التضامن العالمي مع الشعب العربي الفلسطيني يجتاح العالم كما لم يسبق من قبل في تاريخ الصراع الطويل الممتد على مساحة ثمانية عقود تقريبًا وعلى المستويين الرسمي والشعبي، حيث كشفت حرب الإبادة الجماعية الصهيو أميركية على أبناء الشعب عموما وخاصة في قطاع غزة المتواصلة لليوم 167 عن وحشية منفلتة من عقال الإنسانية والقوانين الدولية تغطيها وتقودها واشنطن مع اداتها الوظيفية إسرائيل اللقيطة، التي أدمت الشعب الأعزل بحروب متعددة الوجوه من خلال النار والبارود والفسفور الأبيض واليورانيوم الطبيعي والمنضب والامراض المعدية والاوبئة والتجويع والدمار الهائل للمساكن والمدارس والجامعات والمستشفيات والمراكز الصحية والمتاحف والمؤسسات والمراكز الثقافية وأماكن العبادة والبنى التحتية بشكل غير مسبوق في تاريخ الحروب والصراعات العالمية والإقليمية، حيث سقط حتى الآن ما يزيد عن 32 ألف شهيد وما يفوق ال74 ألف جريح وحوالي 10 آلاف مفقود. 


هذه الحرب الهمجية واللا أخلاقية والمتنافية مع أبسط معايير القيم والقوانين والأعراف والمواثيق الدولية على الشعب الفلسطيني المدافع عن حقوقه الوطنية منذ ما يزيد على القرن، وتحديدًا بعد اعلان وزير خارجية بريطانيا، آرثر جميس بلفور في الثاني من نوفمبر 1917 عن وعده المشؤوم بإقامة "وطن قومي  لليهود في فلسطين" وحتى يوم الدنيا هذا، التي اماطت اللثام عن وجه الغرب الامبريالي وربيبته اللقيطة الدولة العبرية الخارجة على القانون البشع، وكشفت للعالم من أقصاه إلى أقصاه الوجه الحقيقي لقراصنة العصر، كما لم يراه في التاريخ وحقبه القديمة والوسيطة والمعاصرة. 
كتب وتحدث الثوريون عن وحشية الرأسمالية منذ عصر النهضة نهاية القرن الخامس عشر، وقانونها الناظم "استغلال الانسان للإنسان" لمضاعفة الربح البسيط ومن ثم الاحتكاري لطاقة عمل العمال والمسحوقين وشعوب العالم الفقيرة والمستعمَرة، التي نهب ثرواتها وسحق شعوبها الاستعماريون، وداسوا على حقوقها القومية والإنسانية. لكن ما عاناه الشعب العربي الفلسطيني فاق ما دونه رموز ومنظري الثورات العالمية في قارات الكرة الأرضية كلها، وحتى فظائع حرب الثلاثين عامًا في أوروبا في القرن التاسع عشر والحربين العالميتين الأولى والثانية في القرن العشرين وحروب أميركا الشمالية على الشعوب الأميركية اللاتينية وفيتنام وكوريا ولاوس وكمبوديا وتايلاند والعراق وأفغانستان وسوريا واليمن وليبيا والصومال وفرنسا على الجزائر وانكلترا على جنوب افريقيا والغرب عموما على السودان ودول القارة السوداء عموما وايرلندا، لأن تلك الشعوب التي عانت وذاقت بشاعة الحروب الامبريالية، كان الصراع فيها على ثرواتها، وليس على نفيها وتطهيرها العرقي الكلي من أراضي دولها وأوطانها، أو لإخضاعها لهويات ليست لها. 


في حين ما يجري من حرب الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني تستهدف النفي والتطهير العرقي الكامل له من أرض وطنه الام لتكريس شعار الحركة الصهيونية، أداة الغرب الامبريالي "أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض"، وحرمانه من أبسط مقومات الحياة على أرض وطنه الأم فلسطين. رغم التنازلات الضخمة التي قدمها الفلسطينيون من أجل صناعة السلام الممكن والمقبول وفق قرارات الشرعية الدولية وعلى أساس خيار حل الدولتين على حدود الرابع من يونيو 1967 بيد ان غلاة الصهيونية النازيين ومن خلفهم الغرب الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة مازالوا يواصلوا حرب الإبادة، ولم يراجعوا سياساتهم وجرائمهم إلا شكليًا. رغم أن هناك ما يزيد عن ألف قرار أممي يؤكد حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصيرعلى أرض وطنه، وحقه في الحرية والاستقلال اسوة بشعوب الأرض قاطبة. 
هذه الحقيقة أعلنها رئيس وزراء ايرلندا، ليو فارادكار في واشنطن أول أمس الثلاثاء 19 مارس الحالي بالقول وأمام الرئيس جو بايدن الإيرلندي الأصل، أن "تعاطف ايرلندا مع المعاناة في غزة متجذرة في تجربتها التاريخية، حيث تحظى القضية الفلسطينية بدعم شعبي وسياسي"، وأضاف: " يشعر الشعب الإيرلندي بقلق عميق إزاء الكارثة التي تتكشف أمام اعيننا في غزة". وتابع " وعندما أسافر حول العالم، كثيرًا ما يسألني القادة عن سبب تعاطف الإيرلنديين مع الشعب الفلسطيني، والجواب بسيط: نحن نرى تاريخنا في عيونهم. قصة تهجير ومصادرة ومحو للهوية الوطنية، قصة تهجير قسري وتمييز والان جوع. وأردف قائلاً "أن دعم شعب ايرلندا لفلسطين ليس وليد اللحظة، كما أنه ليس محصورًا بأحداث طوفان الأقصى، لكنه مبني على تجربة تاريخية مشتركة".


الموقف النبيل والشجاع لليو فارادكار، هو انعكاس لمعاناة الشعب الإيرلندي البطل من المملكة المتحدة، وتجسيدًا للتضامن الصادق مع الشعب الفلسطيني، الذي يواجه أعتى أشكال النفي والتطهير العرقي والابادة الجماعية من قبل صنيعة الغرب الرأسمالي إسرائيل، لأنها محمية بغطاء سميك ولا أخلاقي من قبل واشنطن ذاتها. لذا تتغول على القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي دون رادع حتى اللحظة الراهنة. شكرًا لرئيس وزراء ايرلندا وحكومته وشعبه البطل، وشكرًا لشعوب الأرض قاطبة بما فيها أنصار السلام في الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبا جميعها الداعمة للشعب العربي الفلسطيني وكفاحه التحرري، الذي بالضرورة سيفتح الأفق لحرية واستقلال الدولة الفلسطينية، رغم وحشية إسرائيل المارقة والخارجة على القانون.