جويد التميمي

يعد مسجد الحرم الإبراهيمي في البلدة القديمة من مدينة الخليل، أحد أبرز المعالم الدينية والسياحية والأثرية وأهم المنشآت المعمارية التي ارتبطت باسم المدينة.

وبحسب المؤرخين والباحثين، فإن سورا ضخما يعرف بالحير يحيط بالحرم، بني بحجارة ضخمة يزيد طول بعضها على سبعة أمتار بارتفاع يقارب المتر، كما يصل ارتفاع البناء في بعض المواضع إلى ما يزيد على خمسة عشر متراً، وشيّد السور فوق مغارة المكفيلة التي اشتراها النبي إبراهيم عليه السلام، من عفرون بن صوحر الحثي، والتي هي مرقد الأنبياء إبراهيم، وزوجته سارة، وابنه اسحق، وزوجته رفقة، وحفيده يعقوب وزوجته لائقة "ليئة"، وفي الحرم مقام للنبي يوسف بن يعقوب.

تعرض الحرم على مدار العقود الماضي، لمحاولات تهويد من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي، منذ اللحظة الأولى لاحتلالها الخليل، وفرض سيطرتها عليه في الثامن من حزيران/ يونيو عام 1967، حيث اقتحمه جنود الاحتلال ومعهم كبير الحاخامين، ورفعوا العلم الإسرائيلي عليه بضعة أيام، ومنعوا المصلين المسلمين من الدخول إليه.

لم يتوقف استهداف جنود الاحتلال والمستوطنين للحرم الإبراهيمي الشريف ومحيطه، لكن من أفظع ما حصل في الحرم، هو المجزرة البشعة التي ارتكبها المستوطن المتطرف جولد شتاين، في 25 شباط/ فبراير عام 1994، الـ 15 من رمضان، بحق المصلين وأدت إلى ارتقاء تسعة وعشرين شهيدا، وجرح العشرات، وسميت "مجزرة الحرم".

وعلى إثر هذه المجزرة، اقتطع الاحتلال قسما من الحرم لإرضاء مستوطنيه، وتم تقسيمه بين المسلمين واليهود كسابقة مستهجنة في تاريخ المساجد الإسلامية.

وضمن محاولات فرض الهيمنة والاستيلاء الكامل على الحرم والبلدة القديمة، من قبل الاحتلال ومستوطنيه، أعلن وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي نفتالي بينيت مؤخرا، مصادقته النهائية على مشروع استيطاني يتضمن الاستيلاء على أراض فلسطينية في المدينة، لإقامة طريق خاص للمستوطنين والمتطرفين، يربط مستوطناتهم بالحرم، فضلا عن إقامة مصعد لهم في ارض الحرم.

وسمح بينيت لما يسمى "مجلس التخطيط الأعلى الإسرائيلي"، ممارسة سلطاته لاستكمال جميع إجراءات التخطيط مقابل بلدية الخليل، وتنفيذ المشروع الذي حصل على مصادقة القضاء، ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، ووزير الخارجية يسرائيل كاتس دون تأجيل.

يقول خبير الخرائط والاستيطان في الخليل عبد الهادي حنتش لــ "وفا"، إن إعلان بينيت يؤكد من جديد ضرب حكومة الاحتلال كافة المعاهدات والاتفاقيات والقرارات الدولية بعرض الحائط، والتي كان منها قرار منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" عام 2017، بإدراج البلدة القديمة في مدينة الخليل والحرم الإبراهيمي على قائمة التراث العالمي للمحافظة عليها كموروث ثقافي وانساني.

ويوضح أن لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"، اعتمدت خلال اجتماعها الـ 42 في العاصمة البحرينية المنامة عام 2018، قرارين الأول متعلق بحالة الحفاظ على بلدة القدس القديمة وأسوارها، والثاني يخص حالة الحفاظ على بلدة الخليل القديمة.

ويطالب القرار المتعلق بالقدس سلطات الاحتلال بالكف عن الانتهاكات التي من شأنها تغيير الطابع المميز للمدينة، وعليه يبقي القرار القديم للقدس وأسوارها مدرجة على لائحة التراث العالمي المهدد بالخطر، وكذلك الأمر بما يخص بلدة الخليل القديمة التي تبقى بسبب الانتهاكات الإسرائيلية على لائحة التراث العالمي المهدد بالخطر أيضاً.

ويتابع: "هذه القرارات بقيت حبرا على ورق، وحكومة الاحتلال تفرض بقوتها وسطوتها ما تريده على الأرض، ومخططاتها تهدف الى جعل ما تسمى مستوطنات "كريات أربع"، و"خارصينا" والبؤر الاستيطانية التي اقيمت على ممتلكات المواطنين واراضيهم في البلدة القديمة من الخليل، كتلة استيطانية واحدة، تندرج ضمن مخطط احتلالي لحكومة الاحتلال في الضفة الغربية".

ويشير إلى أن سلطات الاحتلال عملت ولا زالت على ربط الأحياء العربية التي تقع في البلدة القديمة من مدينة الخليل بالمستوطنات، عبر إصدارها أوامر عسكرية بشق طرق والاستيلاء على اراضي المواطنين، غير آبهة بما تدمره من المعالم الاسلامية والتاريخية في هذه الأحياء".

ويبين حنتش أن الاحتلال أنشأ في محافظة الخليل منذ احتلالها عام 1967، أكثر من 30 مستوطنة بالمحافظة، من بينها "كريات أربع" و"خارصينا"، إضافة لعدد من البؤر الاستيطانية في قلب المدينة، منها "رمات يشاي" في حي تل الرميدة، و"الدبويا/ بيت هداسا" في شارع الشهداء.

كما أقامت مستوطنة "بيت رومانو" على حساب مدرسة أسامة بن المنقذ في الشارع المذكور، و"ابرهام افينو" المقامة في سوق الخضار القديم بحي السهلة، و"تل جعبرة" و"جفعات هئفوت" و"جفعات جال" وغيرها من البؤر والمستوطنات التي أقيمت في قلب مدينة الخليل ومركزها وعلى أطرافها.

ويتابع: يقيم في هذه المستوطنات والبؤر الاستيطانية، طبقا للإحصائيات المتوفرة، 30 ألف مستوطن تقريبا، منهم 6 آلاف في مستوطنة "كريات أربع" و900 في البؤر الاستيطانية الخمس في قلب مدينة الخليل، بما فيهم طلاب مدرسة اللاهوت المعهد الديني لتخريج الحاخامات المقام في مدرسة أسامة بن المنقذ.

ويقول: "سلطات الاحتلال تعمل بقوتها على فرض القانون الاسرائيلي على "المستوطنات المذكورة بغية فصلها عن الخليل، وإلحاقها بما تسمى بلدية كريات أربع، وبهذا يتم فصلها عن المحافظة، كما حدث في القدس، حيث فصلها الاحتلال عن باقي الضفة الغربية وأحكم إغلاقه عليها بالتدريج".

وناشد حنتش، المنظمات الإنسانية والحقوقية واليونسكو التدخل لحماية الحرم الابراهيمي والبلدة القديمة ومبانيها وحواريها من الاحتلال ومستوطنيه، الذين يزورون التاريخ بهدمهم مباني وحارات شيدت منذ الاف السنين، مشددا على ضرورة حماية إرث البلدة التاريخي والحضاري، لا سيما وأنها مسجلة على لائحة التراث العالمي.

عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية احمد سعيد التميمي أكد لــ"وفا"، ان الاحتلال يهدف من خلال قرار بينيت المذكور، لإقامة أحياء سكنية لليهود متواصلة جغرافيا داخل المدينة، ومتصلة بالمستوطنات التي اقيمت على اراضي محافظة الخليل، خاصة مستوطنتي "كريات أربع وخارصينا"، لتنفيذ الخطة الرامية الى نظام "الفصل العنصري" بين أهالي وسكان المدينة اصحاب الارض الأصليين، وبين المستوطنين، وإلحاق هذه البؤر والأحياء بما تسمى بلدية "كريات أربع".

واعتبر التميمي، أن مواجهة المخططات الاستيطانية الرامية الى إقامة ما يسمى "الخليل اليهودية" في البلدة القديمة ومحيط الحرم الابراهيمي، يتطلب من الجميع ، حماية الحرم والمناطق المستهدفة من خلال التواجد فيها، داعيا العالم لمواجهة طغيان واعتداءات المحتل الهمجية بكل السبل والوسائل، خاصة في المحاكم الدولية ومتابعة تطبيق القوانين التي كفلت حق حرية العبادة وممارسة الشعائر الدينية حسب الشرائع والمواثيق الدولية.

من جهته، قال رئيس البلدية تيسير أبو سنينة: إنّ القانون الدولي ينص على عدم السماح لقوى الاحتلال بالتغيير في معالم الأرض المحتلة، مشددا على أنّ كل مخططات الاحتلال التي تضرب المواثيق الدولية بعرض الحائط لن تصادر حق شعبنا بالوجود على أرضه، والدفاع عن الحرم الابراهيمي وكافة مقدساته.

وشدّد أبو سنينة، على أن البلدية ستتخذ كل الإجراءات القانونية وستجند كل علاقاتها الدولية للحفاظ على الإرث الفلسطيني وعدم المساس به، مطالب المجتمع الدولي الحُر باتخاذ خطوات عملية للجمِ يمين الاحتلال المتطرف الذي سيطر على الحكومة ومفاصل القرار فيها، وأصبح يتخبطُ محاولاً تغيير الحقائق وسلب الحقوق.