خاص مجلة "القدس" الاصدار السنوي 333 كانون ثانٍ 2017

تحقيق: طارق حرب

 

"البندقيةُ المُسيَّسة صانعةُ الانتصاراتِ"، شعارٌ رفعته الثورة الفلسطينية المعاصرة والتزمت به ضمن أُطُرها العسكرية منذ أن فجّرت رصاصتها الأولى. كانت التعبئة الفكرية والسياسية للقوات العسكرية رُكناً أساسيًّا في تدريب وتهيئة المقاتل الفلسطيني، وكان المفوَّضون السياسيون يجوبون قواعد الفدائيين على طول جبهات المواجهة مع العدو الصهيوني، يلازمونهم لأيام، يقدِّمون لهم خلالها المعرفة والتعبئة السياسية والوطنية، وينظِّمون الدورات التعبوية والتأهيلية لهم، ليكونوا في كامل جاهزيتهم للدفاع عن عقيدتهم وقرارهم الوطني الفلسطيني المستقل في حلّهم وترحالهم.

التفويض السياسي وهيئة التوجيه السياسي والمعنوي، هي مَن تقع على عاتقها هذه المهمة، فأينما وُجِدَت قوات الثورة كانوا موجودين، لكن بعد اتفاق الطائف اللبناني واقتصار وجود القوات العسكرية الفلسطينية في المخيّمات فقط، تراجع الدور الذي كانت تقوم به الهيئة، حتى شارف على الاندثار، إن لم يكن كذلك.

لكن في العام 2007 ومع إعادة هيكلة قوات الأمن الوطني الفلسطيني في لبنان، ارتأت القيادة الفلسطينية في لبنان آنذاك، ممثّلةً بالمفوَّض العام للساحة عبّاس زكي، وأمين سر حركة "فتح" وقيادة "م.ت.ف" اللواء سلطان أبو العينين، بثَّ الحياة في هيئة التوجيه السياسي والمعنوي، وإعادة تشكيلها نظراً لأهمية الدور الذي تضطلع به على مستوى القوات العسكرية، من تنظيم الدورات والتثقيف السياسي والوطني، بحسب مسؤول الإدارة في هيئة التوجيه السياسي نضال فيّاض.

ويتابع فيّاض حول تشكيل الهيئة "تتألَّف هيئة التوجيه السياسي من مفوضيات المناطق وهي صور، وصيدا، وبيروت، والشمال، والبقاع، إضافةً إلى مفوضية الإعلام، ومفوضية الدراسات، ومدرسة الشهيد ياسر عرفات للكادر. هذه التشكيلات، إضافةً إلى المفوض العام رئيس الهيئة ومسؤول الإدارة، يشكِّلون مجلس التفويض، وهي الجهة التي تقوم بوضع الخطط والبرامج التثقيفية والتعبوية والمحاضرات وبرامج الدورات".

وتتبع هيئة التوجيه قوات الأمن الوطني الفلسطيني في لبنان، ورئيسها عضو في قيادة القوات في لبنان. ويؤكّد رئيس الهيئة العميد نزيه سلّام أنَّ "هدف الهيئة الأساس اليوم هو أن تصبح بندقيةُ الثائر بندقيةً مسيَّسة يحمِلها أصحاب فكر سياسي واعٍ، وتكون هذه البندقية بوصلتها فلسطين وموجّهةً نحو العدو الصهيوني، كي لا تصبح هذه البندقية قاطعةَ طريق وعبئاً على جماهير شعبنا الفلسطيني".

وعن الدور الذي تقوم به الهيئة اليوم يتابع سلّام: "مهام الهيئة هي عقد الدورات السياسية في مدرسة الكادر لضباط وأفراد قوات الأمن الوطني في لبنان، وتفعيل دور المفوضين السياسيين في المناطق الذين يقومون بدور التوعية السياسية وينقلون الموقف السياسي للقيادة الفلسطينية".

 

وحدة الفريق أساس النجاح رغم المعوقات

يعتبر التكامل والتفاهم القائم بين فريق هيئة التوجيه السياسي العاملَ الأساسي الذي خطَّ مسيرة نجاح عمل الهيئة على مدى عشر سنوات رغم المعوقات والصعوبات التي تعترضها. فالتعاون والتنسيق بين مجلس التفويض والمفوضيات هو الذي ينتج الدراسات، والتقارير، والاحتياجات الفكرية والتثقيفية، ووضع برامج مختلفة لسلسلة المحاضرات، وبرامج الدورات التثقيفية والتأهيلية والتوعوية. ويؤكّد العميد سلّام أنَّ "هذا الفريق يعمل كأسرة واحدة بتكامل ووحدة فعلية في جميع المناطق. يتنقّلون بين جميع الوحدات العسكرية لقوات الأمن الوطني في لبنان لتعميم الفائدة وتبادل الخبرات وتجاوز الصعوبات".

ولعلَّ أبرز هذه الصعوبات والمعوقات كما يصفها العميد سلّام "استخفاف البعض بأهميّة العمل السياسي والتثقيف والتوعية السياسية، واعتباره مجرد كلام ليس له فائدة. ونأمل أن يتغيَّر المفهوم لدى هؤلاء لأنَّ العمل السياسي جزءٌ لا يتجزّأ من العمل العسكري، وكلُّ عمل عسكري نقطفُ ثمارَه سياسياً. ولا ننسى أنَّ العدو الإسرائيلي استهدف عقولاً سياسية كالشهداء عصام السرطاوي، ومحمود الهمشري، وعزالدين القلق، لأنَّه عرف منذ البداية خطورة هذا العمل".

 

من متدرِّب إلى مسؤول البرامج التدريبية

الرائد محمود كريِّم، هو نموذج واضح على نجاح عمل هيئة التوجيه السياسي والمعنوي في لبنان. شارك كريِّم في أولى دورات الهيئة "دورة شهداء اللجنة المركزية – شهداء القرار الوطني المستقل" في العام 2007 مرشَّحاً من كتيبة شهداء مخيّم البرج الشمالي، ثُمَّ تابع بعدها والتحق بدورة تدريب المدرِّبين، ومن ثُمَّ التحق بدورة تدريبيّة حول القانون الدولي الإنساني ومبادئ واستخدام القوة".

ونظراً لكفاءته انتقلَ الرائد كريِّم إلى الهيئة في العام 2014 ليكون مسؤولاً عن إعداد البرامج التدريبية. وعن دوره يقول: "نقومُ بدراسة احتياجات القوات العسكرية من ناحية التثقيف الوطني والسياسي والمفاهيم العسكرية العامة كالانضباط، والمهام، والالتزام، والأمر العسكري، والإدارة وغيرها، وندرسُ أعداد المشاركين ومؤهّلاتهم العلمية، ثُمَّ نضع البرامج على أساس هذه الدراسات للوصول إلى الهدف والنتيجة المرجوّة من هذه الدورة". ويتابع: "اليوم نعمل على إعداد مواد تثقيفية حول البرنامج السياسي بعد انعقاد المؤتمر العام السابع لحركة "فتح" من أجل تزويد المفوضين السياسيين في المناطق بها لطرحها على قوات الأمن الوطني في لبنان ومؤسسات (م.ت.ف) لنشر الوعي السياسي بينهم".

 

تعاونٌ وتكاملٌ مع لجنة المتابعة التنظيمية

رغم أنَّ هيئة التوجيه السياسي والمعنوي تتبع قوات الأمن الوطني الفلسطيني في لبنان، ومهامها الرئيسة هي العمل ضمن إطار القوات والوحدات العسكرية، إلاّ أنَّ ذلك لم يمنعها من الانفتاح والتعاون مع لجنة المتابعة التنظيمية لحركة "فتح" في لبنان.

هذه العلاقة بدأت باكراً كما يصفها مسؤول لجنة المتابعة التنظيمية في صور العقيد قاسم حمد، إذ يقول: "بعد إعادة تشكيل الهيئة وفتح مدرسة الكادر كانت التوجيهات من قِبَل مسؤول المتابعة التنظيمية آنذاك، فتحي أبو العردات، بنسج علاقة التعاون والتنسيق الكامل بين الهيئة والمتابعة التنظيمية ووضع البرامج لتثقيف الكادر سياسياً وفكرياً ووطنياً في كافة المناطق التنظيمية"، ويتابع: "كان التعاون فعّالاً على مستوى كافة المناطق التنظيمية، ونظراً لوجود مقر الهيئة في منطقة صور فقد كانت معظم دوراتنا تتم بالتنسيق مع الهيئة وكانت آخرها دورة تثقيفية سياسية وطنية لمربّيات الأطفال في رياض الأطفال التابعة للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية".

ويرى حمد أنَّ "جمع أفراد القوات العسكرية وكوادر التنظيم في دورات مشتركة يترك أثره الجيّد في نسج العلاقات ووحدة المفاهيم ووحدة الإطار بعيداً عن التنافس، مما يؤدي إلى بناء العلاقات والاندماج والتآخي وتوسيع العلاقة بين قوات الأمن الوطني وجماهير شعبنا الفلسطيني".

عشرة أعوام على إعادة بثِّ الروح في هيئة التوجيه السياسي والمعنوي في البص، أثبتت خلالها الهيئة أنَّها على قدر المسؤولية في تقديم المعرفة والتعبئة السياسية والوطنية لأفراد قوات الأمن الوطني في لبنان. ليس هذا فحسب، بل امتدَّ دورها للتعاون مع كافة مؤسّسات "م.ت.ف" والفصائل الوطنية من خلال الدورات المشتركة. ولم يتوقَّف دور الهيئة على الدورات التي تنظِّمها، وتكون محدودة العدد للمشاركين، إذ إنَّ الندوات والمحاضرات والمعارض وإحياء المناسبات الوطنية التي تنظِّمها، تعتبر صِلةَ الوصل مع الجماهير الفلسطينية على امتداد المخيّمات في لبنان.