محمد سعيد

تلك الأرض

الأرض لا تعيق دوران الذات، فالذات تدور كما تدور الأرض، فحيث تجد نفسك تجد مكانك، وقد لا تكون الحياة عملية تعبير عن الصمت، ووجهاً لخاصيّة كلٍّ منّا في أوضاعٍ شتّى، لا مانع أن تتكتّم عن رأي مصيب تخشى عليه من ان يجري مع المياه المبتذلة الى حضيض الأرض. فلو كان صاحب العرش هو من يملك القدرة واللسان والقرار والسجادة التي يمشي عليها، لذممت أقوال الفلاسفة في الفضيلة. فاذا لم يكن صاحب العرش المتنفّذ والقادر على نشر الامل وترجمة الرؤى الى واقع ملموس فمن يكون؟

 

تلك الأرض مرّة أخرى

في يوم الأرض عرفت أن، لا أرض، لا وطن، لا كلام، لا بيت، لا غرفة. إذاً لماذا هو يوم للأرض. تبّاً للعرب، ألم يسأموا من مواسم التهجير والهجرة والهجران! أحقاً لم يعد هناك متسع من الوقت والأرض لمن يهربون من القتل والدمار، سوى البيات على الرصيف.

 

تلك الأرض مرّة ثالثة

أدخل أرضاً ما، حالماً بربيع آخر ليس كهذا الربيع، ربيع لا يدوس على الرؤوس، أجده هناك على سطح الخجل كثيفاً، ليس فيه أعلاماً ترفرف لمليون شهيد، ربيعاً يخشى على جدتك وهي تكنس الغبار من أن تسقط من دويّ الانفجارات كي لا يسقط معها الوطن. أدخل أرضاً، نشأت فيها بدون وطن، وبأعياد كثيرة، حتى أصبحت أعيادنا كأيام العرب، وصار لي يوم للانطلاقة، ويوم للأرض، ويوم للشهيد، ويوم للعودة، ويوم للنكبة، ويوم للقادم من الأيام، وكل هذه الأيام خارج الوطن! أليس من يوم للسلام في الوطن.

 

تلك الخيمة

زحمة في الانكسارات، زحمة في الرجوع الى الخلف، زحمة في الهزائم، زحمة في قلة الحيلة، زحمة في الالتواءات، زحمة في الإدّعاءات التافهة والممارسات الفاشلة والخيارات المضحكة والبائسة، تلك الأمور تمضي على سجيّتها، كالوهم، وككل شيء تحدث هنا أمامنا وبين أيدينا، كهذه الخيمة المزروعة  على الرصيف منذ وعد بلفور الى هذا الربيع وكل ربيع في مكان آخر. فمجرد أن ترى وتعرف ان خيمة انْتَصَبَتْ كالفطر وعشعشت فيها العصافير على رصيف ما، وأصبحت رمزاً للمأساة والفشل في آن، ولم يعد بمقدور الكاميرا سوى ان تبحلق في هذه الخيمة وتبحث عن الأمل، ولا تجد غير خيبة وخيمة في آن، فتلك هي مأساة الذين شاهدوا الخيمة، وليس فقط مأساة من يعيشون في هذه الخمية على الرصيف.

 

تلك الأقوال

أقوال الانبياء، أشجارك، شمسك، الربيع الذي يأتي ويذهب، غريزة الجوع والعطش، الحياة التي أصبحت بلا طعم، والمجاز الذي نلجأ اليه من أجل حياة أخرى. لو كان كل شيء في متناول اليد كما أفكّر، لملأت نصف كوب الماء الفارغ الذي أصبح رمزاً للعرب، حيث يتندّرون به كلما احتاجوا للأمثال، لو كان كل شيء بيدي  لأصبحت أسعد انسان يتمتع بأحشائه، ويجري مسرعاً الى الحدائق والسهول المخصبة التي تقول ما بعد الأخضر أخضر. متى يكفّ العرب عن استخدام النصف الفارغ من هذا الكوب قبل أن ينكسر بين أيديهم، وبهذه المناسبة لا أدري ان كان النصف الملآن هو أيضاً أصبح  فارغاً في أيديهم.

 

تلك المسألة

أظنّ أن الخجل أجمل ما يمكن أن يفعله هاذٍ مصاب بهستيريا الزعيم وحُمّى الكلام عندما يقول شيئاً لا يميز فيه بين قطرة الماء وقطرة الدم. الملوك الذين ينظرون اليك من فوق، الملوك الذين يلعقون لعاب الليل، الملوك الذين أفلسوا وابتأسوا، الملوك الذين يصرخون عنوة في وجوه الملائكة، هم أنفسهم سبب ما يحدث.

 

تلك الهجرة

الهجرة مؤذية، لو كانت طقوس الولادة، ورسم الاحلام، وتزيين الواقع، وركوب الطائرات، ونصب خيمة على كتف اخرى، على ظهر اخرى، لو كانت الهجرة بهذه البساطة لما كنا تورّطنا  في السفر الدائم، والضجر الدائم، وبلذة التفكير الدائم بالوطن.

 

تلك الفكرة

النكبة غير المحرقة، النكبة لنا، والمحرقة لهم، لو تبادلنا هذه الفكرة هل كنا سنبتزّ الغرب؟ من فعل المحرقة جعلنا من ضحاياها الى اليوم. ومع ذلك لم يكتفِ المحتلون بالأرض من فوق بل بدأوا يشفطون ثرواتها من تحت ومع ذلك لم نبتز أحداً.