ربما سيحتاج إخراج اتفاق الهدنة طويلة الأمد بين حماس والاحتلال الإسرائيلي إلى العلن، إلى بضعة تصعيدات عسكرية أخرى، والتي تنتهي عادة باتفاق تهدئة، دون أن نرى أيَّة وقائع من معادلة الخديعة الحمساوية، التي قالت حماس إنَّها فرضتها على الاحتلال، ونعني معادلة "الردع والقصف بالقصف، والدم بالدم"!! لم نر قصفًا حمساويًا أسقط في الجانب الإسرائيلي، بناية كبناية مركز مسحال الثقافي، التي أسقطها القصف العدواني الإسرائيلي وأحالها ركامًا، ولم نشاهد سوى دم الطفلة الشهيدة بيان أبو خماش ووالدتها الحامل التي استشهدت مع جنينها، ما من دم آخر سوى الدم الفلسطيني في معادلة "المقاومة" الحمساوية!! بل إنَّ حماس بررت للاحتلال قصفه الذي أسفر عن استشهاد عنصرين من كتائب القسَّام، بتصريح القيادي حمَّاد الرقب، الذي أعلن أنَّ الاحتلال قتل عنصري القسَّام، بناء على تقدير خاطئ (...!!) لذا يطالب بضبط النفس ونحن مضطرون (...!!) أن نطالبه كذلك بضبط النفس!

لم يعد هناك أي التباس في هذا المشهد، الذي بات يتكرر على نحو ممجوج، تصعيد وتهدئة..!! وتصريحات للتبرير بالمزايدات والأكاذيب ذاتها، الناطق الحمساوي فوزي برهوم يعلن "المقاومة الباسلة تصر على قلب موازين المعركة مع العدو وتخوضها بكل ثقة واقتدار" لكن التهدئة تعلن، وما ثمَّة موازين قلبت، ولا جراح يئن منها الاحتلال!! ويعرف العالم بأسره أن الجهود المصرية هي التي تبذل في كلّ مرة، لوقف التصعيد والعودة إلى التهدئة، لكن مشير المصري يقول إنَّ "حماس هي من تحدد نهاية الحرب" ولا نرى حربًا سوى العدوان الإسرائيلي الذي يبدو وكأنَّه يمارس مناورات عسكرية بالذخيرة الحية ضد قطاع غزة! غير أنَّ هذه ليست سوى تصريحات المزايدات اللغوية، أمَّا التصريحات التي تبرر التفاوض الحمساوي وتقول بواقعه وحقيقته هي تصريحات القيادي الحمساوي غازي حمد واليكم ما أعلنه بالنص: "لا يوجد دليل ديني يحظر المفاوضات، أنا شخصيًا لا أعارض هذا الخيار!! لكن يجب وضعه أولاً في إطار وطني" ولم يوضح حمد الإطار الوطني، الذي يعنيه، وليس عن جهل أو نسيان، ولكن ليحدد هو فيما بعد هذا الإطار كما تريده حماس كغطاء لتوقيعها صك الهدنة طويلة الأمد مع الاحتلال الذي هو ليس غير صك هزيمة بكل مقاييس الهزيمة ومعانيها ونتائجها! وعلى نحو بالغ الخديعة والقبح في التبرير، يقول غازي حمد في تصريحه "حماس اتخذت موقفًا متشددًا من المفاوضات.. لم يدرك الناس بعد أنَّ المفاوضات قد تصبح مصدرًا للقوة (..!!) بالنسبة لك إذا فعلت ذلك بشكل صحيح، وليس مثل منظمة التحرير"!!!.

ما الذي تفاوض عليه حماس إسرائيل ( بشكل صحيح) غير رفع الحصار عنها، وإعطائها مقومات الإمارة، مع الستمائة مليون دولار التي كشف عنها احمد يوسف، وما الذي دفعته حماس لإسرائيل، مقابل ضمانات الحماية التي قدمتها لصالح العاروري الرجل الثاني في مكتب حماس السياسي، وعضو القيادة العالمية للإخوان المسلمين كي يدخل غزة ليدير مفاوضات الهدنة؟

ومن أين للمفاوضات هذه أن تصبح مصدر قوة لحماس، وهي التي تطلب الهدنة والمهادنة، ولا يطلب ذلك سوى من يريد الحفاظ على رأسه سالمًا، وهل يمنح الاحتلال مفاوضيه مصادر قوة كي يتغلبوا عليه!

لكنَّ حماس وخطابها لم يعد يعرف بالكذب والتذرع والتبرير أي عيب، العيب الذي منه هذه الاستهانة بعقول الناس، وحمد يتهمها بعدم الإدراك "إنَّ المفاوضات قد تصبح مصدر قوة!".

يبقى أن ننقل لكم ما كتبه النائب المصري سمير غطاس على صفحته في مواقع التواصل الاجتماعي "الله يرحم أبو عمار عشرات المرات حاول مع حماس ألّا تورط الشعب والسلطة بقصفها العشوائي، وكان شعارها وردها لا يوجد في قاموس المقاومة هدنة أو تهدئة!".

ويا له من قاموس متحول، إذ ينطوي اليوم لا على الهدنة والتهدئة فقط وإنَّما على التنسيق الأمني الحلال والتفاوض كمصدر قوة!