في  الثامن عشر من كانون أول عام 1973 من القرن الماضي، أدخلت الأمم المتحدة اللغة العربية من ضمن لغاتها الرسمية التي تعمل وتتعامل بها، وبات هذا اليوم يومًا عالميًا للغة العربية الذي مر علينا هذا العام يوم أمس، وكنا ومنذ سنوات ونحن نتطلع لاحتفاء عملي باليوم العالمي للغتنا العربية ومن خلال التصدي لمحاولات تغريبها باللهجات المحلية، والكلمات الأعجمية، خاصة في شعارات الدعايات التجارية وأيضًا من خلال عدم الاكتراث بقواعد النحو والصرف، عند العديد من مواقع الصحافة والإعلام الإلكترونية!!! 

والحقيقة أن أخطر هذه المحاولات ليست التي هي نتيجة التبسيط المتعجل في اللغة الإعلامية،  أو الافتنان بلغة السلعة، ومتطلبات السوق، إنما تلك التي هي نتاج مخطط استعماري لضرب اللغة العربية، وليس بوصفها وسيلة تواصل، وإنما لأنها هوية الناطقين بها، بكامل عقائد هذه الهوية، وموروثاتها وسردياتها التاريخية، لتدميرها ما يعني تدمير أصحابها!!!

وأن تكون اللغة هوية أصحابها، فهذا يعني إنها الوحيدة القادرة على التعبير عن مشاغلهم وهمومهم وتطلعاتهم، سواء في نصوصها الأدبية والفنية الإبداعية، أو في نصوصها الفكرية، والعلمية، والاقتصادية، والاجتماعية، وحتى السياسية.

محاولات وعمليات بالغة الشراسة لتعجيم اللغة العربية، والعديد من محطات التلفزة العربية الفضائية خاصة التسلوية منها، من يواصل هذه المحاولات، وهذه العمليات، حتى ان هذه المحطات لم تعد بأسماء عربية!!! وتعجيم اللغة لا يعني غير محاولة تعجيم هوية أصحابها، في مقدمة جراحية ان صح التعبير، لاستئصال أحلامهم وتطلعاتهم، ومستقبلهم في المحصلة!!!

ليس هناك أي قدر من المبالغة فيما نقول عن مخاطر تدمير اللغة العربية، في عمليات تغريبها، وتعجيمها، تموت الأمم حين تموت لغتها، وبمعنى حين تموت ذاكرتها، وحين تفقد قدرتها على التعبير عن حالها وتاريخها، ونؤمن بتمام الإيمان إن الله تعالى حافظ لكتابه المنزل، لكنا نخشى من مخططات السياسات المعادية، في لغتها التي تعمل على تسليع القيم، والمبادئ، والمفاهيم لصالح ما تريد من عدمية لأمة لغة الضاد!!!

لغتي هويتي، هذا يعني إنها التي تعبر عنا وعن أحوالنا، عن ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، إنها لغة العقل والقلب معًا، هي لغة الرؤيا والجماليات الإنسانية في القصيدة، ولغة المعرفة والتقوى، في الكتاب العزيز وقيل فيها ما لم يقل في لغات كثيرة، ومن ذلك هذا الوصف "العربية كالعود، إذا نقرت على أحد أوتاره، رنت لديك جميع الأوتار وخفقت". وقيل أيضاً "اللغة العربية هي من أدخلت في الغرب طريقة التعبير العلمي، وهي من أنقى اللغات وقد تفردت في طرق التعبير العملي والفني". ولم يكن من الممكن أن يكون الشعر ديوان العرب، لو لم تكن لغتهم هي هويتهم في تجليات تطلعاتها الإبداعية لعالم يسوده الحق والعدل والجمال، ولهذا الدفاع عن لغتنا هو دفاع عن الهوية ومعانيها وأصولها، ودفاع عن حملتها لحماية تاريخهم، وضمان حاضرهم ومستقبلهم.