بيان صادر عن قيادة حركة "فتح" – لبنان

  ثلاثةُ شهداءٍ من مدينة أم الفحم (أم النور) ارتقوا إلى جنان الخلد يوم أمس الجمعة 15-7-2017، ليلتحقوا بركب القافلة التي انطلقت منذ فجر الصراع مع الحركة الصهيونية، التي احتضنتها الإمبريالية العالمية، وخاصّةً الدول الاستعمارية، التي كانت حريصةً على وجود هذا الجسم السرطاني في قلب الأُمَّة العربية، في فلسطين المقدسات أرض المعراج، ومُصلَّى الأنبياء تمهيداً لتمزيق هذه الأُمَّة، وشلِّ قدراتها، وإغراقها في أتون الصراعات والنزاعات.

الشهداء هم محمد أحمد محمد جبارين (29 عامًا)، محمد حامد عبد اللطيف جبارين (19 عامًا) ومحمد أحمد مفضل جبارين (19 عامًا). ما زالوا في مقتبَل العمر، ينشدون العزّة والكرامة، تعلَّموا من القادة العظماء، من السلف الصالح والمجاهد أمثال عز الدين القسام، وعبدالقادر الحسيني، وعطا الزير، وفؤاد حجازي، ومحمد جمجوم، وياسر عرفات، وأحمد ياسين، وفتحي الشقاقي، وأبو علي مصطفى، تعلَّموا منهم أنَّ العزة لله وحده، وأنَّ الاحتلال الغاشم حدثٌ عابر وزائل، وأنَّ دماء الشهداء هي التي تصنع التاريخ، وتحمي المقدسات.

كان من الطبيعي أن ينطلق هؤلاء الشبان الثلاثة وبأيديهم أدوات الدفاع عن النفس، أدوات حماية الأقصى والمقدسات، أدوات كتابة الرسالة التي لا بد من كتابتها وإرسالها إلى الكيان الصهيوني أولاً، وإلى الأُمَّة العربية والإسلامية ثانياً، وإلى المؤسسات الدولية ثالثاً، وإلى الشعب الفلسطيني رابعاً.

أولاً: إلى الكيان الصهيوني الغارق في العنصرية والنازية، يقول الشهداء:

إنَّ أرواح مئتين وخمسين شهيداً فلسطينياً تمَّ قتلهم برصاص جنودكم ومستوطنيكم بدمٍ باردٍ، بدون مبرِّر، وبقرار حاقد من حكومتكم الإرهابية، لن يمرَّ مرور الكرام، وسيكون الثمن باهظاً، وشعبنا لا ينام على ضيم، وعليكم أن توقفوا هذه المهزلة، فدماء أبنائنا ونسائنا غالية علينا، وهي من أنقى الدماء البشرية لأنَّنا من سلالة الأنبياء، والمجاهدين، والشهداء. نحن الشهداء الثلاثة عنوان المرحلة القادمة، نحن نبحث عن الكرامة والحُرّية وإزالة الاحتلال، وعليكم أن ترحلوا من أرضنا المخضَّبة بدماء شهدائنا، والمجبولة بعظام وأجساد أجدادنا.

ثانياً: رسالتنا إلى أمتنا العربية والإسلامية، هذه هي رسالتنا الأولى لنقول لكم آن الأوان، أن تستعيد الأُمَّة كرامة مقدساتها، وأن توحِّد خطواتها، وأن توجِّه بوصلة الصراع ضدَّ الاحتلال الإسرائيلي، الذي يستبيح مقدسات المسلمين في فلسطين، ويُدنِّس باحات الأقصى، وحائط البراق. الاحتلال الذي ملأ القدس بالمستوطنات، وأغرق ساحات الأقصى بعصابات المستوطنين. ووصل الأمر بنتنياهو وحكومته اليمينية إلى إعطاء الأوامر بمنع دخول المصلين إلى المسجد الأقصى لتأدية صلاة الجمعة، والاعتداء على الشيخ محمد حسين مفتي الديار الفلسطينية علناً، وتوقيفه من دون أي اعتبار لكلِّ الدول الإسلامية والعربية. إضافةً إلى الاعتداء على وسائل الإعلام ومنعها من نقل الحقائق. إنَّ قيام العدو الصهيوني بمنع المسلمين من الصلاة هو خنجر مسموم في قلب الأُمَّة، وهو انتصار لهذا العدو الذي تحدّى الأُمَّة، ولم يتراجع أو يحسب حساباً لها، وهي التي اكتفت ببيانات الاستنكار وكفى.

هل أدركنا الآن لماذا هؤلاء الشبان الثلاثة خاضوا معركة المواجهة؟

إنَّه درسٌ للأُمَّتين العربية والإسلامية مكتوب بالدم الفلسطيني.

  ثالثًا، رسالةُ الشهداء إلى المؤسّسات والهيئات الدولية ابتداءً من مجلس الأمن المحكوم بالقرار الأمريكي، والجمعية العامة للأمم المتحدة، ومروراً بكافة الجمعيات والمؤسسات، وصولاً إلى الصليب الأحمر الدولي، نحن تحت الاحتلال الإسرائيلي المغتصِب لأرضنا، والمدمِّر لمستقبلنا، والمحتجِز لحرياتنا، والمعتدي على مقدساتنا، والمستوطِن لأرضنا، والمتجبرِّ بمصير معتقلينا وأسرانا، وكلُّ ذلك يجري على مسمَع ومرأى منكم جميعاً، فإلى متى سيستمر الصمتُ المريب على حساب حريتنا، وحقوقنا المشروعة كشعب سُلبَت حقوقه وأرضه، ومياهُه، وحريته، وسيادته، وأمنه؟! صحيح أنَّ القيادة السياسية للشعب الفلسطيني آثرت البحث عن السلام الذي يعيد إلينا أرضنا كاملة، وسيادتنا على دولتنا وعاصمتنا القدس المباركة، لكنَّ هذا لا يعني أنَّنا سلَّمنا بالأمر الواقع والمؤلم، فنحن جمرٌ تحت الرماد، والشعوبُ مهما ظُلمَت، وحُرمَت من حقوقها، إلاَّ أنَّها لا يمكن لها إلاَّ أن تنتصر، ونحن جزءٌ من منظومة الشعوب التي كانت مضطهدة، واليوم أصبحت مستقلة، والاحتلال إلى زوال. لكنَّنا وقد فارقنا الحياة كشهداء إلاّ أنَّنا نتألَّم ونحن نرى دولةً مارقةً كإسرائيل وبدعم من الدولة الظالمة، وهي الولايات المتحدة، هي التي تتحكَّم بقرار المنطقة ومصير شعوبها، فأين القادة العظماء في هذا العالم؟ وأين أبطال السلام في العالم؟ وأين المنتصرون للشعوب المحتلة أرضُهم؟ أين غاندي، وكاسترو، وهوشي منه، وماوتسي تونغ، وجمال عبدالناصر، وتشافيز، وهواري بومدين؟!

  أمَّا الرسالة الرابعة فهي موجَّهة بالبريد السريع من الشهداء الثلاثة إلى شعب الجّبارين في كل الساحات والميادين: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) صدق الله العظيم.

أردناها مبارزةً علنيةً مع جبروت الاحتلال، وأحقاد الصهاينة، وتكنولوجيا الرعب الإسرائيلي، أردناها علنيةً ووجهاً لوجه، وفي وضح النهار، وبالسلاح، سلاح المقاتلين الأوائل، واخترقنا أمنَهم المزيَّف لنقول لهم أنتم نمرٌ من ورق، وأَنَّ الصراع مع المحتل هو صراع إرادات، وقناعات، وإيمان مطلق بالله والقضية، وحتمية النّصر.

أردنا أن نقول لشعبنا: قَدرُنا أن نبقى دائماً على أُهبة الاستعداد، وأن لا نترك الخندق الأمامي، وأن يبقى الإصبعُ على الزناد، طالما أنَّ الاحتلال يمارس ما يحلو له من القتل والإعدامات الميدانية، والهدم والقمع، والاعتداء على المقدسات، نحن نريد حقوقنا المشروعة، ولسنا هواة قتل، نحن نبحث عن الأمن والسلام، ولكن ليس على حساب حبّة تراب من قدسنا، ولا على حساب حق لاجئ بالعودة.

نقول لكم جميعاً نحن رحلنا إلى جوار ربِّنا، إلى جنان الخلد، عليكم أن تكونوا في خندق واحد، وأن تنتموا إلى فلسطين فهي مصدر الأمان والاطمئنان. وتذكَّروا أنكم حماةُ الأقصى، والأرض المباركة، واحملوا رايةَ الاستشهاد والانتصار.

هذه رسائل شهدائنا الثلاثة، وهي محفورةٌ في عقولنا ووجداننا، وستبقى فلسطين هي قضيّتنا المركزية، ونحن المؤتمنون عليها مهما طال الصراع، فالاحتلال إلى زوال، والنصر آتٍ، والرحمة لشهدائنا، والحرية لأسرانا البواسل.

وإنَّها لثورة حتى النَّصر

 حركة "فتح" - السّاحة اللبنانية - إقليم لبنان

2017/7/15