الإرهاب وتكميم الأفواه والتمييز العنصري، وخنق الحريات والتعبير عن الرأي، وتغول السلطات التنفيذية في مطلق دولة، وغياب دور القانون والقضاء لا يؤمن السلم الأهلي في المجتمع، بل العكس صحيح. رغم إمكانية نجاح هذا الضغط لبعض الوقت، لكنه نجاح محفوف بالمخاطر. لأن عمليات الضغط النفسي والاجتماعي والسياسي تضاعف من عمليات الشحن للذات البشرية المستهدفة، وتعمق السخط والغليان في أوساط الطبقات والفئات والشرائح الاجتماعية أو الاثنيات واتباع الديانات والطوائف أو المذاهب الأقلية في المجتمعات متعددة الانتماءات، مما يخلق الأرضية والمناخ الخصب لحدوث انفجارات شعبية، ويفتح فوهة بركان الثورات والانتفاضات والهبات الاجتماعية.

وبالتذكير بقانون نيوتن الثالث لحركة القوى المؤثرة في الطبيعة والمجتمع القائل "لكلِّ فعلٍ ردُّ فعلٍ مساوٍ له في المقدار ومضادٌّ له في الاتجاه"، فإن حجم وثقل مطلق «فعلٍ» سلبي يولد «ردُّ فعلٍ» مساويًا له بالحجم والثقل ذاته، أو قد يكون أكثر بين كتلتين أو جسمين متنافرين ومضادين لبعضهما البعض، الأمر الذي يولد زيادة واتساع حالة التناقض، وينقله من حالة التباين والتعارض إلى حالة نوعية جديدة، هي التناحر والتصادم، وانفلات دوامة الفوضى والعنف والإرهاب.

وإذا انتقلنا للواقع الفلسطيني في داخل الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة الناشئ عن تداعيات هبة الكرامة أيار/مايو 2021 وما بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، شاهدنا تغولاً واستعارًا في حجم القمع والتنكيل والبطش من قبل أجهزة الأمن الإسرائيلية عمومًا وما يسمى جهاز الأمن القومي بقيادة بن غفير وجله من زعران اليمين الصهيوني الديني الفاشي ضد كل فلسطيني شارك في هبة الكرامة، وتعاظم هذا الإرهاب الدولاني ضد أبناء الشعب عموما داخل الخط الأخضر بعد حرب الإبادة الاسرائيلية في قطاع غزة خصوصًا والشعب الفلسطيني عموما في الضفة بما فيها وفي مقدمتها العاصمة الأبدية القدس عمومًا. واستحضرت السلطات التنفيذية الإسرائيلية بأجهزتها الأمنية المختلفة انتهاكات وممارسات المكارثية الأميركية، التي انتهجت سياسة توجيه الاتهامات بالتآمر والخيانة للمواطنين الفلسطينيين دون أدلة، أو لمجرد نشر بوست على أحد مواقع التواصل الاجتماعي عادي لا يمت بصلة لما يجري من جرائم حرب ضد أبناء الشعب في أراضي دولة فلسطين المحتلة عام 1967 وتحديدًا في قطاع غزة.

ووفقًا لتقرير نشر في صحيفة "هآرتس" يوم الأربعاء الماضي الموافق 22 تشرين الثاني/ نوفمبر تضمن نتائج استطلاع أجراه "مركز أكورد" الذي يرأسه البروفيسور عران هلبرين جاء فيه: أن حوالي 90% من الجمهور اليهودي في إسرائيل يقدر بإمكانية اندلاع أعمال عنف مجددًا بين اليهود والفلسطينيين في المستقبل المنظور، كما حدث في أيار/ مايو 2021، وبنسبة أقل قليلاً تصل حوالي 70% خشية الأقلية الفلسطينية العربية من إنفجار الأوضاع ردًا على عمليات الإرهاب والتنكيل الصهيونية ضد الجماهير في ال48، نتيجة الملاحقة الناجمة عن العنصرية البغيضة المعلنة ضدهم من قبل المكونات التنفيذية والتشريعية والقضائية والدينية والثقافية والإعلامية الإسرائيلية. حيث لا تميز تلك السلطات بين فلسطيني وفلسطيني في إرهابها الموجه، الذي ارتقى إلى درجات متعاظمة لم يسبق ان لجأت لها، حتى في زمن الحكم العسكري بعد النكبة في العام 1948، الذي استمر حتى عام 1966.

رغم أن نسبة عالية جدا من الفلسطينيين تصل الى 98% لا تميل لعودة الأمور إلى ما كانت عليه في 2021. لكن اتساع وازدياد نسبة الشك وعدم الثقة بين الفلسطينيين العرب والإسرائيليين الصهاينة انتجت حالة من اللايقين ووسعت الهوة بينهما، مما دفع المؤسسات الإسرائيلية والتيارات الدينية اليمينية المتطرفة لانتهاج سياسة المزيد من الانتهاكات وحملة قمع مجنونة وتكميم الافواه والحرمان من مجرد الوقفات الاحتجاجية ضد ما يجري في غزة والضفة بما فيها القدس العاصمة، واستباقًا لأية انفجارات قد تحدث في الأوساط الفلسطينية مع ارتفاع نسبة عمليات القتل والإبادة الوحشية والتدمير غير المسبوق في أراضي الدولة الفلسطينية المحتلة.

وبالنتيجة المنطقية فإن تعاظم الإرهاب الصهيوني باشكاله وعناوينه الوحشية والمتناقضة مع أبسط معايير القانون الدولي، وحتى مع الادعاءات الإسرائيلية، بأن دولتهم هي "واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط"، كما يحلو لقادتها وللغرب الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة بتوصيفها، سيولد شاءت حكومة الحرب الإسرائيلية أم أبت فعلاً موازيًا في الحجم والثقل في الأوساط الفلسطينية، أن لم يكن اليوم، فبالضرورة غدًا أو بعد غدٍ. لأن ارتفاع وتيرة البطش والتنكيل ضدها سيدفعها دفعًا قويًا للدفاع عن النفس، وعن الحقوق الوطنية، وللدفاع عن أبناء جلدتهم، مهما كانت كلفة الانتهاكات وجرائم الحرب الإسرائيلية. وأن غدًا لناظره قريب.