خاص مجلة "القدس" العدد 340 آب 2017
حوار: عدي غزاوي

  منذُ بدايةِ العام 2017، تمرُّ القضية الفلسطينية بالعديد من العواصف السياسية التي توتِّر الأوضاع. فعجلةُ المصالحة ما زالت عالقةً منذُ أكثرَ من 10 سنوات، والأوضاع في غزة آخذةٌ بالتعقيد، إلى جانب عدم تنفيذ أيٍّ من الوعود الأمريكية اللّماعة التي كانت قد جاءت بها الإدارة الأمريكية الجديدة بخصوص القضية الفلسطينة. وللحديث عن أبرز تفاصيل المشهد السياسي الفلسطيني، وموقف القيادة الفلسطينية من المتغيّرات على الساحة الفلسطينية، كان لمجلَّة "القدس" هذا الحوار مع عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" د.جمال محيسن.

ما هو وضع المصالحة في الظروف الحالية ضمن اتفاق "حماس – دحلان"؟
أثناء الحوار مع "حماس" لم تكن هناك علاقة لدحلان باللقاءات التي تتم، ولم يُبحَث موضوعه أصلاً. لقد طرحَ الرئيس محمود عبّاس مبادرةً في الفترة الأخيرة أثناء المعركة عند بوابات المسجد الأقصى المبارك، والتي سُمِّيَت "نداء الأقصى"، ورغم ذلك لم ترد "حماس" بإيجابيّة، وإنَّما ردَّت بتساؤلات، وأصبحت هي تنتظر ردًّا على الأسئلة التي تطرحها! للأسف، "حماس" قطعت شوطًا كبيرًا باتجاه الانفصال عندما شكَّلت اللجنة الإداريّة لإدارة قطاع غزة، وذهبت بها إلى كتلة "حماس" في المجلس التشريعي، أي أنَّها بدلاً من أن تخطو خطوةً باتّجاه إنهاء الانقسام، عملت على تكريس الانفصال القائم. بالنسبة لنا، سنُبقي الحوارات مفتوحةً مع "حماس"، وأتصوَّر أنَّ مدار البحث في زيارة الرئيس عبّاس لتركيا نهاية هذا الشهر، سيكون حول موضوع إنهاء الانقسام. ولكن "حماس" أضاعت فرصة تاريخيّةً كان من المفروض أن تلتقطها في "نداء الأقصى"، لتعود للصف الوطني، خاصّةً أنَّنا كنا نخوض معركة تخص العقيدة الإسلاميّة، وتخص القدس التي بالإضافة لكونها جزءًا من عقيدتنا الإسلامية، فهي عاصمة دولة فلسطين، وهذا يدفعنا لطرح سؤال مهم: إذا لم يجمعنا نداء الأقصى مع "حماس"، فما الذي سيجمعنا إذًا؟! لذا، فأنا بصراحة غير متفائل بأنَّ "حماس" قد تتراجع عن الوضع القائم في غزة، إلّا إذا حدثت تغيُّرات في الإقليم، أو تغيُّرات في الحالة الشعبية في قطاع غزة، أمَّا بالنسبة لحماس نفسها فهي حتى اللحظة ليست لديها نوايا إيجابية لإنهاء الانقسام. وفي الفترة الأخيرة بدأت تظهر وجهات نظر متباينة في "حماس" ما بين أعضاء الحركة في الضفة الغربية وأعضائها في غزة، وخاصّةً وسط الأُطُر القيادية في "حماس" في الضفة الغربية، والتي لا تقيم لها "حماس" أيَّ اعتبار، وأيضًا هناك تيار كبير في "حماس" لا يقبل العلاقة القائمة مع دحلان، فهُم يعتبرون أنَّهم نفَّذوا الانقلاب في غزة وقتلوا 700 شخص وقطّعوا أرجل نحو 70 شخصًا إلى جانب زج شُبّانٍ في سجونهم وتعذيبهم بذريعة ممارسات دحلان وجماعته، فكيف يتصالحون مع مَن كانوا يُكيلون إليه كلَّ تلك التُّهم التي تذّرعوا بها للانقلاب، ويمدون إليه يدهم مقابل حفنة من الدولارات؟! وكأنَّ "حماس" حوّلت الناس في قطاع غزة إلى قضية شؤون اجتماعية تريد على حسابها الدعم والمساعدات من أي جهة كانت، في حين أنَّ الحل الوحيد والصحيح لمشكلة "حماس" ومشكلات شعبنا في القطاع الذي يعاني جرّاء الانقلاب لا تكمن في التنسيق مع دحلان، وإنَّما بالعودة لحضن الشرعية، وهي السلطة الوطنية الفلسطينية".
كيف تنظرون للتلميحات الإسرائيليّة بإعادة تفعيل الإدارة المدنية في حال استمرار وقف التنسيق الأمني؟
"إسرائيل" سعت في الفترة السابقة لتشكيل ودعم روابط قرى، قبل وجود القيادة الفلسطينية على أرض الوطن، وقد فشلت هذه المحاولة. لكنَّ "إسرائيل" لن تتوانى في أيِّ وقت من الأوقات عن محاولة العمل  على تفرقة وتمزيق المجتمع الفلسطيني، ولتحقيق ذلك تسعى لإيجاد رموز من أجل التعاون معها. وبرأيي، على السلطة الوطنية الفلسطينية أن تتعاطى بحزمٍ مع أيِّ شخص يخرج عن الصفِّ الوطني، ويتعامل مع الإدارة المدنية الإسرائيلية، بعيدًا عن هيئة الشؤون المدنية، وهي الجهة المعنية والمخوَّلة في العلاقة مع الاحتلال الإسرائيليّ.
برأيك هل تحاول "إسرائيل" تهميش دور السلطة عبر التواصل مع الأطراف الإقليمية بخصوص القضية الفلسطينية بعيدًا عن دور السلطة في هذا الملف؟
بعد العملية التي نفَّذها شُبَّانٌ من أُم الفحم في المسجد الأقصى، جرى اتصالٌ هاتفي بين الرئيس أبو مازن ونتنياهو، وكان مفاد الحديث أنَّه لن يجري أي تغيير في القدس، وسافر الرئيس أبو مازن إلى الصين، وبعدها تمَّ وضع البوابات الإلكترونيّة، وكان الموقف واضحًا لدينا بأنَّه لا يمكن السكوت على وضع استجدَّ بعد صباح 14 تموز 2017. ونحن نُثمِّن كلَّ الجهود التي بُذِلَت من كلِّ الشعوب العربية والإسلامية، ومن أصدقائنا في الساحة الدولية، ولا سيما الموقف المميَّز من الأردن، والذي يختلف عن موقف أي دولة أخرى، خاصّةً أنَّ جلالة الملك عبدالله الثاني يرعى المقدسات في القدس، وهو أيضًا رئيس القمّة العربية، وقد كان للأردن موقفٌ تصعيدي أكبر بعد الجريمة التي ارتكبتها "إسرائيل" بحقِّ مواطنَين أردنيَّين بدون أي مبّرر، وما قام به نتنياهو باستقبال المجرم القاتل، وحديثه الاستفزازي معه على الهاتف، بالإضافة للمواقف الواضحة من مصر، والسعودية، والمغرب، والجزائر، والكويت، ومع تقديرنا لجميع هذه المواقف المساندة، ولكن ينبغي التأكيد على أنَّ مّن حسم المعركة هو شعبنا الفلسطيني الذي هبَّ بمسلميه ومسيحييه، وبأطفاله ونسائه وشيوخه، في القدس، وداخل الخط الأخضر، وفي الضفة، وغزة والشتات، فالحسم والجهد الأساسي كان بفعل الموقف الشعبي الفلسطيني والموقف القيادي الصَّلب من قِبَل الرئيس محمود عبّاس والقيادة الفلسطينية، والموقف المتميِّز لحركة "فتح"، مقرونًا بموقف أشقائنا العرب على المستوى الرسمي والشعبي.
وبالتالي، لا يمكن أن تكون هناك أي حلول أو قرارات خاصّة بأية مسألة مرتبطة بالقضية الفلسطينية بعيدًا عن القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني. فنحن أخذنا قرارًا بأنَّ منظمة التحرير الفلسطينية ممثِّل شرعي ووحيد لشعبنا الفلسطيني، خلال اجتماع القمّة العربية في الرباط العام 1974، ومنذُ ذلك اليوم كلُّ أشقائنا العرب يسعون بدورهم لتكريس السلطة الوطنية الفلسطينية، وتكريس منظمة التحرير، وهناك لجنة متابعة ومبادرة عربية خاصّة بذلك، لذا فكلُّ محاولات "إسرائيل" ستبوء بالفشل، ولن يبقى خيار أمامها إلا أن تتفاوض مع القيادة الشرعية للشعب الفلسطيني ضمن مرجعيات عملية السلام، التي يجب أن تستند لقرارات الشرعية الدولية.
كيف تُقيِّم الدور الأمريكي تجاه القضية الفلسطينية بعد أشهر على تسلُّم ترامب للرئاسة؟ وما هو موقف السلطة من هذا الدور ومن المتغيِّرات في الأفق السياسي؟
تحدَّث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن صفقة حل، ونحن نؤكِّد أنَّنا مع حلٍّ جذري، إذ لسنا بصدد إدارة أزمة أو العودة إلى مفاوضات جديدة، ولكن الوفود التي شكَّلها ترامب هي وفودٌ منحازةٌ إلى كيان الاحتلال بالكامل. فعندما تقف مندوبتهم في الأُمَم المتحدة وتقول إنَّها تنتعل حذاءً بكعب عالٍ لتضرب رأس أيِّ أحدٍ يصوِّت ضدَّ "إسرائيل"، أتصوَّرُ أن هذه هي قمَّة العنصرية والفاشية، والأمر نفسه يتمثَّل بزيارة ابنة السفير الأمريكي في تل أبيب للمستوطنات.كما أنَّ الوفد الأمريكي الذي أتى لمرات عديدة لم يتَّخذ أيَّ موقفٍ ضدَّ الاستيطان، ولم يتحدَّث عن حلِّ الدولتَين.
نحن دولة مُعترَف بنا في الأُمَم المتحدة كـ"دولة"، بغض النظر عن وضع مراقب، لذا يجب أن يكون هدف أيِّ مبادرة سياسيّة إنهاء الاحتلال عن أراضي دولة فلسطين المحتلةّ، بحيثُ لا يبقى أيُّ جندي أو مستوطن على أرضها، وأن تقوم دولة فلسطينية ذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية، باعتبار القدس الشرقية جزءًا من الأراضي المحتلة العام 1967، من أجل تسوية شاملة، ووقف الاستيطان في أراضي الدولة المحتلة العام 1967، وهناك قضايا معترف بها من العالم، كالقرار 194 الذي يعالج نتائج نكبة العام 1948، وقرار التقسيم 181، وغيرها من قرارات الشرعية الدولية الواجب تطبيقها ليعمَّ السلام في المنطقة وفي العالم. أمَّا التزام الصمت إزاء استمرار الاستيطان، وعدم التطرُّق لحلِّ الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية، فهو أمرٌ مرفوض، وقيادة شعب الجبّارين لن ترضى بأيِّ مبادرة تنتقص من حقوقِهِ.
نحن تنازلنا تنازلاً مؤلمًا عندما قبلنا بدولة فلسطينية على الأراضي المحتلة العام 1967، وإن كانت حتى مربوطة بحق اللاجئين بالعودة، واليوم "إسرائيل" تحتل أراضٍ بما يتنافى مع كلِّ قرارات الشرعية والقوانين الدولية، وبالتالي آن الأوان بعد خمسين عامًا على هذا الاحتلال بأن ينتهي، وأن تُحَلَّ قضايا اللاجئين الفلسطينيين حسب قرارات الشرعية الدولية، وحسب الشروط التي وُضِعَت على "إسرائيل" عندما تمَّ قبولها في الأُمَم المتحدة كعضو، وعلى رأسها أن تمتلك حكومةً وشعبًا وحدودًا، ولكنَّها حتى اليوم لم تُحدِّد حدودها، لذا على العالم أن يسأل أين الشروط التي قُبِلَت على أساسها "إسرائيل" في الأُمَم المتحدة؟! ومن هنا، ينبغي للولايات المتحدة أن تخرج من دائرة الانحياز الأعمى لإسرائيل، وأن تأخذ بعين الاعتبار القيم الأمريكية التي نادى بها الزعماء الذين أسَّسوا الولايات المتحدة الأمريكية، والتي باتت القيادة الأمريكية اليوم بعيدةً كلَّ البعد عنها، بدعمها نظامًا عنصريًّا احتلاليًّا يمارس الفاشية تجاه الشعب الفلسطيني. فهذا الاحتلال هو أعتى أشكال الإرهاب، والإدارة الأمريكية منحازةٌ لإسرائيل بالكامل، رغم كلِّ مصالحها في المنطقة العربية، وبكل أسف فأشقاؤنا العرب لا يُشكِّلون وسيلة ضغط على الولايات المتحدة بقدر ما يسعون لكسبِ رضاها، وهذه المعادلة المغلوطة في المنطقة العربية.
وبالتالي، وفي ظل كلِّ المتغيرات، نحن سنبقى متمسكين بثوابتنا، وسنواصل التوجُّه لمجلس الأمن لنطالب بدولةٍ كاملة العضوية، وسنذهب للأُمَم المتحدة ومؤسّساتها لتحصيل حقوقنا، بالتوازي مع الصراع الدبلوماسي الذي نخوضه في الساحة الدولية، والمقاومة الشعبية السلمية على أراضي الدولة الفلسطينية الخاضعة للاحتلال، والتنسيق مع الجماعات التي تؤمن بالسلام في المجتمع الإسرائيليّ.
إلى أين وصلت التحضيرات لعقد المجلس الوطني؟ وهل ستشارك "حماس" فيه؟
هناك حوارات تجري بين فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وشخصياتٍ وطنيّة، وتجمُّعات فلسطينية، بهدف الوصول لعقد اجتماع للمجلس الوطني، بحيثُ تكون دورة عادية بالأعضاء الحاليين. "حماس" لن تشارك رغم كونها عضوًا في المجلس الوطني من خلال كتلتها في المجلس التشريعي، وإذا رغبت حركة "الجهاد الإسلامي" بالمشاركة فسيتم التوافق معها، كما تمَّ التوافق مع حركة "المبادرة الوطنية الفلسطينية"، بتحديد عددٍ معين لها. لكن "حماس" حتى الآن لا تستطيع أن تشارك -حتى لو أرادت- بسبب تمسُّكها بانقلابها في غزة، وعليها أن تتراجع عن انقلابها لكي يتسنّى لها الدخول ضمن إطار منظمة التحرير الفلسطينية من باب واسع كباب الشرعية. وبالتالي إذا عقدنا مجلسًا وطنيًّا، ووضعنا برنامجًا سياسيًّا، وجدَّدنا شرعيات الأُطُر القيادية، وفعَّلنا أُطُر منظمة التحرير، ثُمَّ رغبت "حماس" أن تأتي ضمن الشروط المطلوبة، حينها ينعقد مجلس وطني جديد بعد ثلاثة أشهر، لكن يجب أن لا نبقى أسرى حركة "حماس"، وأنا أتوجّه لكل فصائل منظمة التحرير الفلسطينية بضرورة الخروج من موضوع المناكفات والقضايا التي تضع عقبات أمام المنظمة. الجميع يؤكِّد أهميّة انعقاد المجلس الوطني، والجميع يطالب بتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية، ودوائرها، وقياداتها، ولكن للأسف فعندما نذهب باتجاه ذلك، نجد أنَّ البعض يتردَّد أو يناكف!
ما رأيك بقرار الحكومة بإحالة عددٍ من موظَّفي غزة للتقاعد المبكر؟
بدايةً، أنا ضدَّ خصم أي نسبة من راتب أي موظف في قطاع غزة، حتى وإن كانت 1%، لذا يجب أن يُعاد صرف الرواتب كاملةً للموظّفين في غزة، لأنَّ الجميع لديهم التزامات ومسؤوليات، والراتب الأصلي يكاد لا يكفي. وكذلك الأمر بالنسبة لموضوع الإحالة إلى التقاعد، والذي أرى أنَّه يجب العودة عنه، لأنَّ مَن يُحالون على التقاعد هُم أبناء "فتح"، ومنظمة التحرير الفلسطينية، ومستقلون، وهذا الكلام يخدم "حماس" ودحلان. المصلحة الفلسطينية العامّة تقتضي منّا محاصرة الانقلاب، وذلك يكون عبر وقفِ كلِّ الخدمات التي تُقدَّمها السلطة في غزة، والتي من واجب "حماس" تحمُّلها بحكم سيطرتها على القطاع، وإذا كانت هناك من رواتب تُمنح لأعضاء من "حماس"، فهذه أيضًا من الواجب وقفها بكل أشكالها، أمَّا شبابنا فلا يجب أن تتم معاقبتهم لا بخصم جزء من الراتب، ولا بالإحالة إلى التقاعد المبكر.