لا يجد نتنياهو ومن لف لفه من الإسرائيليين والكتاب الاستعماريين- بُدّا من التأكيد دوماً على العمق التاريخي "للقضية" التي يحملها مدعياً الحق المضاع، ومتظلماً للعالم باكياً على أعتاب الرفض العالمي المتصاعد لسياساته العدوانية التي لا تقبل بأي حل.

ولا يتقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي وحزبه أي تجاوب مع الحق الفلسطيني مطلقاً لأنه يراه الخطر الداهم في مواجهة ادعاءاته ب"الهولوكوست الجديد"، أو الدولة الديمقراطية الوحيدة بالمنطقة أو بمطالبته الاعتراف بربطه العنصري للقومية باليهودية ضمن أضحوكة فكرية تحاول أن تجعل التعصب القومي/الديني ديمقراطي، ولا يأتي نتنياهو بجديد فهو يسير على خطى من سبقوه من الإرهابيين والمتطرفين ومزوري التاريخ.

لطالما سعى بن غوريون مؤسس (إسرائيل) لاستخدام التاريخ والدين بما يحويانه من أساطير وأكاذيب في سياق الاستغلال السياسي وفي سياق تصاعد التحريض ولغرض محاولة إقناع الآخرين ثمَّ إقناع الذات بصحة ما يقوله وهو المتشكك كمن يقول (كاد المريب أن يقول خذوني).

الخداع

لا يختلف نتنياهو عن مؤسسي الدولة الإسرائيلية في حمل الأكاذيب على محمل الاستغلال السياسي فها هو بن غوريون عام 1948 متحدثاً عن ضرورة إقامة "دولة مسيحية في لبنان يكون نهر الليطاني حدها الجنوبي". يقول متحدياً سوريا والأردن ولبنان ومصر والعراق، مستحضراً خرافاته: (سننهي الحرب وسننهي حساب أجدادنا مع مصر ومع آشور وآرام)؟!!.

انتهك نتنياهو حرمات كل الاتفاقيات السياسية مع الفلسطينيين وعلى رأسها "اتفاقية أوسلو" على اعتبار أن المواعيد غير مقدسة، ضمن مسيرة خداع طويلة.

تذبذبت المسيرة السياسية المتعثرة بين طرح الدولة المؤقتة، مروراً بخارطة الطريق، وصولاً لأفكار التبادل السكاني/الجغرافي إلى "الترانسفير" إلى طرح الحكم الذاتي الموسع، وكيان المعازل "الكانتونات" ثم يتوجه الطرف الإسرائيلي بقيادة نتنياهو إلى الخلف كثيراً ليدعي أن فلسطين هي "إسرائيل" هكذا دفعة واحدة فيحتفل باحتلاله الضفة الغربية مدعياً تحريرها وإعادتها ل"إسرائيل"، وأن لا مكان لدولة فلسطينية مطلقاً، مستلاً من التاريخ  المزور ما يستطيع به أن يقنع ذاته، ويقنع أحزاب اليمين المتطرف أنه يبذّهم ويسبقهم تطرفاً فيحفر تحت هيكل التاريخ لعله يجد حبة رمل واحدة تقول قولاً فصيحاً أو أعجميا أن له أو لأبيه أو لمعلمه جابوتنسكي وبن غوريون وجود أو حق في هذه البلاد فيخيب ثم يخيب فلا يرتدع بل يزداد غلوا وتطرفاً وكذباً. 

في مسار أحابيله وصناعته للأكاذيب من الممكن أن نضيء على محطات كثيرة ولكننا سنعرض منها القليل وأن كانت جعبته لا تخلو دوماً من الأقنعة المختلفة وأكاذيب العيار الثقيل.

"إسرائيل" مثل اليابان!

نتنياهو في لقائه مع الرئيس الأمريكي في 15/2/2016 أعلن فيه بلا خجل ولا وجل أن "إسرائيل" على كامل أرض فلسطين، فقال متبجحاً كعادته محاولاً سوق براهين مضحكة ليؤكد افتراءاته: (أن اليابانيين من اليابان والصينيين من الصين مثل اليهود من يهودا-يقصد ما يسميه "يهودا والسامرة" أي الضفة).

و"يهودا والسامرة" جزء من "إسرائيل" والاستعمار!

وفي كلمة بنيامين نتنياهو خلال احتفال خاص أقيم في الكنيست الإسرائيلي لإحياء ذكرى مرور خمسين عاماً على ما يسمونه "حرب الأيام الستة" أي النكسة عام 1967، واستئناف النشاط الاستيطاني/الاستعماري اليهودي في ما يسمونه زورا "يهودا وسامرة" وغور الأردن، وهي الكلمة المنشورة  على موقعه في 6/6/2017 يقول مخاطباً اليمين وأصوات الناخبين وبعنجهية الضلال: "يشرفني أن أكون رئيس الوزراء الأول بعد عشرات السنين الذي يبني بلدة جديدة في "يهودا والسامرة". وأقوم بما هو لازم للحفاظ على الاستيطان اليهودي في "يهودا والسامرة"، وأؤكد لكم أنه لا أحد بذلك مساعي أكبر من المساعي التي أبذلها للقيام بذلك. لقد عقدنا اجتماعاً لمجلس الوزراء واتخذنا قراراً بالإجماع مفاده أننا نبني في كل أنحاء "يهودا والسامرة". هذا الشيء الأول، كما أننا نعد الخطط للبناء في كل أنحاء "يهودا وسامرة". سنواصل الحفاظ على الاستيطان، سنواصل الحفاظ على بلادنا وسنواصل الحفاظ على دولتنا.

مضيفا في محاولاته المضحكة للاحتيال على القانون الدولي وعلى قرارات الأمم المتحدة التي لم تنشئ الكيان اليهودي عام 1947 إلا بوجود دولة فلسطين، والتي آخرها القرار 2334 الخاص برفض المستوطنات/المستعمرات في أرضنا قطعياً،  فيقول مستغفلاً العالم ومتهكماً: "من الفينة للأخرى ترد إلى أذني ذلك الإدعاء الكاذب بأننا فقدنا حقنا في العيش في تلك الأماكن. إن ذلك الادعاء أبعد ما يكون وعارٍ عن الصحة. فلم نفقد حقنا أبداً – حتى وإن تعذر علينا ممارسة ذلك الحق فعلاً، وحتى لو تم فقدان ذلك الحق مؤقتاً، حيث أننا قد عدنا إلى أقاليم كثيرة داخل وطننا".

"الترانسفير" وفم نتنياهو المعوج

ونقرأ يوم 13/9/2017 لنتنياهو ذاته الذي يتحدى اليمين العنصري في غلوائه وفي تهنئته المسجلة للحزب اليميني المتطرف الذي طرح خطة التهجير "الترانسفير" للفلسطينيين معبراً عن تأييده وسروره الغامر: "سرني سماع أنكم تكرسون النقاش في المؤتمر لموضوع مستقبل (أرض) (إسرائيل). قبل سنوات ليست كثيرة كانت هذه البلاد جرداء ومهجورة (؟!) ومنذ عودتنا إلى صهيون بعد أجيال من الشتات، تزدهر (أرض) (إسرائيل)". ومن ثم قال: "نحن نبني البلاد ونوطنها على الجبل وفي المرج وفي الجليل والنقب و(يهودا والسامرة)، لأن هذه بلادنا. نحن حصلنا على الحق بالجلوس في البلاد ويجب علينا الحفاظ عليها بكل ثمن".!

وفي سياق هذه النقطة التي تتعامل مع ما يسميه زوراً "أرض" (إسرائيل) أو "شعب" يهودي كفانا علماء الآثار الإسرائيليين أنفسهم مؤونه الرد على أساطير نتنياهو التاريخية وترهاته، فعالم الآثار الإسرائيلي إسرائيل فنكلستاين وزميله نيل أشر سبيلبرغ، وزميلهما الثالث زئيف هرتزوغ، بل والمؤرخ الإسرائيلي أيضاً شلومو ساند يعتبرون كثير من أسفار التوراة التي يستمد منها نتنياهو ترهاته التاريخية أنها عبارة عن خرافات وأحلام وآمال وأساطير شعبية، وينكر الأخير بالدليل كلياً وجود شيء بالتاريخ اسمه "الشعب" اليهودي أو "أرض" لقبيلة إسرائيل، وإسرائيل هي القبيلة العربية اليمنية المنقرضة ليست ذات الصلة مع معتنقي الديانة اليهودية اليوم.

ومع هذه البراهين لا يعوج فم نتنياهو ولا يتراخي عن ادعاءاته التي يُشعلها انهيار الأمة من حول فلسطين ومحاولات استقطابها والاحتيال عليها، ومحاولاته إدامة الفرقة فيها وبين الفلسطينيين، فهو ما رأى نفسه في قمة قوته إلا عندما أصبح الرئيس الأمريكي يُحنى له الرأس، لذا لا مناص من كسب المعركة الانتخابية الإسرائيلية الداخلية، في ذات الوقت الذي يمارس فيه سلب الأرض وتزوير الوعي ويكرر ترهاته وأكاذيبه التي تجد لها صدى لدى اليمين وفي وعي أبعاض الأمة وأراذلها، وتجعله يحتفل بوقاحة عز مثيلها باحتلال الضفة الغربية فيقول في احتفاله -المخزي قانونياً وعالمياً- بأحد المستوطنات/المستعمرات المقامة على أرضنا أن: "الاستيطان مهم لكم ولي بالمقدار نفسه، ولذلك سأقول بشكل واضح أنه لن يكون هناك اقتلاع لمستوطنات في (أرض)(إسرائيل)".

قطعة نقدية وتزوير نتنياهو

كل محاولات نتنياهو الصارخة للتزوير وخداع التاريخ والناس تلقى الصد والصلابة من شعبنا البطل وأمتنا، فيلجأ للحفر مع الحفارين من علماء الآثار، فيتحول إلى أضحوكة ومجال تندر، أنظروا للخبر التالي على الجزيرة والوكالات الأخرى يوم 30/8/2017 فلا نعجب من هذا الرجل وإصراره وتصميمه العنيد على الخداع: "أوقعت قطعة نقدية عُثر عليها الأسبوع الماضي رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في الحرج، بعد أن نشر صورتها على صفحته على فيسبوك مدعياً أنها تعود إلى أيام الهيكل الثاني قبل ألفي عام، لكن تبين فيما بعد أن القطعة ما هي إلا تذكار للأطفال صُكّت بمبادرة من متحف إسرائيل قبل حوالي 15 عاما".

كيف نرد؟

قال الأخ د.ناصر القدوة في مؤتمره في 13/9/2017  ما يفهم أنه رد على افتراءات وأساطير نتنياهو التاريخية ومنهجه المخادع "نحن أهل البلاد الأصليين وأصحاب الأرض، دولة فلسطين دولة قائمة بحكم الحق الطبيعي والتاريخي للشعب الفلسطيني، وبحكم قرارات الشرعية الدولية، وبحكم اعتراف دول العالم بدولة فلسطين".

وقال الرئيس أبو مازن عن وعد بلفور عام 2016 : "لقد انقضى قرابة قرن من الزمان على صدور وعد بلفور في العام 1917، وبناء على هذا الوعد المشؤوم، وعد من لا يملك لمن لا يستحق، تم نقل مئات الآلاف من اليهود من أوروبا وغيرها إلى فلسطين، على حساب أبناء شعبنا الفلسطيني الذين عاشوا وآباؤهم وأجدادهم منذ آلاف السنين على تراب وطنهم".

وقال الرئيس في خطابه بالأمم المتحدة 20 أيلول 2017: "ولكن إذا تمَّ تدمير خيار الدولتين، وتعميق وترسيخ مبدأ الدولة الواحدة بنظامين "أبرتهايد" من خلال فرض الأمر الواقع الاحتلالي، وهو ما يرفضه شعبنا والمجتمع الدولي، وسيكون مصيره الفشل، فلن يكون أمامكم وأمامنا إلا النضال والمطالبة بحقوق كاملة لجميع سكان فلسطين التاريخية".

إننا كعرب وفلسطينيين نؤكد على ضرورة التصدي لجملة ترهات وأكاذيب وخدع نتنياهو وحكومته وللرواية الإسرائيلية التاريخية الدينية السياسية عامة التي لم تكتفي بالخدع السياسية ولا بالالتفاف على القانون وعلى حقوق الإنسان وعلى كل مقررات العالم وإنما تلك التي عاد معها نتنياهو وكرر ولم ينقطع عن اتهامنا بالتحريض رغم ممارساته هو وحكومته اليومية للتحريض الممزوج برواية الخداع التي يحاول أن يجعل ليس فقط الإسرائيليين أن يبتلعوها وإنما العرب والمسلمين الذين نجد فيهم من يرفع حاجبيه عالياً عندما يستمع لنتنياهو أو نواطقه الرسميين على الشابكة، ولربما يهز رأسه موافقاً لخلو رأسه، فيتفاعل معهم وكأن ممالأة الإسرائيلي والتزلف له سيغير المعايير بينما هو في الحقيقة أسر للعقل واندراج في الرواية الإسرائيلية التي باتت تفتك بقلب الأمة وقد تأسر عقلها.