قد يستغربُ البعض شراسةَ الحملة التي يشنُّها الاحتلال ورموزه والناطقون باِسمه ضدَّ حركة "فتح" ورئيسها وقيادتها بعد كلِّ عملية يُنفِّذها شابٌّ فلسطيني أو فتاة فلسطينية ضدَّ جنود "إسرائيل" ومستوطنيها وقلاع احتلالها.. فلا حاجة إلى القول إنَّ العدو يعرف جيِّداً أنَّ "فتح" لا تقف خلف كلِّ عملية من تلك العمليات، وأنَّها صادقة مع نفسها ومع شعبها عندما تُكرِّر التزامها بالمقاومة الشعبية كوسيلة للاشتباك اليومي المستمر مع الاحتلال، لأنَّها -في هذه المرحلة التي نتفرَّغ فيها لبناء مؤسّسات الدولة الفلسطينية- على قناعة راسخة أنَّ هذه هي الوسيلة الأنجع والأنجح في إيجاع الاحتلال، وإفقاده عناصر  تفوّقه، وذلك بإجباره على مواجهة شعب بأكمله، وهو ما يُجرّده من القدرة على استخدام آلته العسكرية، وهذا ما يؤدّي في المحصلة إلى فرض معادلة جديدة لتوازن القوى تفهم "إسرائيل" جيّداً مدى خطورتها.

  لا حاجةَ بنا للتذكير أنَّ هذا لا يعني بالمطلَق أنَّ "فتح" ستشعرُ بالحرج أو ستذرف الدموع عندما تشاهد من حين لآخر كيف يقف المحتل عاجزاً عن حماية جنوده ومستوطنيه من هجمات شبّانٍ فلسطينيين قرَّروا الوصول إلى رموز الاحتلال ليغرسوا في وعي قادته رسالةً مؤلمة مفادُها أنَّ لا أمْنَ لهم ما دُمنا كفلسطينيين تحت الاحتلال!

  تعرفُ "إسرائيل" أنَّ الوضع بعد عودة الثّقل الفتحوي إلى أرض الوطن ليس كما كان عندما كنا في الشتات، فـ"فتح" بتنظيمها أصبحت جزءاً أصيلاً من تركيبة المجتمع الفلسطيني لا يستطيع العدو فصلها عنه، وقد أثبتت تجربة انتفاضة الأقصى ذلك رغم كلّ ما استخدمه جيش الاحتلال من بطش وتنكيل وقتل، حيث حافظت "فتح" على اشتباكها السياسي مع "إسرائيل" في ساحات الشرعية الدولية، ونجحت في  تعرية "إسرائيل" من كلِّ عناصر الكذب والخداع لتجعلها مكشوفةً بوجهها العنصري  أمام حراك دبلوماسي فلسطيني يتقن رئيسنا أبو مازن إدارته بشكل يحافظ على استنفار العالم واستعداده وترقُّبه للخطوة التالية، وهو ما أدَّى إلى ترسيخ واقع دولي يحرِم العدو من إمكانية الاستفراد بنا، ويُعطينا كلَّ يوم مساحة أكبر نستطيع من خلالها تأكيد عدالة قضيتنا وحقَّ شعبنا في الحُريّة.

وفي المقابل فإنَّ المهمة المركزية لـ"فتح" في الوطن هي أن تحافظ على إدارة المقاومة الشعبية بوتيرة لا تُبقي لـ"إسرائيل" وقتاً لالتقاط الأنفاس، فما بين إضراب الأسرى وهزيمة نتانياهو وبواباته الإلكترونية في القدس، فتحَ شعبنا أبواباً جديدة يخوض من خلالها التنظيم تجربةً نضاليةً أخرى مُلتحِماً مع الشعب من دون أن يتمكَّن العدو من عزل أحدهما عن الآخر.

  وفي فهمنا للمهام التي نتصدَّى لها جميعاً يحتلُّ منتسبو الأجهزة الأمنية مكانهم في الطليعة حيث يُشكِّلون الدرع الواقي للشعب وهو يخوض نضاله على كلِّ جبهات البناء والمقاومة والصمود، ولا يمكن لنا أن نطلب من تلك الأجهزة خوض صراع مسلَّح مع عدو يتمتَّع بالتفوُّق في كل مقاييس موازين القوى التقليدية، ولكنَّنا اتّفقنا أن نضع بين يديها أمانة الحفاظ على الأمن والسِّلم المجتمعي ومقاومة الآفات والمظاهر الـمَرَضية في مجتمعنا وحماية شبابنا من شرّ ما يتربّص بهم من أمراض تساهم "إسرائيل" في نشرها، ونستطيع أن نقول بفخر إنَّ فدائيي الأجهزة الأمنية يؤدّون الأمانة بوطنية وحرفية واقتدار يحسدهم عليها أقرانهم في دول تتمتَّع بكلِّ مقومات السيادة، وتمتلك كلَّ ما تحتاج لتوفير متطلّبات عملها..

   إنَّ مفوضية التعبئة والتنظيم هي ذراع "فتح" التنظيمي في الوطن، وهي التي تمارس دورها الريادي في ترسيخ جذور الفكر المقاوم بين أعضاء الحركة وفي محيطهم، ولأنَّ العدو يدرك كلَّ ذلك علينا أن نتوقَّع منه المزيد من التهديد والوعيد، وسيكون من أولويات عمل الحركة - وبإشراف مباشر من مكتب التعبئة والتنظيم- أن تطوِّر منظومة العمل الفتحوي بناءً على ما وضعه الرئيس أمامنا من مهام، فنحن المسؤولون قبل غيرنا عن ترجمة شعار "دولة واحدة بحقوق وواجبات متساوية لجميع سكانها" إلى ممارسة يومية إذا وصلت قيادتنا إلى قناعة بأنَّ حلَّ الدولتين لم يعد له معنى بسبب استمرار المحتل في حفر قبرٍ يدفن فيه هذا الحل، من دون أن يدرك أنه يدفن معه "إسرائيل" ذاتها، فلا مكان في فلسطين لدولة يهودية صرفة، والحل يكمن في واحد من خيارين لا ثالث لهما: حلُّ الدولتين الذي يستند إلى الشرعية الدولية، أو الحل المستند إلى الشرعية التاريخية: دولة واحدة من النّهر إلى البحر لا يتحكَّم فيها أحد بمصير الآخر، دولة خالية من كل صنوف التفرقة العنصرية، دولة لن يكون اسمها "إسرائيل"، ومن يصل إلى قناعة أنَّه لا يستطيع العيش فيها ضمن تلك الشروط فكل الطرق والموانئ والمطارات ستكون مشرّعة الأبواب أمامه كي يغادرها إلى أي مكان يريده في أرض الله الواسعة!

   "إسرائيل" تدرك أنَّ "فتح" ليست حركة عابرة.. "فتح" سرُّ بقائنا وضمانة الانتصار.. لذلك كلّه لا يتوقّف العدو عن مهاجمتنا.. والحمد لله!