بقلم: محمد سعيد

برع الفلسطينيون في مختلف الفنون الكتابية الثقافية من شعر ورواية وقصة وتراث شعبي، في مجال القصة القصيرة لم تختلف الموضاعات التي تناولتها عن باقي الفنون الاخرى إذ إن مسألة الصراع مع العدو الصهيوني كانت السمة الأبرز في هذا المجال القصصي، وكغيرها من الفنون الأدبية، مرت كتابة القصة القصيرة بمراحل تفاعلت فيها إلى أن تمخضت بما بات يعرف اليوم بالقصة القصيرة "السوبر". فمنذ القرن التاسع العشر إلى يومنا هذا تأثر كتّاب القصة القصيرة الفلسطينيون بالاعمال القصصية الاوروبية من ناحية الشكل والمضمون والبناء. وثابروا على هذا المنوال متخذين من القضية الفلسطينية هدفاً للموضوعات الكتابية بأساليب وتراكيب متفاوتة مراوحة بين التقليد والتجديد، بدءاً من البداية حتى الرسوخ والثبات، وتنقلت القصة في مراحلها الأولى بين الرومانسية والواقعية فالرمزية، وخلال هذه الحقبة ظهر كتّاب أمثال خليل بيدس وجبرا ابراهيم جبرا ومحمود سيف الدين وغيرهم.
 وكانت موضوعاتهم تتمحور حول القضية الفلسطينية والانسان الفلسطيني كمشروع نضالي وسياسي واجتماعي وعبّروا عن تمسكهم بأرضهم ومناهضتهم للاحتلال، ثم جاءت مرحلة غسان كنفاني وإميل حبيبي في ستينات القرن الماضي، وترافقت هذه المرحلة مع بروز المقاومة الفلسطينية، وتأثر الفن القصصي بهذه الظاهرة النبيلة، وتبلورت أشكال وأساليب جديدة مستفيدة من التقنيات التي حفلت بالمفارقات والاحتمالات والدلالات. في المرحلة الراهنة برز العديد من كتاب القصة القصيرة، كمحمود شقير وخليل السواحلي ومحمد نفاع وغيرهم، وساهمت العديد من المجلات والصحف في الترويج لهؤلاء المبدعين، كمجلة "الأديب"، "والآداب"، "والجديد". وكصحيفة "الأفق الجديد"، "والاتحاد"، وكان هناك كتاب قصة داخل الخط الأخضر، يعبّرون في قصصهم عن الخط المقاوم والتصدي لمحاولات الاحتلال لطمس الهوية العربية الفلسطينية داخل هذا الخط مستندين على المأثورات الذاتية للقرى ووضعها في قوالب قصصية، ولا نغفل لما كان لهزيمة 67 من تأثير صادم على الأدب الفلسطيني عموماً، لأن الفلسطيني في تلك الفترة بنى أمالاً كبيرة على الانتصار في تلك الحرب، ودحر العدو وعودة اللاجئين واسترداد الكرامة؛ ولكن جاءت الرياح على عكس ما تشتهي السفن! ولم تعد اللغة القصصية التي كانت معتمدة تفي بالحالة الكارثية التي آلت بالوطن العربي وقضت على أحلام الشعب الفلسطيني، فقد أصبح الواقع أكثر تأزماً، ودخلت أقلام جديدة في هذا المضمار من بلدان اللجوء، ولم يقتصر الأمر فقط على الداخل الفلسطيني، كغسان كنفاني الذي مثّل بجدارة عالية هذه المرحلة. في غزة مثلاً أثّرت الهزيمة بشكل مباشر سلباً على كتاب القصة القصيرة خصوصاً بعد اشتداد الحصار حيث تضاءل انتاج القصص القصيرة بسبب الظروف السيئة، وبسبب انخراط بعض الكتّاب بالعمل السياسي، وخروج البعض الآخر خارج الوطن، ولم يقتصر انتاج القصص القصيرة على الرجل، بل كان للمرأة دور بارز في هذا المضمار كسميرة عزام وثريا ملحس، اللائي استخدمن التأمل والايحاء في كتاباتهنّ، ثم تطورت الكتابات القصصية بعد ذلك وانتقلت من السلبية والتشاؤم والاستسلام والقهر والتمرد على الواقع المحزن الذي يعيشه الانسان الفلسطيني الى المطالبة بالتغيير، وأضحت القاصة الفلسطينية مقدامة في طرح المسائل الوطنية والاجتماعية، ونجحت في أعمالها القصصية متميزة بالرهافة والعفوية والصدق مع ميل إلى الغموض واعتماد الصيغة الرمزية في استخدام الأساطير والتركيز على العواطف في عالم المرأة المكبوت والمقموع والابحار في التعبير عن الذات والعواطف. بكل الاحوال فإن القصة الفلسطينية القصيرة مرآة تعكس واقع الانسان الفلسطيني، وهذه المرآة ذات خصوصية متجذرة بالهوية الفلسطينية والقضية الأم، وكل الذبذبات والانعكاسات التي تصدر عنها تشير إلى نفس المكان ونفس الهدف، ألا وهو تحرير الأرض ونيل الحرية والاستقلال والتخلّص من نير الاحتلال. وأن القضية الفلسطينية كانت بوصلة التوجهات في هذه الأعمال، والنبع الذي رفدها بالعزيمة والإصرار، ووصف الواقع في الداخل والخارج، وكأنّ هذه الأعمال سيرة ذاتية طويلة لفلسطين والفلسطينيين، في القصص القصيرة التي كتبها الفلسطينيون على مرّ مراحل النكبة، وكانت خير معبّر عن أوضاعهم وأوجاعهم السياسية والاجتماعية والانسانية.