بقلم: علي الفرا

يعيش الأهالي في قطاع غزة أوضاعًا مأساوية غير مسبوقة، فهم يتعرضون للجوع والمرض، ويواجهون القصف العشوائي وهدم المنازل على رؤوس ساكنيها، وينامون في مراكز الإيواء وفي الشوارع والمباني العامة.

ويشهد الغزيون نقصًا في كل شيء في الدواء والعلاج والطعام والمياه، كما يفتقدون للغذاء والمحروقات ويعيشون بلا كهرباء منذ بدء العدوان في السابع من الشهر الماضي، ما اضطرهم لاستخدام طرق بدائية لتأمين قوت يومهم من الخبز والطعام باستخدام النار والحطب وما يمكن إشعاله للتغلب على النقص الحاد في غاز الطهي.

خرج مصطفى أحمد من بيته منذ الفجر لعله يتمكن من الحصول على موقع متقدم أمام نقطة توزيع الدقيق التابع لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" حيث ذهب سابقًا عدة مرات ونظرًا للازدحام الشديد عاد خاويًا، متأملاً في الحصول على الدقيق لتوفير الخبز لأبنائه الجوعى.

ولم يكن أحمد وحيدًا، ففي محاولة لاستغلال كل دقيقة من الهدنة الإنسانية سعى الغزيون إلى الحصول على الدقيق والمواد الغذائية المتوفرة في السوق أو عبر نقاط توزيع المعونات في محاولة لتأمين احتياجاتهم خوفًا من استئناف الحرب بعد انتهاء الهدنة حيث يصبح التنقل صعباً.

وقال أحمد: "منذ بداية الحرب على غزة أغلقت كافة معابر القطاع ولم تدخل أية بضائع أو وقود لذلك ما لبثت أن انقطعت عنه الكهرباء بالكامل ونفذت كافة المواد الغذائية من المحال التجارية نظرًا لعدم دخول مواد جديدة وحتى محلية الصنع لم يعد لها وجود نظرًا لتوقف كافة المصانع عن العمل بسبب القصف الإسرائيلي أو لنفاذ الوقود".

وأوضح أن الحصول على الدقيق أمر بالغ الصعوبة وخاصة أن المطحنة الوحيدة التي تعمل داخل القطاع والموجودة في مدينة دير البلح تعرضت للقصف وتوقفت عن العمل حتى تمكن أصحابها من إعادتها للعمل جزئياً وأصبحت تنتج كميات أقل بكثير من انتاجها الطبيعي.

وأشار أحمد إلى أنه وبتوقف القطاع عن انتاج الدقيق لم يعد أمامهم سوى المساعدات التي تقدمها الأونروا من الدقيق والتي من المفترض توزيعها على المخابز، إلا أن انقطاع غاز الطهي تسبب في توقف كافة المخابز عن العمل وأصبح على المواطن الحصول على الدقيق وصناعة الخبز في بيته باستخدام طرق بديلة مثل الحطب أو الفحم.

بدوره قال ياسر أبو حليب: "نظرًا للإقبال الشديد على دقيق الوكالة والذي يتطلب الحصول عليه التوجه لمراكزها وإبراز البطاقة الشخصية حيث يتم توزيع الكميات وفقًا لعدد أفراد الأسرة، أصبحت تلك المراكز تشهد ازدحامًا شديدًا وقد تجد أشخاصاً يجلسون ليومين أو ثلاثة أيام وينامون على الأرض حتى يتمكنوا من الحصول عليه".

وأكد أنه وفي حال لجأ المواطنون إلى المحال التجارية للشراء فإنهم لن يجدوا إلا مواد غذائية قليلة جدًا إضافة إلى كثير من مواد التنظيف التي تتوفر بشكل كبير نظرًا لعدم الاعتماد في بيعها على تاريخ انتهاء أو لا يأبه أحد لذلك.

وقال: "الحصول على المواد الغذائية من المحال التجارية أصبح صعبًا، هناك بعض الأشخاص يحصلون على مساعدات ويكونون بحاجة للمال لتلبية احتياجات أخرى فيعرضها للبيع بأسعار مبالغ فيها لندرة تلك المواد ولحاجته الملحة للمال".

وأضاف: "الأسعار أصبح مبالغ فيها وأنه عندما احتاج إلى كيس دقيق ولم يتمكن من الحصول عليه من مراكز الوكالة اشتراه من مدينة دير البلح بمبلغ 200 شيقل، وهي ثمن الدقيق 130 شيقل وأجرة السيارة التي أوصلت له الدقيق لمدينة خان يونس 70 شيقل نظرا لغلاء الوقود بشكل جنوني".

من جانبه أكد مدير المختبرات في المطاحن إحسان الفرا، أن المطاحن عملت منذ بدء الحرب على توفير الدقيق للمواطنين وبالأسعار التي كانت تباع بها قبل الحرب، ولم تحاول استغلال الظروف، مبينًا أن اغلاق المعابر وعدم قدرتها على استيراد القمح ذو الجودة العالية وكذلك نفاذ الوقود أجبرهم على إيقاف عمل المطاحن بشكل كامل".

وأوضح أن المطاحن الوحيدة في القطاع التي ما زالت قادرة على العمل هي مطاحن السلام والتي تعتمد في عملها على مولدات الطاقة والطاقة الشمسية كما تعتمد على القمح المحلي إضافة للقمح المستورد.

وقال الفرا: "حتى المطاحن الوحيدة القادرة على العمل تعرضت للقصف من قبل المدفعية الإسرائيلية وتوقفت عن العمل تمامًا قبل العودة للعمل بشكل جزئي لا يلبي إلا جزء بسيط من احتياجات القطاع".

وأكد التاجر حسام المشني أن المواد الغذائية وكافة البضائع انقطعت من السوق نظراً لأنها لم تعد تدخل من المعابر المغلقة، وأنهم باعوا ما كانوا يملكونه في المخازن بنفس الأسعار التي كانت في الأوقات العادية.

وقال: "انقطاع المواد الغذائية بشكل كامل دفع بعض التجار ممن يحتكرها لاستغلال الوضع وبيعها بأسعار خيالية، فعلى سبيل المثال فإن كيس الدقيق الذي يزن 25 كغم كان يباع بثلاثين شيقلاً فأصبح يباع ان وجد بـ 120 إلى 150 شيقلاً، وأن كيلو ملح الطعام كان يباع بشيقل فقط أصبح سعره من 10 إلى 15 شيقلاً، وأن كيلو السكر كان بثلاثة شواقل أصبح من 5 إلى 9 شواقل".

وأضاف: "من الأشياء التي ارتفعت أسعارها بشكل جنوني بيض الدجاج حيث كان يباع طبق البيض بـ 8 إلى 14 شيقلاً، فأصبح يباع من 40 إلى 50 شيقل، وأن كيلو الدجاج كان يباع أيضًا من 9 إلى 12 شيقل بينما أصبح من 17 إلى 22 شيقل، وأن اللحوم الحمراء والأسماك سواء الطازجة أو المجمدة لم يعد لها وجود".

واقترح المشني تشكيل لجان شعبية لتوفير سبل الصمود للمواطنين عبر استلام المعونات وتوزيعها بشكل عادل وردع المحتكرين واجبارهم على البيع بأسعار ما قبل الحرب.

يذكر أن الاستمرار في إغلاق كافة معابر القطاع جعل المواطنين يفتقرون لأبسط احتياجاتهم الأساسية.