قبل 37 عاما، اغتال الموساد في العاصمة الايطالية روما، القائد الوطني الفلسطيني ماجد أبو شرار، عضو اللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، مسؤول الإعلام الفلسطيني الموحد. وفي كل سنة ونحن نتذكر هذا القائد الكبير يتبادر إلى ذهننا السؤال ذاته، لماذا اغتال الموساد ماجد أبو شرار؟

قد يبدو السؤال غريباً، خصوصاً إذا علمنا أن جهاز المخابرات الإسرائيلية الموساد قد اغتال معظم القادة المؤسسين لفتح وفي مقدمه هؤلاء القائد التاريخي للشعب الفلسطيني ياسر عرفات "أبو عمار"، وخليل الوزير "أبو جهاد"، وكمال عدوان، وأبو يوسف النجار وكمال ناصر وغيرهم، كما اغتال الموساد عددا كبيرا من قادة فصائل الثورة الفلسطينية لعلنا نذكر من أبرزهم الكاتب والأديب الفلسطيني غسان كنفاني.

"الموساد" كان يتابع عن كثب أبو شرار ويتابع دوره الرائد والمهم في فتح وفي الثورة الفلسطينية، وعندما قرر أن يغتاله كان يدرك أهمية هذا القائد الفلسطيني، فبالإضافة إلى كون أبو شرار أحد مؤسسي فتح، فإنه كان احد مفكريها ومنظريها الأساسيين، وكان له دور بارز في تأسيس إعلام الحركة وصياغة خطابها الوطني عبر جريدة فتح التي كان هو رئيس تحريرها، هذه الجريدة التي بدأت في الصدور في الأردن عام 1968 لعبت دوراً في صياغة الوعي الوطني وحشد الطاقات لأجيال من الشعب الفلسطيني وكانت سبباً في وحدة الشعب الفلسطيني على أهداف الحرية والاستقلال، وهو يحدث للمرة الأولى منذ نكبة 1948. ولكون ماجد هو أحد من صاغوا هذا الوعي الوطني وهو أبرز من صاغ الخطاب الإعلامي لفتح والثورة، فقد كلف عام 1973 بمسؤولية الإعلام الفلسطيني الموحد التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، وذلك بعد أن اغتال الموساد مسؤول هذا الإعلام السابق القائد الشهيد كمال عدوان.

كان جهاز الإعلام الموحد مؤسسة إعلامية كبيرة ومؤثرة فلسطينيا وعربيا ودوليا، هذا الإعلام كان يضم وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، إذاعة صوت الثورة، جريدة ومجلة فلسطين الثورة، جهاز الإعلام الخارجي، الذي كان يخاطب العالم بخمس لغات "الانجليزية والاسبانية والفرنسية والروسية والألمانية"، إضافة إلى جهاز الإعلام الجماهيري ومؤسسة السينما الفلسطينية، ومركز التوثيق والمعلومات، الذي أنشأه ماجد قبيل استشهاده بأشهر قليلة.

أهمية أبو شرار لم تقتصر على كونه مفكراً ومنظرا وإعلاميا وأديبا، بل لكونه مفصلا رئيساً في حركة فتح وفي الثورة الفلسطينية وأحد الضامنين لوحدة فتح، فكما هو معروف فإن تيارات سياسية وفكرية كانت تتصارع وتتعايش داخل فتح. ماجد ابو شرار كان الممسك لمفتاح التيار اليساري داخل فتح، وكان ضابطا لحركة هذا التيار والحريص على ضمان التوازنات الداخلية في فتح، فالشعار الذي كان يردده دائماً "وحدة فتح هي الأهم، وهي العامل الحاسم لوحدة الثورة والشعب". وفي هذا المجال يمكننا أن نتخيل دور ماجد وأهميته عندما نعلم انه وبعد اغتيال الموساد له بعام حصل الانشقاق الخطير داخل فتح وداخل منظمة التحرير الفلسطينية، الذي ألحق أضرارا فادحة بالشعب الفلسطيني، وتضحيات كبيرة إلى إن استعادت فتح والمنظمة وحدتها.

ماجد أبو شرار كان وطنيا فلسطينيا حتى النخاع، فتحويا أصيلا، يدرك الأهمية المركزية لفتح في النضال الوطني الفلسطيني، باعتبارها حركة الشعب الفلسطينية الوطنية. ماجد كان مفكرا فذا ومثقفا متعدد الثقافات، وكان كاتبا وأديبا وروائيا... إنسان بكل هذه المواصفات وهذه الأهمية كان لا بد أن يغتاله الموساد.