خاص مجلة القدس
حـوار: وسام خليفة

نفَّذت الأجهزة الأمنية الفلسطينية في الضفة الغربية حملةً أمنيةً ضدَّ الخارجين على القانون مِن الذين يعملون على زعزعة الأمن في المجتمع الفلسطيني وينفِّذون أجندات تابعةً لجهات معيَّنة. وجاءت هذه الحملة بعد مطالباتٍ شعبيّة بضرورة تحرُّك السلطة لوضع حدٍّ لحالة الفلَتان الأمني التي كانت تعيشها بعضُ المناطق، وذلك في ظل استعدادات واسعة لإجراء انتخابات الهيئات البلدية في فلسطين وتحديداً في الضفة الغربية وقطاع غزة. وللاطلاع على أهم الأمور المتعلّقة بهذين الملفَّين وبالوضع السياسي الفلسطيني عموماً، أجرت "القدس" مقابلةً مع عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" اللواء سلطان أبو العينين.

كيف ترى الوضع الأمني بعد الحملة التي قامت بها الأجهزة الأمنية ضدَّ الخارجين على القانون؟
نحن نعيشُ في ظل الاحتلال، والاحتلال يحاول أن يشوِّه حياة شعبنا الفلسطيني بكل الوسائل والسُبُل، ولم يترك وسيلةً إلّا واستخدمها ليحرم شعبنا الفلسطيني من الاستقرار والشعور بالأمن والسِّلم المجتمعي، عبر تكتيكات متعدّدة مِن ظروف اقتصادية صعبة يفرضها على الفلسطينيين او من خلال جماعات سقطت في مجال الشبهات الوطنية ومستنقع العمَالة، حيث يستخدمهم لخدمة أجنداته ولزعزعة الأمن بأية طريقة تخدمه. فدَورُ الاحتلال لا يغيب عن أيّ مشهد مشبوه، وعلينا التركيز في العديد من الأحداث الذي كان الاحتلال سبباً في افتعالها وبصماته واضحة فيها، كما أنّه يغذي انعدام السِّلم الأهلي، ومن الأمثلة على ذلك الأحداث الأمنية الأخيرة في مدينة نابلس، حيث افتُعلَت حالة من الفلَتان الأمني من قِبَل بعض الجهات التي تعمل ضدّ القانون ومصالح الناس لخدمة أجندات معيّنة، وكذلك ما حدث أيضاً في جنين من زعزعة لأمن المواطنين، وفي العديد من المناطق الاخرى في الضفة الغربية، بالطبع لا شكَّ أنَّ الظروف الاقتصادية والحالة المعيشية الصعبة التي يعيشها الناس سببٌ في أحداث كهذه، ولكن هناك للبعض الآخر أبعاد أمنية فيها أيضاً، كما أنَّ التعصُّب للعشيرة هو من الأسباب المهمة التي تُحدِث بلبلةً في الشارع الفلسطيني، وتوجد مشاكل كبيرة من مشاكل صغيرة بسبب التهور والانجرار وراء العائلة.

ما هي الرسالة التي أوصلَتها الحملة الأمنية الأخيرة في مدينة نابلس؟
لا أحد ينكر الدور المهم الذي تقوم به الأجهزة الأمنية في تطبيق القانون، وهو دورٌ مهمٌ يساعد على حفظ السِّلم الاهلي والاجتماعي، ويُنشئ مجتمعاً سليماً آمناً، بطبيعة الحال قد تحدث بعض الأخطاء أثناء تطبيق القانون، ونحن لا نبرِّر هذه الأخطاء التي تحدث في معالجة ظواهر سلبية من قِبَل مجموعة من العصابات المتمرّدة على القانون، ومن تلك الاخطاء مقتل أحمد حلاوة أحد المطلوبين للعدالة، والذي تمَّ اعتقالُهُ على أيدي القوى الأمنية، وأثناء حبسه توفي بسبب استخدام العنف ضده، وهذا التصرف غير مبرِّر بتاتاً سواء أكان عن قصد أو عن غير قصد، ولكن بالمعايير الأخرى كان للأجهزة الأمنية دورٌ مميّزٌ، وكانت في موضع تقدير واحترام من قِبَل الشارع الفلسطيني، ولا ننسى أنَّ تطبيق القانون في ظل وجود احتلال هو أمرٌ صعبٌ وفي كثير من الأحيان لا نستطيع تطبيقه نظراً للمعيقات التي يضعها الاحتلال كهروب المطلوبين لمناطق تحت السيطرة الإسرائيلية. وبالتالي الأخطاء تحدث أحياناً، لكنّ القائمين على هذه المواضيع سرعان ما يعالجون الخطأ، ومن نتائج الحملة الأمنية على نابلس لاستئصال الخارجين على القانون أنه تبعها ثلاث حملات أمنية خاطفة وسريعة للأجهزة الأمنية كانت موضعَ احترام وتقدير، وأظهرت كفاءة وخبرة عالية لأفراد الأمن الفلسطيني نتجَ عنها القبض على خارجين عن القانون، وأثبتت أنَّ الاجهزة الأمنية تسهر على راحة وأمن المواطن الفلسطيني، وأنَّ لا أحد يخالف القانون وينجو، وأنّ الحساب موجود.
للأسف هناك جهاتٌ تُشكِّك بدور الأجهزة الأمنية وأهمّيتها وتستخدم ذلك لأغراض الابتزاز السياسي وتستخدم ذلك أيضاً ضدَّ رئيس الحكومة او أي شخصية سياسية، وهذا غير مقبول وغير مبرَّر، فالأخطاء تحدث لكنَّنا لا نقبل أن يتم الحكم على دَور الأجهزة الأمنية بأنَّه عمل سياسي لأنَّه بعيدٌ تماماً عن ذلك، ولا أعتقدُ أنَّ أيّ خطأ يُمارَس أثناء تطبيق القانون يمرُّ بدون عقاب من مسؤولي الأجهزة الأمنية، فالمسؤول عن محاسبة المخطئين من الأجهزة الأمنية هو المؤسسة الأمنية، وليس أي طرف آخر ليمرِّر أهدافاً خاصة به ولتصفية الحسابات الشخصية.

كيف استعدَّت حركة "فتح" للانتخابات البلدية؟
كحركة "فتح" لسنا خائفين من الانتخابات البلدية، ولأول مرة تقوم "فتح" بإدارة حملتها الانتخابية وإعداد القوائم بطريقة تختلف عن سابقاتها، وقد بذلت جهوداً عظيمة على قاعدة تعزيز السِّلم الأهلي والشراكة الاجتماعية. كـ"فتح" كان لنا موقف واضح قبل إقرار الانتخابات بوجوب عدم إقرارها لبُعدَين. الأول أن لا نعطي لحماس شرعيةً لانقلابها الدموي على السلطة في قطاع غزة، وعندنا العديد من الملاحظات على الانتخابات في قطاع غزة منها كيف لانقلابيين يسيطرون بقوّة السلاح وبالقهر على شعبنا في غزة أن يُنظّموا العملية الانتخابية ويشرفوا على صناديق الاقتراع؟ فنظام السُّلطة المطلَقة لحماس على غزة هو فساد، وقد كان هذا رأيَنا في البداية بعدم اقرار انتخابات طالما حماس تسيطر على القطاع، ولكن بما أنَّ القيادة اتخذت القرار، فقد التزمنا بذلك مع أنّنا لم نكن نريد أن نسجِّل سابقةً بتشريع حركة حماس سياسياً. ومِن الأسباب الأخرى مَن يضمن لنا أن الانتخابات في غزة ستمرُّ بنزاهة وشفافية في صندوق الاقتراع؟ إضافةً إلى وجود الاحتلال وتدخُّله أحياناً في ظل المناخ الذي حدّدته السياسة الإسرائيلية بأنها ستتعاطى مع الشعب الفلسطيني وكأنّه شعبٌ بدون قيادة، وقد صرَّحت أكثرُ مِن جهة سياسية إسرائيلية أنَّها لن تتعاطى مع القيادة الفلسطينية بل مع الشعب الفلسطيني مباشرة بدون قيادته لأنّها لا تعتبرها موجودة، وفي هذا السياق لا بدَّ أن أؤكّد أنَّ أي شخصٍ يستجيب لرغبة الاحتلال فهو وقع في دائرة الشبكة الإسرائيلية ووقع في دائرة العمَالة ضد شعبه،  وأي شخص يقوم بالاجتماع مع الجهات الاسرائيلية أو ينفّذ شروطها بخصوص الانتخابات البلدية فقد دخل دائرة الشبهات الأمنية ويجب أن يُحاسَب على ذلك.

برأيك لماذا قرَّرت حركة "حماس" خوضَ الانتخابات؟
حماس تريد أن تثبت للمجتمع الدولي أنَّها حركة ديمقراطية وتقبل الآخر ولا تريد إقصاء أحد. كما أنَّها تريد حشدَ بعض مؤسسات المجتمع الدولي ليُجمِّلوا صورة تنظيم الاخوان المسلمين وصورتَها، وهي فرصة لتعزيز علاقاتها مع الدول التي أعطتها وصاية على قطاع غزة سواء أكانت عربية او غير عربية، وأيضاً وافقت على الانتخابات لأنَّ موظّفيها هم مَن سيكونون المسؤولين عن صناديق الاقتراع لجهة الحماية والفرز وإدارة العملية الانتخابية، وستستطيع التحكُّم بنتائج الانتخابات بسهولة في مثل هكذا ظروف.
في حال فوز "فتح" بانتخابات البلديات في غزة هل ستسمح "حماس" لها بالقيام بدورها؟
أتوقّعُ أنَّها ستسمح لها بذلك بهدف إفشالها بحيث أنَّها ستمنع أي بلدية ستفوز بها "فتح" او يفوز بها حتى مستقلون من العمل بسهولة، لتقول للجمهور الفلسطيني انّهم فاشلون وانّها هي - أي حماس- الوحيدة القادرة على تقديم حلولٍ وخدمة الشعب الفلسطيني وإدارة المؤسسات بنجاح، وذلك من أجل تمكين نفسها في الشارع الفلسطيني ليتقبّلها بشكل أكبر من الفترة الحالية.

البعض يرى أنَّ التحضيرات للانتخابات البلدية تحمل طابعاً سياسياً مع أنَّ الهدف منها خدمة المواطن، لماذا يحدث ذلك برأيك؟
لا نستطيع أن ننكر أنَّ نتائج الانتخابات البلدية لها بُعدٌ سياسي، وهذا لا شكّ فيه بغضِّ النظر عن أنَّها خدماتية واجتماعية، ولكن هذا الاستفتاء سيعكس الحالة السياسية والحالة الفلسطينية وقوّة القوى السياسية الفلسطينية، مما سيتيحُ للمواطن الفلسطيني المقارنة بين الفصائل، وقد يوضح أي فصيل يحظى بتفضيل اكبر في كل منطقة، لذا لا يمكننا انكارُ أنَّ نتائج هذه الانتخابات هي انعكاس للحالة السياسية الفلسطينية.

كيف تقيِّم الوضع الأمني في غزة خاصةً بعد القصف الإسرائيلي المتكرّر للقطاع في الايام الماضية؟
حماس تقوم بواجب المقاومين على أكمل وجه، فهي تقوم باعتقال كلّ مَن يطلق صاروخاً باتجاه المناطق التي تحتلُّها اسرائيل، وتصريحاتُ القيادي في حماس محمود الزهار تقول إنّ حماس الوكيل الحصري للمقاومة في غزة، فهي من يقرِّر باعتقادها توقيت أي صراع مع الجانب الإسرائيلي ضمن حسابات حزبية مريضة ضيّقة خاصةٍ بها يدفع ثمنَها الشعب الفلسطيني، ولكن لا أحد يستطيع أن يبيعنا مبادئ المقاومة أو يعلِّمنا إيّاها، فالشعب الذي يتخلّى عن الدفاع عن بلده وهو محتل لا كرامة له، لكن ضمن ظروفنا هناك مبادئ في توقيت ممارسة المقاومة والهدف السياسي منها، فالمقاومة بدون هدف سياسي هي مقاومة عرجاء، ولا أحد يستطيع احتكار المقاومة، لأنَّ الدفاع عن الوطن واجبٌ على الجميع وليس حكرًا على جهة معينة، وللأسف حماس تتغنّى باعتقال مُطلقي الصواريخ من التنظيمات الفلسطينية، وهنا دعني أسأل حماس مَن الذي أعطاكم توكيلاً حصرياً بالمقاومة؟! ومَن قال ان المقاومة لا تصلح إلا لكم فقط؟! ومن الذي منحكم الحق في إطلاق النار على الإسرائيليين في حين أنَّ الآخرين ممنوعون من ذلك؟! أمّا اذا كانت هناك اتفاقيات سرية مع إسرائيل وتركيا وقطر وحماس تُطبّق البنود السرية منها فهذا شيء آخر، وهو خطير طبعاً.

كيف ترون الوضع السياسي الفلسطيني ضمن ركود حالي ملاحَظ في العملية السياسية في الأشهر الأخيرة؟
السياسة تكتيك وممارسة على المدى البعيد، وليست عمليةً آنية. هدوء الوضع السياسي لا يعني أنَّ القيادة جلست واستسلمت، ولكنَّ السياسة حرب، وهناك أوقات مناسبة للتحرُّك. كذلك فالقيادة ما زالت تعمل على العديد من الملفات إلّا أنَّ ذلك يتطلَّب الاستعداد والإعداد الجيّد، فالحرب بحاجة إلى عدة وتخطيط لا إلى اجراءات عفوية غير مدروسة ستكون نتائجها عكسية علينا. وعلى سبيل المثال، ملف محكمة الجنايات الدولية ما زال يُعدُّ ويطوَّر من أجل إدانة إسرائيل، وعلينا ألّا ننسى أنَّ العمل الدبلوماسي عمل معقّد وكل قضية بحاجة إلى ملف كامل لتربحها، لذلك كل القضايا تُعدُّ مع محامين ماهرين، وسنخوض فيها في الوقت المناسب. قد نُلام على قضايا لم نطبقها مثل قرار وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل الذي لم نطبّقه، وقد تحدثنا في كثير من الجوانب المشابهة، ومن حقِّ الشعب الفلسطيني أن يسألنا لماذا لم نطبّق ما قرّرنا كقيادة وهذا حقٌّ مشروع.