أشكرُ دومًا الباحث المُجِد والمؤرّخ الكبير د.إبراهيم عبّاس الذي يضع الحق العربي والإسلامي في فلسطين نصب عينيه فيدافع وينافح عن الحقيقة ضد أصحاب الفكر التوراتي العنصري الآسن.

وكان له مؤخّرًا ملاحظة مهمة ذكر فيها مستهجنًا أنَّ: (بعض الصهاينة العرب يذكرون مصطلح "الوعد الإلهي" لليهود وأنَّهم "شعب الله المختار"!!..الخ ويتجاهلون الآيات التي تطرَّقت لغدر اليهود وقتلهم الأنبياء وخيانتهم للسيد المسيح ولسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.. رجاء توخّي الدقة ومعايير الصدقية والعقدية، فيما يتعلَّق بهذه المعلومات التي تتعلق بهذا الموضوع).

فكانَ لي أن أضفتُ لما يعلمه الدكتور قطعًا، ولكن المقصود بالكلام أولئك الغارقين في مستنقع الرواية التوراتية المكذوبة والمتداولة التالي:

حيث أشرت إلى أنّه لا يوجد شيء اسمه "وعد إلهي" بالقرآن الكريم مطلقًا، ولا مصطلح ("شعب" مختار) أيضًا، بل هي مرويات ومصطلحات خرافية عنصرية توراتية بائدة.

وكما تعلم في القرآن يخاطبهم بمصطلح (كَتَب) الله لهم-بقصد قبيلة بني إسرءيل القديمة المنقرضة- و(أورثهم) الأرض (البقعة المحددة جغرافيّا وبزمنها) أورثهم وكتب لهم بمعنى كلّفهم بالدعوة إلى الله بالأرض المحددة بالزمن المحدّد الذي انقضى، ولم ينصاعوا.

فـ"الكتابة" و"الوراثة" بالقرآن ليست وعدًا بملكية/تطويب أي أرض مطلقًا لتطوّب باسم أحدهم أو جماعة ما، والى الأبد! وإنّما المقصد القرآني السامي القيام بواجبهم المفروض "المكتوب" لهم بالدعوة لله والاستخلاف للإعمار بالأرض بالزمن المنقضي للقبيلة المنقضية، ما لم يفعلوه أصلاً كما تعلم يا دكتور.

(لننظر كُتب عليكم الصيام...الخ، أي فرض كما فرض عليهم دخول الأرض للدعوة لله لا للملكية، فالله ليس تاجر عقارات أو تاجر أراضٍ حاشاه يمنحها للأبد للفجرة أو غيرهم! فهو سبحانه من يرث الأرض ومن عليها بمعنى التملُّك).

والقول بالقرآن الكريم (فضّلكم) على العالمين-أي على عالمي أهل ذاك الزمان المنقضي والبائد- أي اختصَّكم واختار لكم الدعوة لله، وليس فضلكم للون بشرتكم أو أصلكم القبلي أو جمال عيونكم.

كما الحال بالقول فضّل الأنبياء على بعض، أي اختص (من خاصية ما) كل منهم بشي أو بآية (أعطاكم خصائص معينة حسب تفسير السعدي).

وبالتالي فالله جلّ ثناؤه ليس عنصريًّا مطلقًا، ليقدّس جماعة أو قبيلة أو فرد دون سائر خلقه مطلقًا، لأنه يقول (أكرمكم عند الله أتقاكم) فالتقوى فقط هي مجال تمييز الله سبحانه بين الناس بين سائر خلقه، فلا أحد مختار أو مفضل على غيره بمنطق الجنس أو القبيلة أو العرق.

وما كذبة وخرافة (شعب الله المختار) إلا مصطلح وكذبة يرددها الكهنة والتوراتيون/التناخيون والغرب الاستعماري العنصري السائر على دربهم المهووس بنهاية التاريخ كما "ترمب" وزمرته.

ومنهم بعض العرب المنقادين للرواية التوراتية الخرافية، أضف لهم أولئك المفترين على التاريخ، وعلى الله جل وعلى.

لم يكن اليهود (معتنقي الديانة اليهودية واليهودية ديانة وليست قومية) مطلقًا عبر التاريخ بعرضه وطوله إلا أصحاب ديانة كغيرهم من أصحاب الديانات من قبائل ثُمّ أجناس وقوميات متعدّدة اعتنقت الديانة (آخرهم قبائل الخزر منذ القرن 10 ميلادي وهم قوميات جنوب روسيا-أنظر أرثر كوستلر الهنغاري اليهودي).

إذ لم يكونوا "شعبًا" أو قومية واحدة مطلقًا (لمراجعة شلومو ساند الإسرائيلي بكتابيه أسطورة "أرض" إسرائيل وخرافة "الشعب اليهودي").

كما نضيف لأولئك السائرين على درب الاستعمار والفكر الغربي العنصري أنَّ المحتلين لأرضنا اليوم المتسمين بـ(إسرائيل) لا صلة جينية أو إثنية أو قبلية لهم بتلك القبيلة القديمة المنقرضة قبيلة بني إسرءيل بتاتًا.(رسم "إسرءيل" بهذا الشكل القرآني لتمييز القدماء عن الجدد المختلفين كما يقترح بالرسم د.زياد منى).

إلى هذا وذاك فإنَّ المشكلة اليهودية أو المسألة اليهودية كما أسماها كارل ماركس في كتابه وكتب عنها لينين هي مشكلة أوربية بحتة ترتبط بسياقات دينية وعنصرية نتيجة صراع الكنيسة في عصور الظلام ضد اليهود، وضد المخالفين، ولاحقًا في عمليات الكراهية والحقد والطرد والقتل والاتهام المتأصل هناك ضد (الأوربيين اليهود) ما لا شأن لنا به مطلقًا.

بل جاء وصولهم لفلسطين كحل لهذه المشكلة المسيحية الأوربية مع المواطنين الأوربيين من الديانة اليهودية على حسابنا كاستعمار استيطاني إحلالي في وطننا فلسطين، كما هي الحال في أستراليا وجنوب إفريقيا ليس إلّا، ظانين إمكانية الطرد والإحلال لأصلاء الأرض العربية أي الفلسطينيين فخاب أملهم، فالعودة لا بد منها.

كما خابت دعواهم التوراتية الخرافية التي لم يثبت عِلم الآثار في فلسطين أي كلمة منها، رغم عشرات عمليات التنقيب الآثاري، عدا عن تكذيب علم الجينات وعلم القوميات وغيرها من العلوم لدعاويهم الآسنة.

وشكرًا لك يا دكتور إبراهيم لأنّك تفتح هذه المواضيع الهامة دومًا، فالكثير الذي لا يفقه اللغة العربية ولا لغة القرآن الكريم يسقط عليه المفاهيم التوراتية الشائعة فيتوه ويتخبّط قاصدًا أو مبرّرًا أو مفتريًا على الله سبحانه، وعلى الحقيقة.