المجلس المركزي الفلسطيني، عقد في الثلاثة أيام الماضية، دورته التاسعة والعشرين بنجاح خارق، سواء على صعيد اكتمال النصاب عدديًا وسياسيًا، أو على مستوى عمق وجدية النقاش، أو على مستوى أهمية القضايا التي تناولها هذا النقاش الجاد وحولها إلى قناعات ورؤى وقرارات، مثل قضية الانتقال من السلطة إلى الدولة، بعد أن سعى الاحتلال الإسرائيلي إلى الإخلال الكامل بالاتفاقات، ومد الفترة الانتقالية من خمس سنوات إلى ما لا نهاية من دون تحديد أي أفق، وبعد أن وجد نتنياهو على رأس الائتلاف الحكومي ضالته المنشودة في وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، فأصبح نتنياهو وترامب يتبادلان صنع المآسي والأوهام الساقطة، ترامب بصفقة القرن الميتة، ونتنياهو بقانون القومية العنصري، وقرار الشرعية الفلسطينية القاطع برفض الاثنتين حتَّى السقوط الكامل، والإصرار القوي والواعي على إعلاء شأن حقوقنا والدفاع عن ثوابتنا، وارتفاع مرتكزات قضيتنا إلى أفق جديد على صعيد التأييد الدولي، والحضور لأفكارنا السياسية عالميًا، وانكشاف إسرائيل وحليفتها أميركا بمزيد من السلوك العدواني الأرعن والتخبط بالفوضى، والمزيد من الافتضاح.

وكما هي العادة عند حلول أي استحقاق وطني، فإنَّ بعض القوى تحاول الابتزاز عن طريق التدهور لصالح العدو على المكشوف، وهذا ما سقطت فيه حماس بتشبثها بالانقسام، وذهابها إلى التهدئة المفضوحة مع إسرائيل مع أنَّها تعلم أن التهدئة شأن وطني وليس فصائليًا، تمارسها وتصل بها إلى نهايتها المرجوة منظمة التحرير، وليس كل فصيل على حدة انطلاقًا من ظروفه الخاصة المتجزئة، وأهدافه الصغيرة المدانة، حتَّى أن حماس تلهث تحت ضغط السؤال الكبير: كيف تسعين يا حماس إلى تهدئة مع إسرائيل وترفضين المصالحة مع الشعب الفلسطيني؟

بل إن بعض الفصائل التي انداحت بانتهازية إلى المقاطعة، لم يستجب لها أعضاؤها، فشاركوا في اجتماعات المركزي، وبعض هذه الفصائل أساءت لنفسها حين اندفعت عبر الأصوات الشاذة إلى ادعاء المقاطعة مع أن بعض هذا الأصوات لم تكن يوما من أعضاء المجلس المركزي، والادعاء هو نوع من الاستهتار بالنفس ليس إلّا! ومن تهن عليه كرامته الوطنية فلا يمكن أن يوصف بالكرامة على أي مستوى.

الدورة التاسعة والعشرون للمجلس المركزي جاءت في نفس سياق التصاعد الوطني الفلسطيني الذي تقوده الشرعية الفلسطينية وهي أول من رفض صفقة القرن وقرر سقوطها، وأول من رفضت قانون القومية العنصري وكل مرتكزاته الشائنة، وأصبحت "لا التي تعلنها لا دولية" وجعلت من ارتباك نتنياهو، وفوضى ترامب، انحدارًا كاملاً لا يليق به سوى الفشل، بحيث إن هذا التحالف الأسوأ بين إسرائيل نتنياهو وأميركا ترامب يغرق في كل يوم في معارك جديدة، وفوضى جديدة على صعيد العالم.

التحية للمجلس المركزي لقراراته الشجاعة، وآلياته العميقة التي صاغها للانتقال إلى تجسيد الدولة، وإلى تعليق الاعتراف بإسرائيل إلى حين اضطرارها إلى الاعتراف الكامل بدولة فلسطين، وبقية القرارات المتعلقة بقداسة التزاماتنا وثوابتنا الفلسطينية، والإصرار على تحقيق المصالحة والوحدة الوطنية رغم أنف الانقلابيين والانقساميين.