تقرير: يامن نوباني

وكأن الأرض هي التي رحلت، فيما يمكن وصفه بـ"الفجيعة" التي قلما شهدتها قرية دير بلوط غرب سلفيت.

مئات المواطنين ممن كانوا في وداعها غرقوا في البكاء وهم يستذكرون مناقبها، ولوحوا بأياديهم طويلا.. إنها صفية موسى (78 عاماً).

سيدة الأرض "أم نصفت" كما يصفها البعض، واحدة من نساء دير بلوط اللواتي شكلن قوة مثال في حب الأرض وفلاحتها والدفاع عنها حتى لو تطلب ذلك حياتها.

"لقد عاشت جل حياتها وأقامت في الأرض أكثر مما أقامت في منزلها"، يقول مقربون منها.

قبل أن يأتي فيروس كورونا ليخطف روحها، كان الاحتلال قد خطف عشرات السنوات من عمر شقائها وسعادتها بالأرض. ففي صورة مؤلمة، تطل صفية على شاشة تلفزيون فلسطين، تبكي بحرقة شجرها الذي اقتلعته جرافات الاحتلال، وتودع الأوراق الخضراء التي دمرها وقطعها الاحتلال وحولها إلى يباس.

لم تحتمل صفية مشهد أكثر من ألف شجرة زرعتها وابناءها بعرقهم ودمهم، فحملت جذعا واحدة من تلك الشجرات وسارت عدة خطوات متثاقلة، وكأنها تحمل ابنا لها وتضمه الى أقرب مكان من القلب.

يقول متعب موسى، أحد أبنائها: عاشت أمي في الأرض وعليها 57 عاما.. كانت تقطع المسافات اليها، تزرع وتحصد وتقلم وتعشب وتحرث وتسقي وتطعمنا من ثمارها.

وأضاف: وعيت على الدنيا وأمي تذهب مع نساء أخريات (عزية، أم راتب، حفيظة، سميحة، وغيرهن) إلى الأرض ليباشرن الحياة من هناك.

"كانت توقظنا كل يوم في الخامسة فجراً لتأخذنا لفلاحة أرضنا، وأقول لها: يما نفسي يوم تروحينا بدري.. دايما مع أذان المغرب، كان نفسي أنام وأشبع نوم، لكن أمي كانت تصر على أن الأرض تستحق ألا ننام من أجلها، وكانت صاحبة نكتة وحكايات تسلينا خلال عملنا في الأرض"، يقول متعب في وصف حياة أمه صفية.

وأضاف: ضحت أمي بشبابها من أجلنا، أعطت حياتها ووقتها للأرض، وكانت الأرض بدورها تعطينا من خيراتها، كانت أرضنا بحدود 560 دونما، صادر الاحتلال ما يقارب الـ350 دونما منها لصالح الجدار والاستيطان، ومنعنا من دخولها واستصلاحها.

وتابع: لم يكن يغيبها عن الأرض سوى أيام المطر الغزير، وتقول إنها ستمرض لو جلست في البيت، فكانت تنقل الماء على دابة مسافة 4 كيلومترات، لتسقي المزروعات والزيتون.

بدوره قال النشاط الشبابي داوود عبد الله: حين كانت الجرافات تقتلع آلاف الأشجار في خلة العبهر من دير بلوط قبل شهر، أصرت صفية أن تدخل الأرض، حاول الجنود منعها، لكنها مرت من بين بنادقهم وأفواه الجرافات. وأضاف: الحاجة صفية وغيرها من نساء البلدة، كان وجودهن في السهل والجبل حماية لشجرنا وزرعنا، ويعبرن عن المساحات الخضراء التي قمن باستصلاحها.

وتعتبر دير بلوط، واحدة من بلدات محافظة سلفيت الأكثر تعرضا للاستيلاء على اراضيها، فجدار الفصل العنصري اقتطع من أرضها البالغ مساحتها 36 ألف دونم، ما يقارب الـ16 ألف دونم غرب وجنوب البلدة، بينما استولت مستوطنات "ليشم" و"عالي زهاف" و"بدوئيل" نحو 8 آلاف دونم من الجهة الشرقية للبلدة.