تقرير: يامن نوباني وإيهاب الريماوي

في أول أيام تحرره من نفق "جلبوع" ووصوله إلى بلدته "كفردان" غرب جنين، في حدود الساعة السادسة صباحًا، وقف على حدودها دون أن يعرفها لغيابه عنها مدة 19 عاما، 3 منها مطاردة، و16 عاما في سجون الاحتلال.

أيهم كممجي سيلتقي امرأة على أطراف بلدته ليسألها عن المكان الذي يتواجد به، فتخبره، بعد أن قال لها إنه عامل حاول اجتياز الجدار الفاصل والدخول إلى أراضي الـ48، لكن جنود الاحتلال لاحقوه، فتاه خلال هروبه، وما أن ذهبت المرأة في طريقها حتى خر كممجي ساجدا على تراب بلدته في صلاة شكر لله.

كممجي كان على دراية بحجم المراقبة التي تتعرض لها عائلته وبيته وبلدته بشكل عام، وبكمية التشديدات الإسرائيلية في محيط جنين وخاصة المناطق التي ينتمي إليها الأسرى الستة، حيث مراقبة الاتصالات وتهديد الأهالي واعتقالهم ومداهمة منازلهم، وإطلاق طائرات مراقبة في أجواء محافظة جنين، واستنفار لآلاف عناصر الشرطة والجيش والشاباك واستعدادهم لمداهمة أي مكان يحتمل تواجد أي أسير فيه مباشرة، لذا اختار أخذ أقصى درجات الحيطة والحذر، لدرجة تجنبه زيارة قبر والدته لقراءة الفاتحة على روحها.

سيمضي كممجي يوما كاملا في التلال المحيطة بكفر دان، مطلا ومراقبا لمنزل عائلته ومنزل أشقائه، عّلَ وعسى أن يشاهدهم ولو عن بعد، بعد أن أخذ قرارا بعدم دخول البلدة خشية تعريض أهاليها وأهله لأي عقاب من قبل الاحتلال، خاصة في الأيام الأولى التي كان فيها حجم التهديد وحشي، ويُنذر بنية الاحتلال ارتكاب مجازر في مخيم جنين في حال وصول أسرى إليه واحتمائهم بالحاضنة الشعبية وبالمقاتلين هناك.

سيستذكر كممجي في تلك التلال وبين أشجار الزيتون أحلى أيام حياته، طفولته، كما سيخبر والده لاحقا.

يروي والده فؤاد كممجي (57 عاما) بعد عام على عملية "نفق جلبوع": قطع أيهم مسافة (150 كيلومتر) وهي ليست بالمسافة السهلة لأسير منذ 17 عاما لم يمش أكثر من بضع خطوات يوميا في ساحة السجن، سهول وجبال وعرة ممتدة من بيسان إلى الناصرة تخللها صعود وهبوط وحقول ومزارع وذهاب وعودة، مطاردة وسقوط أرضا، جروح وكدمات، إنهاك وجوع وعطش شديدين.

يقول كممجي: "توفيت والدته حزنا في آذار عام 2019 بعد منعها من زيارة أيهم وشقيقه عهد لمدة ثلاث سنوات، إضافة إلى أنه بعد إعادة اعتقال أيهم استشهد شقيقه شأس، نحن كأي عائلة فلسطينية ترزح تحت الاحتلال، يحتم علينا أن نواجه ذلك، ما دمنا موجودين على هذه الأرض".

ويتابع: "خلال ملاحقته من قبل شرطة الاحتلال أصيب أيهم بجروح في يديه، وقتها عثر على خزان ظن أنه للمياه، فقام بغسل يديه ليكتشف أنه مليء بالسولار، ما تسبب بأوجاع وحروق في يديه".

ويروي: عندما علمت بأن أيهم تمكن من الفرار أحسست أنها آخر لحظات ابني على قيد الحياة، في حادثة الهروب لاحقته شرطة الاحتلال في شارع داخل أراضي الـ48 وتمكن من الفرار منها، ليجد نفسه يهوي في بركة ماء زراعية في إحدى الحقول قرب سجن مجدو، كان الجنود الذين يلاحقونه فوق رأسه تماما، بينما كان يغطي رأسه بقطعة بلاستيك عثر عليها بين العشب القريب، كانت الساعة حينها الحادية عشرة والنصف مساءً، أغمض عينه ووجد نفسه يغوص في نوم عميق بينما هو داخل البركة والماء غطى جسده حتى أعلى صدره، بقي نائما حتى الرابعة والنصف فجرا، وحين استيقظ وجد الجنود قد غادروا المكان.

ويتابع: في بدايات المطاردة في سهل ابن عامر لاحقتهم شرطة الاحتلال مع رفيقه مناضل انفعيات، سقطت حقيبته التي كان يحملها على ظهره، لم يتمكن من العودة إليها، دخل في عشب محاذي، عثر الجنود على الحقيبة ثم بدأوا بإطلاق النار في جميع الاتجاهات، أخبرني بأن الغبار الذي يحدثه الرصاص كان يصل إليه، بقيت لأكثر من ساعة على هذه الوضعية من دون أي حراك، فلو كانت قشة قد انقسمت لاكتُشفت، هكذا أخبرني".

ويضيف: "المسافر عندما يعود من سفر يكون مشتاقا لأهله، فأكثر ما يحبه هو أن يلتقي بهم، لكن أيهم الذي حرر نفسه بعد سنوات طويلة، التقى بأناس كثر، إلا بأهله وذويه، هذه كانت غصة كبيرة بالنسبة لنا، لكنه كان يعلم أننا مراقبون وكل خطوة نخطوها مراقبة، فلم يخاطر باللقاء بنا".

يشير: تبعد جنين عنا مسافة لا تزيد عن 5 كيلو متر، حين وصلها لم أستطع وصوله واحتضانه! رغم أنني زرته على بعد مئات الكيلومترات في مختلف السجون.

يتابع: اتصل بي وأخبرني أنه متواجد في جنين وأن الاحتلال يحاصر المنزل الذي يتواجد فيه، وأنه سيقوم بتسليم نفسه كي لا يعرض أهل البيت للخطر، وقبل ذلك حين دخل مخيم جنين لعدة أيام قال لي حرفيا: سنخرج من المخيم خوفا من أن أي عملية عسكرية قد تخلف أكثر من 10 شهداء، حينها أنا الذي سأتحمل هذا الذنب عند ربي، أحمد الله أنه لم تسل أي نقطة دم بسببه".

"أيهم شخص واعٍ، يستغل وقته بالدراسة، ويحمل شهادتي بكالوريوس من جامعتي الأقصى والقدس المفتوحة، والماجستير من جامعة القاهرة، حافظا للقرآن الكريم، وشاعر مفوه وخطيب قوي، مقبول عند جميع الفصائل، وفي أي إشكال بين الأسرى يكون من أبرز المرشحين لحل هذا الخلاف".

وختم كممجي: أتمنى أن يفرج عنه ويتزوج وينجب الأولاد خاصة بعد كل هذه المآسي التي مررنا بها، وأتمنى أن ما حصل معه ومعنا اختبار من رب العالمين، وأرى أن الإفراج عنه سيكون قريبا جدا".

ومن شعره: "فالحر يأبى أن يكون مقيدا والصقر يأنف ذلة الخرفان".