محمود أبو عبية

لم يَكتَفِ جنود الاحتلال بإصابة محمد فضل التميمي (20 عاماً) من قرية النبي صالح شمال غرب رام الله برصاصة معدنية مغلفة بالمطاط في رأسه قبل خمسة أعوام، عندما كان طفلاً في الخامسة عشرة من عمره يلهو مع أصدقائه وسط القرية، بل وصل حقدهم إلى أعلى مراحله عندما أصابوه للمرة الثانية بالرصاص الاسفنجي في موضع إصابته الأولى.

على الرغم من حساسية إصابته الأولى التي أصيب بها نهاية عام 2017، لم يتردد محمد لحظة من الانطلاق لنجدة شقيقه الأصغر عندما علم بإصابته قبل ستة أيام، ذهب مسرعاً إلى وسط القرية لإنقاذه، ولربما عادت به الذاكرة خمسة أعوام عندما كان في عمر شقيقه، وأصابته رصاصة جندي في رأسه.

ويقول فضل التميمي والد الجريح محمد إنه تلقى اتصالاً في التاسع من هذا الشهر يفيد بإصابة اثنين من أبنائه بينهم محمد في رأسه، وهنا عادت به الذاكرة إلى يوم إصابة نجله الأولى، عندما استهدفه جندي إسرائيلي برصاصة معدنية مغلفة بالمطاط في رأسه من مسافة صفر، أدت لتهتك جمجمته وتشوهٍ بها عايشه طوال تلك السنين.

نقل الجريح محمد فضل التميمي إلى المستشفى الخميس الماضي في وضع حرج جراء إصابته الثانية، ليدخل إلى غرفة العمليات بشكل مباشر، بعد تضرر جمجمته للمرة الثانية، وليخضع لعملية جراحية تبين خلالها أن عظام الجمجمة المزروعة بموضع الإصابة الأولى عام 2018 قد تآكلت، وأنه لولا تدخل العناية الإلهية لما نجا بحياته في هذه المرة.

ويضيف التميمي أن محمد مر بأيام صعبة منذ طفولته حتى قبل إصابته الأولى، ففي العام الذي أصيب فيه أول مرة اعتقل مرتين، ثم كانت إصابته بعدها بشهرين عندما اقتحم مجموعة من الجنود منزله لاعتقاله وشقيقه تميم (17 عاماً في حينه)، ولم يكن وقتها قد شفي من إصابته، وكان من الممكن أن يتعرض لمضاعفات لحساسية وضعه الصحي بعد استئصال أجزاء من جمجمته لتهتكها، تمهيداً لزراعتها في وقت لاحق، وتم الإفراج عنه بعد 12 ساعة من التحقيق والتعذيب.

ويتابع والد الجريح محمد التميمي أن ولده عانى أوضاعاً نفسية صعبة في حينه لما خلفته الإصابة من صدمة، إضافة لتعرضه للضرب والتعنيف من المحققين خلال اعتقاله، أدت بمحصلتها إلى دخوله في عزلة عن أقرانه لربما فرضتها حساسية وضع إصابته، علماً أنه انقطع عن دراسته عاماً دراسياً لمتابعة علاجه، وهو ما أدى لتراجع تحصيله العلمي بعدما كان ممتازاً إلى أقل من متوسط، لتنتهي رحلته العلمية بعدم اجتيازه لامتحان الثانوية العامية بنجاح.

ويناشد التميمي المؤسسات الحقوقية والدولية بضرورة تأمين الحماية لأطفال وشباب فلسطين، الذين لا يتردد جنود الاحتلال الاسرائيلي في استهدافهم بغرض القتل دون ذنب، كما حصل مع ولده الجريح.

الطبيب المعالج للتميمي هادي دبابسة يفيد بأن محمد وصل إلى المستشفى الخميس الماضي- التاسع من الشهر الجاري- مصاباً برصاصة اسفنجية، أدى الجزء المعدني منها إلى كسر معقد في الجهة الأمامية اليسرى للجمجمة في موضع إصابته الأولى، وإلى جرح غشاء الدماغ (السحايا) أسفر عنه نزيف فوق الدماغ وداخله، لدرجة ظهور جزء من الدماغ من الجرح الخارجي، إضافة إلى تراجع معدل الوعي لديه وفقدانه القدرة على الكلام.

ويضيف دبابسة أنه تم إجراء عملية جراحية وإزالة الكسور التي دخلت إلى المخ، وسببت قطع بعض الشرايين والأوردة، وتم إيقاف النزيف وإزالته من داخل الدماغ، وتحرير معظم المخ من الانتفاخ والضغط، من خلال تحويله إلى خارج الحجرة الدماغية؛ لإعطائه فرصة في الحياة، وتحسن وضعه بعد العملية وارتفع معدل وعيه وتجاوبه لمحيطه، لكن لم ترجع إليه القدرة على الكلام.

ونصح الطبيب المعالج لمحمد بخضوعه لعلاج طبيعي مكثف لتحسين قوة جسده بشكل عام وعلاج النطق، إلى جانب ضرورة خضوعه لعلاج نفسي لما له من دور في إخراجه من الصدمة النفسية التي يعانيها، والتي من المعتقد أن لها الأثر الأكبر في فقدان قدرته على الكلام.

وأوضح: "عندما تُفقد القدرة على الكلام من المخ يرافقها فقدانٌ للقدرة على فهم الكلام، وهو ما لم يكن في حالة محمد الذي يفهم ويعي ما يسمع ويدور من حوله، ويعبر من خلال إيماءاته وتعبيرات وجهه".

وبحسب دبابسة فسيتم استكمال علاج الشاب محمد فضل التميمي بعد إعطاء المخ فترة للراحة من الضرر الذي حل عليه وتشافي الانتفاخ الموجود داخل خلاياه وعودته لحجمه الطبيعي، من خلال إخضاعه لعملية أخرى لزراعة عظمة صناعية ثلاثية الأبعاد من معدن (التيتانيوم) ستصمم خصيصاً له، كبديل عن أجزاء الجمجمة المتآكلة لحماية دماغه من الصدمات، لعلّها تكون فرصته لعيش حياة طبيعية