذه الأخطار؟ هذا يتطلب تدعيم التنسيق والتحالف العربي بين مصر كدولة أساس والسعودية والإمارات وتوسيعه ليشمل دولاً عربية أخرى مستهدفة كالأردن مثلاً. والإسراع بالتسوية السياسية للعديد من الأزمات في سوريا، والعمل على احتواء الأزمة الخليجية وعدم تحولها كمدخل للدول الطامحة. وأخيراً يبدو أن المنطقة قد تكون مقبلة على حرب هدفها إعادة رسم الخارطة السياسية للمنطقة بما يتوافق هذه المرة مع مصالح دول كثيرة في السابق كانت بريطانيا وفرنسا وفقاً لاتفاقات سايكس بيكو، أما اليوم فهذه الدول عديدة إيران تركيا وإسرائيل، والولايات المتحدة وروسيا، مما يعني أن تكون خريطة سياسية قزمية تتكون من العديد من الكينونات والدويلات الصغيرة مما يبقيها تحت سياسة الإتباع والاحتواء. هذا هو التحدي الأكبر الذي يواجه المنظومة العربية؟ فماذا فاعلون؟