دولة الأبرتهايد الإسرائيلية تقوم على ركائز العنصرية، والتطهير العرقي، ونفي الآخر الفلسطيني العربي، والترانسفير، وجميعها تصب في تهشيم وتبديد الوجود الفلسطيني، وإلغاء وسحق الرواية الفلسطينية الأصلانية. ولتحقيق الأهداف المذكورة عملت إسرائيل الاستعمارية منذ ما قبل النكبة في العام 1948 عبر أدوات ومنظمات الحركة الصهيونية الإرهابية، ثم تولت مؤسسات الدولة الإسرائيلية التنفيذية والتشريعية والقضائية والثقافية والاقتصادية والدينية مواصلة عملية التدمير المنهجي وفق مخططات ومشاريع كولونيالية جرى تطويرها وفق سيرورة وصيرورة عملية الصراع الفلسطينية العربية والإسرائيلية.

ولا يمكن للعارف بخفايا المشروع الصهيوني الاستعماري التمييز بين حزب وآخر صهيوني، وبين يسار ويمين ويمين متطرف وسط الفسيفساء الحزبية. لأن كل الفرق والأحزاب الغارفة من مستنقع الصهيونية الرجعية مرجعياتها الفكرية والعقائدية والسياسية تلتقي في الجوهر في هدف واحد، هو إجلاء ونفي الفلسطيني العربي، صاحب الوطن الفلسطيني، وإحلال اليهود الصهاينة مكانهم، واغتصاب الأرض والرواية تعميقا للشعارات الصهيونية الأساسية: "أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض"، و"أرض الميعاد"، و"من النيل للفرات أرضك يا إسرائيل"، وبناء "دولة إسرائيل الكاملة"، وغيرها من الشعارات ذات الصلة بالمشروع الصهيوني.

وإن وجد تمييز بين اتجاه أو تيار ما وتيار آخر، فهو تمييز نسبي ومؤقت سرعان ما تعود كل التيارات لتلتقي في ذات المصب الاستعماري، لأن التمايز تكتيكي وليس استراتيجيا، ولاعتبارات تتعلق بكيفية الإخراج للأهداف الصهيونية الإستراتيجية، لإدارك الكل الصهيوني أن وجود الفلسطيني في فلسطين التاريخية يعني عمليا وسياسيا وفكريا وثقافيا وجود النقيض التاريخي، واستمرار عملية الصراع وفق سيرورة حركة التاريخ في صعودها، وهو ما يشير إلى ضعف وإفلاس الرواية الصهيونية ومن يقف خلفها ومعها.

وبعد أن أقرت إسرائيل الاستعمارية قانون "الأساس القومية" في 19 تموز/ يوليو 2018 (سنت قبله سلسلة من القوانين خلال دورتي الكنيست الـ19 والـ 20 قاربت الـ30 قانونا) يجري الآن الاستعداد لتمرير مشروع قانون عنصري جديد باسم "قانون الولاء في الثقافة" في مطلع تشرين الأول/اكتوبر المقبل. وهذا القانون لا ينحصر في موضوع الموازنات للمؤسسات الثقافية، بل إلى إلغائها وشطبها. كخطوة متقدمة على طريق نفي الثقافة الفلسطينية العربية بشكل كامل، وهو أحد تجسيدات قانون "الأساس القومية" الصهيوني، الذي أنكر الوجود والرواية الفلسطينية، واختزل مكانة اللغة العربية من لغة رئيسية إلى "لغة ذات مكانة خاصة" كمقدمة لعزلها ثم إلغاء وجودها.

القانون العنصري الجديد تقف وراءه ميري ريغف، وزيرة الثقافة والفنون الإسرائيلية، التي تبرر مشروع القانون البشع بوجود عدد من المؤسسات الثقافية العربية واليهودية الديمقراطية والمختلطة تنكر وجود دولة إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية، وتمارس التحريض على "العنصرية والعنف والإرهاب" (لاحظوا قلب الحقائق)، وتدعم الكفاح المسلح، وترفض إحياء يوم استقلال إسرائيل، لأنها تعتبره يوم حداد ونكبة، وتنتقص وتزدري كرامة العلم الإسرائيلي ورموز الدولة.. إلخ.

وحتى تتمكن الصهيونية المتطرفة ريغف من تخطي العقبات الشكلية في وزارة المالية، التي رفض مستشارها القضائي التجاوب مع قرارات الوزيرة ضد المؤسسات الثقافية العربية خصوصا، ما دعاها لشن هجوم على الوزير موشي كحلون لما تقدم. وحتى تتجاوز الاعتبارات الشكلية وتسهل على ائتلافها اليميني المتطرف عموما ووزير المالية خصوصا محاصرة الثقافة العربية والديمقراطية، قامت بالتعاون معه (كحلون) بتنسيق الجهود لسن مشروع القانون. واصدرا بيانا مشتركا حول هذا الموضوع، أكدا فيه تكاملهما بشأن مواد القانون العنصري. ووفق ما ذكرت المصادر سيتم عرضه على اللجنة الوزارية للتشريع في مطلع تشرين الأول المقبل.

النتيجة الماثلة أمامنا تشير بشكل واضح، ان الحكومة الإسرائيلية تعمل على تعميق قوننة العنصرية، وإعلاء شأنها لقهر وسحق الثقافة الفلسطينية العربية، وخنق الرواية الفلسطينية من خلال شطب وإزالة كل ما له صلة بها (الهوية والرموز الوطنية والقومية) في اوساط أبناء الشعب الفلسطيني في الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل، وتسيد الرواية اليهودية الصهيونية العنصرية.

ولن يكون مشروع القانون الجديد آخر ما تنضحه الدولة الاستعمارية الإسرائيلية من مستنقع العنصرية، لأن القريحة الفاشية الإسرائيلية حبلى بعشرات القوانين لاستكمال عملية التصفية للوجود الوطني الفلسطيني في ارض الآباء والأجداد. وقادم الأيام سيميط اللثام عن الوباء العنصري الفاشي الصهيوني في كل الأرض الفلسطينية دون تمييز بين التجمعات الفلسطينية في الـ1948 و1967، فالكل الفلسطيني سيتجرع من سُّم تلك القوانين. ومع ذلك ستهزم العنصرية والفاشية الإسرائيلية، وستحصد ثمار ما زرعت.