بقلم: سامي أبو سالم

لم ينجح الهدوء الحذر والمؤقت الذي يشهده قطاع غزة اليوم الجمعة، من تخفيف حدة الغضب لدى الغزيين والنازحين عن منازلهم وبلداتهم نحو مراكز الإيواء في وسط وجنوب قطاع غزة.

وما ضاعف الغضب والمعاناة والألم هو عدم السماح للنازحين من شمال القطاع بالعودة إلى منازلهم أو مناطقهم التي تعرضت للإبادة وفق مبدأ الأرض المحروقة والتي نفذها الاحتلال الإسرائيلي من خلال القصف الجوي والبري والبحري والتجريف والتهديم وإزالة المعالم.

وعبر مواطنون نازحون إلى جنوب قطاع غزة عن لهفتهم للهدنة في القطاع، لأنها فرصة لوقف إبادة العائلات بغزة، وأيضًا عن إحباطهم لأنها لا تعطيهم فرصة للعودة لديارهم في الشطر الشمالي من القطاع.

وقال منذر عبد الجواد، من غزة: "إن مبدأ الهدنة أمر جيد لأنها ستوقف قتل المدنيين في القطاع ولو بشكل جزئي، لكنه محبط لأنه ليس لديه فرصة للعودة لبيته لالتقاط ما يلزمه من حاجيات معيشية".

وأشار عبد الجواد الذي يقيم في مدرسة قرب مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح، وسط القطاع، إلى أنه يتردد على المستشفى أحيانًا ويشاهد سيارات إسعاف وسيارات خاصة وكارات تجرها دواب ينقلون عائلات بين شهيد وجريح على مدار الساعة، "لعل وعسى أن يتوقف القتل الوحشي الذي يواجهه المواطنون إن التزمت إسرائيل".

وأضاف عبد الجواد، الذي يعمل تاجر أدوات كهربائية ويقطن في المدرسة مع عائلته المكونة من 7 أفراد: أنه يرغب في نجاح الهدنة لأنها بادرة لهدن أخرى ربما تقود لوقف إطلاق نار ما يعني وقف الموت في غزة.

وقال إياد الأطرش من مدينة غزة، الذي يقيم حاليًا في مدينة خان يونس، جنوب غزة: إن أهم أمر لديه في الهدنة هو أن يستطيع العودة لمدينة غزة ليعرف ما حل بأمه وأخيه وإبنتي أخيه الذين قصف الاحتلال البيت عليهم الشهر الماضي.

وتابع: "منذ التاسع من أكتوبر لا يزالوا تحت الأنقاض ولم يستطع أحد انتشالهم أو اسعافهم".

ولم يُخفِ الأطرش تخوفه من خرق إسرائيل للهدنة في حال وقع لديها "هدفًا كبيرًا"، مشيرًا إلى أنها صعدت من قصفها قبل دخول الهدنة حيز التنفيذ بسويعات.

كما وقالت أم خالد: إن الإحباط لم يغادرها بسبب عدم تمكنها من التوجه شمالاً لجلب ما تحتاجه، 

وقا إنها أعدت قائمة بالأشياء الضرورية التي ستجلبها من بيتها في شمال غزة تلزمها لتسهيل حياتها قليلا في الجنوب.

أعددت قائمة فيها ملح وخميرة وطحين وبقوليات وزيت زيتون وجاكيتات شتوية وغيرها"، ولم تخف أم خالد إحباطها وأيضا لم تخف أهمية الهدنة لوقف القتل.

وفي مدرسة إيواء تابعة لوكالة الغوث (الأونروا)، في مخيم المغازي، وسط القطاع، يصطف طابوران واحد للنساء وآخر للرجال في انتظار استلام معونة لم تأت اليوم. انفض الطابوران وذهب كل امرئ لخيمته.

لم يتحدث النازحون عن ليلة أمس الدامية التي تواصل فيها القصف الإسرائيلي الجوي والبري والبحري لمنازل المواطنين المأهولة جنوب غزة.

يرقد أحمد عبد العال غبن، من بيت لاهيا، شمال غزة، مع عائلته وأحفاده تحت خيمة يدوية الصنع، يشعلون نارًا لتحضير طعام الإفطار، قال: إنه لا يعنيه تفاصيل الهدنة إلا في شيئين، وقف القصف والعودة لبيته وأرضه، فما فائدة هدنة لا تعيدنا إلى بيتنا؟ نريد على الأقل أن نطمئن على من تبقى من أهلنا ونطمئن على بيوتنا.

وأضاف غبن: أن له بيتان، الأول احترق بفعل القصف في الأيام الأولى من القصف، والثاني لا يعلم ماذا حل به.

وأشار غبن إلى أنه يمتلك 10 أفدنة لزراعة الفراولة وسبعة افدنة لزراعة الجزر وبيتين وله أبناء وأقارب في بيت لاهيا ولا يريد سوى الرجوع لبيته وأقاربه ومزارعه.

وأردف قائلاً: "هدنة دون عودة لا فائدة منها، على الأقل كي نأتي بحاجاتنا، خرجنا قبل 45 يومًا دون أن نحمل متاعًا ولا ملابس والبرد قد بدأ" قال غبن، مضيفًا أن الميزة الوحيدة في الهدنة هي وقف القتل لذا يرحب بها.

ونزح زهاء المليون مواطن، تحت تهديد القصف الإسرائيلي، من شمال غزة إلى جنوبه موزعين سواء في 156 مدرسة تابعة لوكالة الغوث "الأونروا" أو مدارس حكومية وكليات وبيوت الأقارب.

وقالت أم يوسف عبد العال: إن أقصى ما تتمناه أن تطمئن على ابنها آدم المتزوج حديثًا وزوجته الحامل وابنتيها وأطفالهن، فقد انقطعت أخبارهم منذ أسبوعين ولا تعرف هل هم أحياء أو أموات، ولا تعرف هل بيتنا دمر أو لا والاتصالات معدومة.

زجت أم يوسف ببعض الأوراق تحت إبريق شاي أسود لونه بفعل الدخان وقالت: "هل هذه حياة؟ منذ 45 يومًا ونحن نطبخ ونقضي مصالحنا بإشعال النار بعد أن كنا نعيش حياة ممتازة ومتوفر لنا كل شيء".

وأشارت إلى أن الوضع يزداد سوءًا عند هطول المطر، فالمياه ترشح على الأطفال من أعلى الخيمة وكذلك تجري من اسفلها وتبلل الفراش.

أما أبو ثائر أبو عودة، من بيت حانون، الذي استشهد ابنه في قصف عنيف على مخيم جباليا في التاسع من أكتوبر الماضي، فقال إنه يرغب بسماع أخبار هدنة طويلة بل وقف إطلاق نار كي لا يفقد المزيد من أبنائه وأحبابه وأبناء شعبه.

وأشار إلى أنه يعلم جيدًا أن الاحتلال دمر مدينة بيت حانون لكنه يود العودة لبيته حتى لو كان مدمرًا.

وصعدت قوات الاحتلال الليلة الماضية من استهداف بيوت المواطنين وقتلهم في مختلف أنحاء القطاع.

واقترب عدد الشهداء منذ بداية العدوان في السابع من أكتوبر الماضي من 15 ألف شهيد معظمهم من الأطفال والنساء، وفقا لمصادر طبية.