لو سألنا أنفسنا قبل ثلاثة أسابيع: كم يوماً سيستمر إضراب الأسرى؟ أكاد أجزم أنَّ غالبيتنا كانت تدرك أنه سيستمر طويلاً، فنحن نعرف عدونا جيداً،  كما أننا  واثقون من الأسرى وحسن تدبيرهم وقدرتهم على استنهاضنا نحن قبل غيرنا..

فقد كنا ننتظرهم ونحسب اللحظات التي تفصلنا عن بداية إضرابهم كأنه مطرٌ يروي جفاف عروقنا.. غمامةٌ تظلّل قيظَ صيفنا.. أفقٌ يمتدُّ حتى حدود المدي ليردد صدى ندائنا-البوصلة: ثورة حتى النصر..

ما الذي تغيّر فينا في هذه الأسابيع الثلاثة؟

ليس لواحد منا أدنى فكرة أو معلومة حول حالة الأسرى المضربين بما في ذلك قادة الإضراب وخصوصاً القائد مروان البرغوثي، لكننا واثقون أنَّه يقود الإضراب ويتابعه بأدق التفاصيل.. وهذا هو إنجاز الإضراب الأهم: قد يُعزَل مروان، مثلما حُوصر أبو عمار، وكما تشتدُّ الحملة التي تهدف إلى قطع الحبل السُرّي الذي يربط رئيسنا "أبو مازن" بشعبه.. لكن هذا لا يستطيع تجاوز ندائنا الذي لا يفهمه أحد غيرنا، فنحن نمتلك لغة للتواصل بيننا لا علاقة لها بالصراخ، نحن في "فتح" خُلقنا من طينة مختلفة، عندما تستدعينا فتح فنحن لا نحتاج للكلمات، يكفي أن تعطينا إشارة خفيفة.. كلمة سر.. نظرة صارمة بعينيها.. وعندها على أبنائها أن يهبّوا ليأخذوا أماكنهم الطبيعية في الصفوف الأولى لصدّ الرياح عن شعبنا ولكسر أمواج البحر التي لن تتوقف عن محاولات ابتلاع سفينتنا..

الهدف الأول لنا جميعاً هو تحقيق مطالب الأسرى، لكنَّنا يجب أن نجعل استنهاض المشهد الفتحوي الداعم للإضراب والحاضن له إنجازاً لا يقل أهمية عن تحقيق المطالب.. فنحن أقرب الناس من نبض الأرض، نتقن الإصغاء جيداً لنشيد السنابل ولرائحة زهر اللوز.. أمَّا الأسرى فقد أصبحوا أشجار زيتون أصلها ثابت في الأرض وفروعها باسقة في السماء مزدانة بألوان العلم.. وما عدا ذلك فهو تفاصيل يدرك أسرانا أنها لن تحجب عنهم بهاء الصورة رغم ألم الجوع..

حذار ثم حذار أن نبدّد ما منحنا إياه إضراب الحرية والكرامة من عوامل القوة! ولْنسألْ أنفسنا كل يوم: ماذا نستطيع أن نفعل نحن أكثر ممّا فعلنا حتى الآن؟ لا أن نهرب الى السؤال الأسهل: ماذا فعل الآخرون؟

فليس هناك من مبرر واحد لأن نُصاب نحن بالوهن بعد ثلاثة أسابيع من الإضراب بينما لم نسمع ولو مجرد شكوى من الأسرى الجائعين للحرية.. أمَّا من كان لديه وهم أن عدونا سيرضخ لمطالب الأسرى بعد اسابيع ثلاثة من الإضراب فعليه مراجعة نفسه أولاً، وبعد ذلك عليه مراجعة ردة فعل العدو وطريقة تعامله مع الإضرابات السابقة سواءً أكانت الفردية منها أو الشاملة.

في الجانب السياسي: لدينا فرصة إن أحسنّا استغلالها ستشكل نقطة فارقة في مسيرة الإضراب وهي زيارة ترامب الى فلسطين: لأسباب كثيرةٍ سيحاول العدو أن ينهي الإضراب قبل هذه الزيارة ولو مقابل تحقيق مطالب هامة من مطالب الأسرى.. وعلينا أن لا نتطوّع في هذه المرحلة إلى إظهار مواطن ضعفنا حتى لا نعطي العدو انطباعاً أن الإضراب هو مجرد "هبّة" جديدة لا قيادة لها..

"فتح" جسم واحد متكامل، والأخ مروان قائد الإضراب ورمز نضالات الأسرى وكرامتهم، لكن -وما حدا يزعل مني- مروان هو عضو لجنة مركزية في حركة "فتح"، وإذا كنا نطالب الحركة بتوفير كل عوامل النجاح لهذا الإضراب فللحركة مهمة الإشراف على كل ما يتعلَّق بتحقيق مطالب الأسرى، وخاصّةً وضع برنامج متكامل لإسناد هذه المطالب، وقد يكون من واجبها في لحظة من اللحظات أن تبادر إلى مفاوضة العدو خاصّةً إذا طالت فترة الإضراب واستمر عزل الأخ مروان عن رفاقه وعن العالم الخارجي.. بكلام أكثر وضوحاً: الأسرى الفتحويون وعلى رأسهم القائد مروان البرغوثي هم جزء من حركة فتح.. (نقطة... أول السطر/ على رأي الأخ العزيز بكر أبو بكر).

أنا أنتمي لفتح، ولا أعتبر أنَّ هناك فرداً أو هيئة أو إطاراً أهم من هذه الحركة، لكن وبصراحة فتحوية لا تخشى تسمية الأمور باسمها: هناك فئتان في "فتح" لديهما حساسية مفرطة في موضوع الحديث عن الأخ مروان -والفئتان على ضلال! وأنا أرفض أن أنتمي لأي منهما، وأدعو جميع إخوتي في "فتح" إلى موقف مماثل:

- فئة تتعامل معه كمنافس لها وخطر عليها، وهي تفضل السُّبات في ضعفها وكسلها وترددها.. هؤلاء لا تعنيهم الحركة ومصلحتها لا من قريب ولا من بعيد، ولا يعنيهم لا أبو مازن ولا أبو عمار.. هؤلاء يعشقون أنفسهم فقط!

- وفئة ترى أنَّ مجرد رش الأخ مروان بالعطر هو مساس بشخصيته وانتقاص من دوره الوطني، وهؤلاء هم أخطر الناس على مروان لأنهم لا يتقنون شيئاً سوى الإختفاء وراء صورته، وأكاد أجزم أحياناً أنهم يفضلون بقاءه في الأسر حتى تظل صورته غطاءً يسترون به عجزهم!

للقائد-الفدائي-الفتحوي مروان البرغوثي ولكل أسير نقول: الكرامة والعزة هي واحدة من أسمائكم التي تنقشونها اليوم بجوعكم على جدران التاريخ..

07.05.2017