حذرت جمعية "چيشاه–مسلك"، اليوم الثلاثاء، المسؤولين عن الأوضاع في قطاع غزّة، وعلى رأسهم إسرائيل، مؤكدة على أن البنى التحتيّة المدنيّة في وضع خطير، والفرصة الأخيرة لإنقاذها شارفت على الانتهاء.

وأصدرت الجمعية وهي (مركز للدفاع عن حريّة التنقل– هي مؤسسة حقوق إنسان إسرائيلية)، تقريرًا جديدًا اليوم الثلاثاء، تحت عنوان "يد على المفتاح: من المسؤول عن وضع البنى التحتية المدنية في قطاع غزة".

وعرض التقرير صورة شاملة عن وضع البنى التحتيّة للطاقة، والمياه والاتصالات في قطاع غزة، والجهات المسؤولة عن هذا الوضع. مستعرضاً التقرير حلولا فوريّة لمنع انهيارها، ومن أجل إعادة تأهيلها وتطويرها.

وقال التقرير إن سكان غزة لا يحصلون على أكثر من ثماني ساعات من الإمداد المتواصل من الكهرباء كافة أيام السنة، وخلال الشتاء تتقلص ساعات الوصل إلى أقل من أربع ساعات مقابل 16 ساعة قطع. يؤدي هذا النقص إلى تشوّيش الحياة اليوميّة، ويضر بالخدمات الصحيّة والتعليميّة، ويلحق أضرارا جسيمة بالاقتصاد والأمن الشخصي.

أما المياه في الحنفيات، يورد التقرير فهي غير صالحة للشرب ولغالبية الاستخدامات المنزلية، وقد يؤدي استهلاكها لأضرار صحية. كما تصب مياه الصرف الصحي في البحر دون معالجة أو بعد معالجة جزئية فقط. وأما خدمات الاتصال الخلوي فهي عالقة في الجيل الثاني، واتصالات الانترنت بطيئة.

وحسب التقرير، تقع البنى التحتية في غزة "في حلقة مفرغة وحشية، والتي تضم الإهمال والتدمير، والصعوبات الاقتصاديّة، والعمليات العسكرية المتكررة، والتوترات السياسيّة، التقييدات الإسرائيلية المشددة المفروضة على دخول المعدات والخبراء. كل هذه العوامل تؤدي إلى تخليد الوضع القائم للبنى التحتيّة، إلا أن هذا كلّه لا يعدّ قدرا محتوما، وبالإمكان تغييره".

واستعرض التقرير الجديد تاريخ البنى التحتيّة خلال العقدين الماضيين، وتقاسم المسؤوليّة عن الوضع الحالي بين الجهات المؤثرة في القطاع وهي إسرائيل، السلطة الوطنية الفلسطينية وسلطة غزة ومصر، وممثلي المجتمع الدولي. لهؤلاء جميعًا تأثير على الأوضاع في القطاع، وبالتالي يقع عليهم واجب التعاون من أجل تقديم الدعم والإسناد. الظروف القائمة في قطاع غزة اليوم، بعيدة كل البعد عن الشروط الأساسية المطلوبة لإقامة حياة طبيعية.

وقال إن أغلب سكان القطاع هم من الفئة الشابة والمتعلمة، وبحاجة فقط إلى إزالة العوائق من أمامهم لكي يتمكنوا من الانطلاق والدفع قدمًا بعجلة الاقتصاد، ولكنهم بدلا من ذلك يضطرون إلى التعامل مع التحديات اليوميّة التي تفرضها عليهم البنى التحتية المترهلة.

واضاف ان هنالك حقيقة واحدة فوق كل الحقائق: خمسون عامًا من السيطرة الإسرائيليّة المستمرة على قطاع غزة. لأن عشرات السنين من الاحتلال الإسرائيلي الفعلي قد خلقت تعلقًا شبه مطلق لسكان القطاع بإسرائيل في مجال إمداد الطاقة، المياه والاتصالات. وتستغل إسرائيل تعلّق قطاع غزة بها من أجل تحقيق أهداف سياسيّة. وقد حصل في السابق أن قامت إسرائيل بوقف تزويد القطاع بالطاقة. كما وتقوم إسرائيل بمنع وصول الأشخاص إلى التكنولوجيا المتقدمة في مجال الاتصالات.

وبين ان تعدد التقييدات التي تفرضها إسرائيل على دخول المنتجات والمعدات التي تعتبرها "ثنائية الاستخدام" (وهي البضائع المدنيّة التي ترى إسرائيل بأنها قد تُستخدَم أيضًا لأغراض عسكريّة) وكذلك تقييد حركة الخبراء والفنيين من أهم الأمور التي تحبط المساعي لتأهيل المرافق المدنيّة، كمحطة توليد الطاقة ومخازن الوقود التابعة لها، والتي تضررت بسبب القصف الجوي الإسرائيلي، كما وتسهم هذه الحالة في تعطيل تطوير حلول الطاقة البديلة، والمشاريع المتعلقة بمجالات المياه والصرف الصحي. بالإضافة إلى أن الإغلاق والتقييدات المشددة على تنقّل الأشخاص ونقل البضائع قد حجبت امكانيات تطوير الاقتصاد الفلسطيني في غزة، الأمر الذي يؤثر بدوره على إمكانيات الجباية والاستثمار الحكومي في مجال البنى التحتية.

وتناول التقرير مسؤولية كل من السلطة الفلسطينية في رام الله وحكومة غزة عن أوضاع البنى التحتية في القطاع، وكذلك الانقسام السياسي الفلسطيني الذي لم يسهم بحل الأزمات الخانقة بهذا المجال. ومن أهم النقاط التي أشار إليها التقرير هي نسب الجباية المنخفضة مقابل خدمات الكهرباء والمياه، فرض الضرائب على الوقود المعد لمحطة توليد الطاقة، وعدم العمل بشكل كاف لإزالة التعدّيات على شبكة الكهرباء واستخدامها بشكل غير قانوني. كما أضرّ النقص بالتنسيق بين الجهات المختلفة بإمكانيات إقامة مشاريع حيوية في مجال المياه والصرف الصحي، وإمكانيات تجنيد الأموال من جهات دولية لتعزيز البنى التحتية في قطاع غزة.

ودعت جمعية "چيشاه-مسلك" إسرائيل في تقريرها هذا إلى السماح بدخول الأمور المطلوبة من أجل الإصلاح والبناء، وإلى السماح لجميع الجهات، الفلسطينيّة والدوليّة، بالقيام بما هو لازم من أجل تأهيل البنى التحتيّة، بل وإلى المبادرة إلى خطوات مشتركة من أجل تحسين وتحديث هذه المرافق. هذا عدا عن الواجب القانوني والأخلاقي بضمان حياة لائقة للمدنيين في غزة، فإن إسرائيل لديها مصلحة واضحة: إذا لم تقم بما يلزم لإعادة تأهيل البنى التحتيّة، فإن نتائج هذا الإهمال قد تمتد إلى أراضيها.

كما دعت "چيشاه-مسلك" كل من السلطة الفلسطينيّة، و"حماس" في غزة، ومصر والمجتمع الدولي إلى العمل من أجل التنسيق والتعاون ليتم ضمان ظروف الحياة التي يستحقها سكان قطاع غزّة.

وفيما يخص البنى التحتيّة للطاقة، يستمر النقص في إمداد الكهرباء 12 ساعة على الأقل يوميًا، وقد يصل إلى 20 ساعة. كما أن غاز الطهي والوقود المخصص للصناعات وللسيارات في نقص شبه دائم أيضًا. إن هذا النقص يشوّش الحياة اليوميّة، ويضر بالخدمات الصحيّة والتعليميّة، وبالمواصلات، وتصريف المجاري، وبالزراعة والصناعة. وبناءً عليه فإنه أيضًا يسبب الأضرار للاقتصاد وللأمن الشخصي للسكان.

وتبيع إسرائيل لقطاع غزة 120 ميغاواط، فيما تقوم مصر ببيع القطاع 28 ميغاواط، في وقت تنتج فيه محطة توليد الطاقة الوحيدة في القطاع في المعدل ما بين 60 حتى 80 ميغاواط. وهذه الكميّة تبلغ تقريبًا نصف الحاجة اليوميّة للسكان (نحو 400 ميغاواط).

أما الوقود على أنواعه، ومن ضمنه السولار المطلوب لنشاط محطة توليد الطاقة، فهو يدخل للقطاع عن طريق إسرائيل فقط. فيما تبلغ كميّة غاز الطهي الذي تبيعه إسرائيل للقطاع نحو 160 طنًا بالمعدل اليومي خلال العام 2016، وهي تبلغ تقريبًا نصف الحاجة (نحو 300 طن).

وبالنسبة للبنى التحتية للمياه، فإن المياه التي يتم ضخها في شبكة الأنابيب القديمة هي مياه ملوّثة، كما أن ضخها يتم بطريقة غير منتظمة، وهي غير صالحة لغالبيّة الاستخدامات المنزلية وقد تشكل خطرًا صحيًا. وقد ارتفعت، مؤخرًا، كميّة المياه التي تبيعها إسرائيل لقطاع غزة، ولكن وفي ظل غياب شبكة أنابيب ملائمة في القطاع، فإن ضخ المياه لا يبلغ السقف الممنوح (أي عشرة مليون متر مكعب في العام الواحد).

وقال: إن النقص في الكهرباء يفاقم من مشكلة ضخ المياه إلى المنازل، كما وأنه يؤثر على مرافق تطهير المياه الموجودة إلى جانب تأثيره على التخطيط لبناء مرافق تطهير مستقبليّة. وإن الخلاف الداخلي الفلسطينيّ، إلى جانب المصاعب في الحصول على تمويل، تجعل من عمليّة تطوير معالجة مياه الصرف الصحي أمرًا صعبًا. فإسرائيل تنسب إلى الفلسطينيّين المسؤوليّة عن وقف مشاريع حيويّة، إلا أنها وفي المقابل تقوم بتقييد وبتأجيل دخول المعدات مما يعيق من تقدم المشاريع، من ضمن هذه المشاريع هو المشروع المخصص لإصلاح الأضرار المتسببة جرّاء العملية العسكرية الأخيرة، هذا وإن خطر القصف يردع جهات دوليّة عن المبادرة إلى تنفيذ مشاريع جديدة.

وعن البنى التحتية للاتصالات، بين التقرير أن إسرائيل تحجب عن سكان قطاع غزة البالغ عددهم حوالي مليوني نسمة البنى التحتيّة الخاصة بالاتصالات، تلك المتعلقة بالانترنت السريع وشبكات الجيل الثالث الخليويّة. إن سكان القطاع مرتبطون بإسرائيل في مجال تزويده بالبنى التحتيّة، وبالتصاريح اللازمة لتشغيل التقنيات الحديثة. ورغم طلب وزارة الاتصالات الفلسطينيّة قبل نحو عشرة أعوام، فإن إسرائيل ترفض تخصيص ترددات إضافية للفلسطينيّين، وهي تسيطر أصلًا على الحيّز الإلكترو مغناطيسي لقطاع غزة. وتقوم إسرائيل، بالاستعانة بقائمة المواد "ثنائيّة الاستخدام" لفرض تقييدات على دخول أية "معدات اتصالات"، بما يشمل الألياف البصريّة، موزّعات الانترنت، واللواقط، بل وإنها تقيد دخول أجهزة الفاكس والطابعات الإلكترونيّة.

وعلى المدى الفوري، قال: إن سلطة الطاقة الفلسطينيّة في غزة توصي بإلغاء ضريبة البلو المفروضة على السولار، وهي ضريبة ترفع سعر الكهرباء التي تنتجها محطة التوليد، كما وتوصي السلطة بتحسين الجباية، وإصلاح البنى التحتية القائمة ومواءمتها للتعامل مع حالات زيادة الضغط، وتوصي السلطة بالوصول إلى اتفاق مع إسرائيل حول زيادة تزويد الكهرباء عبر ربط الخط الذي وافقت إسرائيل على ربطه (والذي من المفترض أن يضيف مئة ميغاواط).

 واضاف أن المؤسسات المختلفة العاملة في مجال إدارة المياه والصرف الصحي توصي بزيادة تزويد القطاع بالكهرباء عن طريق مصر أيضًا وذلك من أجل الإسهام في الإبقاء على ضخ المياه الجاري إلى المنازل بشكل دائم، وإلى تشغيل مرافق تطهير مياه المجاري. كما وتوصي هذه الجهات بتنظيم دخول 10 مليون متر مكعب من الماء، بشكل سنوي، من إسرائيل.

وأكد جميع الخبراء على أهميّة السماح بدخول المختصين، التقنيين والطواقم إلى قطاع غزة. كما أن هنالك حاجة ملحة لتسهيل دخول قطع الغيار، الرافعات، ومعدات أخرى مطلوبة من أجل إصلاح محطة الطاقة؛ إلى جانب أجهزة الـUPS، التي يعد وجودها ضروريًا جدًا في حال انقطاع التيار الكهربائي، عدا عن خلايا الطاقة الشمسيّة.

وبين أن استخدام الاتصالات الرقميّة هو أمر ضروري من أجل تطوير الاقتصاد والتكنولوجيا، ومن أجل نمو الصناعة المتقدمة، والتي تعدّ إمكانيات تطورها وازدهارها في غزة إمكانيات عظيمة، كما أن من شأن الأمر أن يقلّص من مُعدّلات البطالة، وأن يسهم في تشجيع الأعمال التجاريّة والخدمات العامة. إن هذا كله ضروري بشكل خاص على ضوء التقييدات الصعبة التي تفرضها إسرائيل على تنقّل الأشخاص من قطاع غزة نحو العالم، وخصوصا نحو الشطر الثاني من الأراضي الفلسطينيّة، في الضفة الغربيّة.

وعلى المستويين المتوسط والبعيد، أورد التقرير أن هنالك حاجة إلى ربط شبكة الطاقة بمصدر غاز طبيعي، إلى جانب وجود مرفق ضخم من أجل تحلية مياه البحر، وموارد مياه كبرى، وتطوير شبكة التوزيع. وهنالك توصية لإسرائيل ببيع 30 مليون متر مكعب إضافيّة من المياه سنويًا لغزة، إلى جانب تطبيق المخطط الاستراتيجي القائم لتحسين شبكات المياه والصرف الصحي. وبالتوافق مع ذلك، فإن هنالك حاجة ماسة إلى الالتزام الإسرائيليّ بالامتناع عن الإضرار بمرافق البنى التحتيّة الجديدة التي سيتم بناؤها، إلى جانب انضمام دول العالم من أجل إمداد القطاع بالمساعدات اللوجستيّة والاقتصاديّة