بيان صادر عن قيادة حركة "فتح" – إقليم لبنان

 ليلة السادس عشر من شهر نيسان العام 1988 أقدم الموساد الإسرائيلي على اغتيال القائد الفتحاوي البارز "أبو جهاد" أحد أهم القيادات التي أسَّست حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، وهو الذي قاتل الاحتلال على أرض فلسطين بصمت مخيف، وجرأة نادرة، وخبرة عسكرية مميّزة، وقدرة بارعة على الاستقطاب، والتجنيد، والتشغيل، والسهر على هذه الحركة ومسيرتها. استُهدف الشهيد القائد أبو جهاد لأنَّه بقيادته وهندسته لانتفاضة الحجارة، الانتفاضة الشعبية الشاملة والساخنة التي أقضَّت مضاجع العدو الإسرائيلي بالمواجهات مع الاحتلال، والقدرة على الصمود، والاستمرار في إنتاج وابتكار الأدوات والأساليب والخطط والبرامج التي ساعدت المجتمع الفلسطيني على الصمود، وعزل الجانب الإسرائيلي سياسياً على الصعيد الدولي، والتراجع أمام إرادة الانتفاضة الفلسطينية، انتفاضة الحجارة التي قادها جنرالات الأشبال، والفتوة، والشبيبة. جاء قرار اغتيال الشهيد القائد خليل الوزير في تونس العاصمة، بعد حشد البواخر والطائرات، ومجموعات الموساد التي اخترقت الأمن التونسي ووصلت إلى بيت الشهيد، وفجَّرت مداخله بواسطة متفجرات صامته. جاء هذا الإصرار على الاغتيال لأنَّ سلسلة العمليات البطولية العسكرية التي تمَّت على أرض الوطن ومنها سافوي، وعملية الشهيد كمال عدوان وبطلتها دلال المغربي، وآخرها ديمونا الذري في النقب حيث تمَّ قتل مجموعة من الضباط العسكريين، وقتل وجرح مجموعة من المهندسين والفنيين الذريين. وكانت هذه العملية هي القشة التي قصمت ظهر البعير. ويوم استشهاد أبو جهاد عمَّت موجات من الغضب الفلسطيني والجماهيري العربي استنكاراً للجريمة، وعمّت المظاهرات والاشتباكات مختلف أرجاء الوطن الفلسطيني، وسقط في هذا اليوم قرابة الخمسة والعشرين شهيداً وعشرات الجرحى، ومئات الأسرى. وهذا كان تعبيراً جماهيرياً عن حجم المأساة، وعن الخسارة الكبيرة بفقدان ضمير حركة "فتح"، الرجل الصامت، الذي كان يعمل ويمارس أكثر مما يتحدث، وهو الذي اسهم في بناء شبيبة حركة فتح، والخلايا المقاومة في كل أرجاء الوطن، وهو الذي بنى وأسَّس علاقات متينة مع حركات التحرر الثورية في العالم، وله علاقات مميَّزة مع الكثير من القيادات الفلسطينية، وأيضاً اللبنانية وهي التي مازالت تتغنَّى وتذكر هذا القائد الفتحاوي الذي عُرف بجرأته، وتماسكه الثوري، وعقليّته التوحيدية، ومرونته، ومحبَّة الناس له. 

يوم السابع عشر من نيسان وهو يوم الأسير الفلسطيني، وهو اليوم الذي شيَّع فيه كل شعبنا الفلسطيني في الداخل والشتات جثمان الشهيد حيث دُفِن في مخيَّم اليرموك. 

لقد كان الأسرى الأبطال في المعتقلات والزنازين أشدَّ الناس حزناً وبكاءً على رحيل القائد أبو جهاد لأنهم عايشوه، وتربَّوا على أفكاره ومبادئه، ونفَّذوا تعليماته، وكانوا يرون فيه الأمل الكبير بقدرته وخبرته على تأجيج نار الثورة.

هؤلاء الأسرى رجالاً ونساءً وأطفالاً الذين تربَّوا في أحضان مدرسة الرَّمز ياسر عرفات، ومهندس الانتفاضة خليل الوزير أبو جهاد، وبطل المعارك الأمنية مع أجهزة الموساد صلاح خلف أبو إياد. هؤلاء الأسرى أحفاد أولئك العظماء يتقدَّمهم عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" مروان البرغوثي أبو القسام، والقائد احمد سعدات الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والقائد الصامت فؤاد الشوبكي وكافة القيادات والكوادر الأسرى، هؤلاء جميعاً يعلنون اليوم، وبصوتٍ واحد وقبضةٍ واحدة، وقرار موَّحد الإضراب الواسع عن الطعام في كافة المعتقلات والزنازين. صوتُ الأسرى سيكون مجلجلاً، إرادتهم ستكون صلبة لأنَّ وراءهم شعب الجبّارين في الداخل والشتات الذي سيواكب هذه المسيرة النضالية، وسيقف جنباً إلى جنب مع هذه الهامات الوطنية من كافة الفصائل، وخاصة قيادات وكوادر وأعضاء حركة "فتح" القابضة على الجمر خلف القضبان، وسلاسل السجَّان، والأحقاد العنصرية السوداء.

ستة الآف وخمسماية معتقل منهم سبعة وخمسون امرأةً، وثلاثماية طفل هم يحملون الهمَّ الفلسطيني بإرادة قوية رغم معاناتهم، وأمراضهم المزمنة، رغم آثار التعذيب والانتقام، رغم حرمانهم من أبسط الحقوق التي أقرَّتها مؤسسات حقوق الإنسان، ورغم تقليص زيارات ذويهم لهم، إنَّهم يعيشون تحت كابوس العنصرية الصهيونية الكريهة. 

إنَّ قيادة معركة الأسرى الحالية ترسل رسالة واضحة إلى القيادة السياسية الفلسطينية بأنه آن الأوان أن نضع الانقسام تحت أقدمنا، وأن نوحِّد صفوفنا، وأن نعلن المصالحة رغم أنف الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، وأن نعيد الوحدة الجغرافية بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وأن يتوحَّد الشعب الفلسطيني على انقاض الأحقاد والضغائن، والخلافات، والآلام والعذابات، وان نعلنها ثورةً ضد الاحتلال والاستيطان. فهل معاناة الأسرى ستوحّدنا بوجه الانقسام؟ 

رسالة أخرى يوجهها الأسرى إلى الهيئات الدولية، وإلى جمعيات حقوق الإنسان، وإلى كل الشرفاء والأصدقاء في العالم تؤكد بأننا سنصنعُ حريتنا من آلامنا ومعاناتنا، وإضرابنا عن الطعام، وآن الأوان أن يستمع العالمُ إلى صوتنا المنطلق من جوف الزنازين والمعتقلات، وآن الأوان أن يضع العالمُ بكل هيئاته القيادية حداً لهذه الجرائم العنصرية التي تُرتكَب بحق شعبنا، وآن الأوان أن تتدخَّل هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن لوضع حد لممارسات نظام الابرتهايد العنصري الإسرائيلي على أرض فلسطين. وأن يقف العالم إلى جانب شعبنا في تحقيق أهدافه الوطنية، وإقامة دولته المستقلة ذات السيادة الكاملة على أرضه وعاصمتها القدس أرض المقدسات الإسلامية والمسيحية.

 آن الأوان أن ينتصر العالم لأسرانا البواسل ضد الاعتقال الإداري الظالم، وضد الإجراءات التعسفية لأن أسرانا ليسوا إرهابيين وإنَّما هم ثوار من أجل الحرية، ومقاتلون من أجل تحرير أرضهم المغتصبة، وهم في كفاحهم ينطلقون من قرارات الشرعية الدولية التي أعطت الحق للشعوب المضطهدة بأن تقاوم الاحتلال والظلم بكل الوسائل المتوفرة بين يديها.

إننا كحركة "فتح" – إقليم لبنان ندعو أبناء الحركة كافةً، وأبناء شعبنا الفلسطيني في كل المناطق والمخيَّمات، لاستنفار قواهم وجهودهم للمشاركة الفعلية في كافة النشاطات المقرَّرة تضامناً مع إخوتنا وأبنائنا الأسرى لإنجاح هذه المعركة الوطنية، معركة أسرى الحرية التي ستكون لها الآثار الكبيرة في نقل المجتمع الفلسطيني إلى موقع التحدي الأول لإسقاط المخططات والمشاريع الإسرائيلية الجهنمية، والنصر قادم بإذن الله. وسيبقى الأسرى بصبرهم، وجَلَدهم، وقوة إرادتهم هم طليعة الشعب الفلسطيني. 

التحية إلى الشهداء وأهالي الشهداء 

التحية إلى الأسرى الأبطال على طريق الحرية والنصر

التحية إلى الجرحى والمعوَّقين

والنّصر قادم بإذن الله

وإنَّها لثورة حتى النّصر 

حركة "فتح" – إقليم لبنان  2017/4/17