سبق وأن سرب البيت الأبيض خبراً مفاده أن الرئيس ترامب أجّل الإعلان عن فحوى مبادرته لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، التي أطلق عليها "صفقة القرن" ويعود ذلك إلى سببي الانتخابات التشريعية الأميركية في شهر تشرين الثاني 2018، والانتخابات الإسرائيلية المحتملة في شهر آذار 2019، وها هي صحيفة "معاريف" العبرية، تُشير إلى أن التأجيل الأميركي يعود إلى ضعف خبرة الثنائي كوشنير وغرينبلات المفوضين بطرح وعرض أفكار الرئيس الأميركي على طرفي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وعلى أصدقاء أميركا في العالم العربي.

لقد بات واضحاً أن التأجيل تمَّ، وربما الفشل المسبق قد تمَّ أو كاد، وهذا ليس جديداً، فقد سبق محاولات الرئيس ترامب وتطلعاته، أربعة رؤساء أميركيين من قبله تورطوا في التدخل المباشر من قبلهم وبرعايتهم لتسوية هذا الصراع ولكنَّهم لم يفلحوا في تحقيق اختراق معقول يؤدي إلى إنصاف الشعب الفلسطيني وردع المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي عن التوسع وإنهاء الاحتلال، بدءاً من الرئيس بوش الأب 1991، والرئيس كلينتون 2000، والرئيس بوش الابن 2007، والرئيس أوباما 2009 – 2016، ولم يحققوا ما يمكن أن يتباهوا به، وحصيلة تدخلاتهم ونتيجتها هو الفشل وهذا يعود لسببين: أولهما التطرف الإسرائيلي ورفض حكومات المستعمرة الإسرائيلية لتلبية حقوق الشعب الفلسطيني وعدم استجابتهم لقرارات الأمم المتحدة، وثانيهما تمسُّك الشعب الفلسطيني وقيادته بالحد الأدنى من حقوقهم الوطنية.

ترامب وفريقه تذاكوا فعملوا سلفاً على شطب القضايا الجوهرية التي سببت فشل الإدارات الأميركية وتنظيف طاولة المفاوضات من عرضها وهي قضايا القدس واللاجئين والمستوطنات والحدود، وجعلها غير قائمة وشطبها كحقوق للفلسطينيين، مستغلاً الانقسام الفلسطيني وتأثيره في إضعاف الموقف الفلسطيني، وتوظيف الحروب البينية العربية، وتراجع قدرات الخليجيين المالية، كي يفرض رؤيته الأحادية على الجانب العربي برمته وفي مقدمته الجانب الفلسطيني، ولمصلحة العدو الإسرائيلي وبرنامجه الاستعماري التوسعي.

مُنطلق الرئيس ترامب ومن قبله كل الإدارات الأميركية، لم يبدأ من نقطة البداية وهي إنهاء الاحتلال اعتماداً على قرار الانسحاب وعدم الضم 242 باعتباره من وجهة النظر الأميركية منذ مؤتمر مدريد العام 1991، ومبادرة الرئيس بوش الأب هو أساس الحل، وعليه يمكن البحث والنقاش لاحقاً في تفاصيل الحقوق الفلسطينية وكيفية تلبيتها واستعادتها بشكل تدريجي متعدد المراحل، وإذا لم تبدأ الخطوة الأولى وفق القرار 242 الدالة على الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة العام 1967 وإنهاء الاحتلال تبقى النتيجة عبثاً مثل "خض المية" التي لن تعطي زبدة مهما تمَّ الخض وهو ما حصل مع إدارات واشنطن المتعاقبة بدءاً من بوش الأب، مروراً بالرؤساء كلينتون وبوش الابن وأوباما وها هو ترامب يضع نفسه على قائمة الفشل مهما بدا متحمساً لشطب القدس واللاجئين كقضايا جوهرية أساسية حساسة.