لم يعد خافياً أن مشروعنا الوطني يواجه صعوبات وعقبات جدية: موضوعية وذاتية، كما علينا أن نعترف بأن هزيمة المشروع الصهيوني، مشروع التوسع والاحتلال والعنصرية، تحتاج إلى وقت أطول. هنا في هذا المقال لسنا بصدد تحليل أو معرفة أسباب كل ذلك، والاعتراف سابق الذكر لا يعني أن نُصاب بحالة يأس وإحباط، فمهما توغل المشروع الصهيوني في عدوانه واحتلاله فإن الحقائق التاريخية والجيوسياسية هي القادرة على فرض نفسها في النهاية.

وبما أن صراعنا مع إسرائيل طويل الأمد، وان الصهيونية تواصل الإصرار على أن تكون عنصرية وتوسعية، فإن العودة لحقائق الصراع الأساسية باتت أمراً ضرورياً، وكذلك الأمر بالنسبة لمربعاته الأولى، التي أخفتها عن المشهد اليومي التراكمات المتسارعة للأحداث.

الأرض والتمسك بها والصمود عليها هي جوهر الصراع، والإنسان هو العنصر الأهم في هذا الصراع الطويل.

من هنا لا بد من العودة لمعادلة "الأرض والإنسان" كفعل وعمل يومي له الأولوية. فأي إعادة لصياغة المشروع الوطني من أجل إزاحة العراقيل المنوعة من طريقه، يجب أن يكون العنصر الأساس فيها تعزيز صمود الإنسان الفلسطيني على أرضه وفي الوقت نفسه تنمية هذا الإنسان معرفياً وعلى صعيد الوعي بهويته وانتمائه لها ولوطنه.

وبغض النظر عن أي اتجاه ستستقر عليه إعادة صياغة المشروع الوطني فإن السياسة خلال المرحلة القادمة عليها أن تكون في خدمة الصمود وتنمية الإنسان. وهنا لا بد أن نشير إلى: إذا وضعنا كل ما حققته الحركة الوطنية، عبر كل المراحل، من انجازات سياسية، فإن الانجاز الأهم، والأكثر رسوخاً هو وجود الشعب الفلسطيني على أرض وطنه، سواء داخل مناطق العام 1948 أو في الضفة وقطاع غزة والقدس المحتلة، والانجاز الثاني الأكثر أهمية ورسوخاً هو المحافظة على الهوية الوطنية، بالرغم مما تعرضت له من محاولات طمس وتشويه وتداخل معقد مع هويات أخرى، وهو التداخل الناجم عن تعقيدات الصراع وطبيعة المشروع الصهيوني الاحتلالي ومدى دعم المجتمع الدولي المتنفذ له.

وللتوضيح، فإن الانجازات السياسية الأخرى وبغض النظر عن مدى أهميتها أو محدوديتها، أو محدودية تأثيرها على أرض الواقع، فإن التجربة تقول أن الصمود على الأرض وتعزيز الهوية الثقافية والسياسية الوطنية هو العنصر الحاسم في الصراع.. وانطلاقاً من هذا التشخيص، فإن الاستثمار الأهم والذي يجب أن يحظى بالأولوية في المرحلة المقبلة، هو تنمية الإنسان الفلسطيني اقتصادياً ومعرفياً، من هنا تأتي أهمية التركيز على التعليم، وأن يكون هدف العملية التعليمية أن تنتج انساناً فلسطينياً وطنياً معرفياً يمتلك المهارات، ويؤمن بعقله وقدرة هذا العقل على الإبداع، أن يكون إنسانا منتجاً للفكر والمعرفة محصناً وطنياً ومقتنعا برواية شعبه الوطنية وقدرته على تحقيق الصمود والانتصار.

على السياسي في المرحلة المقبلة، أن يدرك أن كل عمله يجب أن ينصب على خدمة الصمود وتنمية الإنسان، وأن يستخدم كل مهاراته وقدراته ومناوراته ووسائله المشروعة من أجل هذا الهدف. وهذا يعني أن العمل السياسي والدبلوماسي وحتى الجهد الاقتصادي هو في خدمة هذا الهدف.

وفي هذا السياق، سياق الصمود وتنمية الإنسان، لا بد من إعادة النظر بكل العملية التعليمية الحالية من مناهج وطرق تدريس، فنحن نريد إنسانا ذا عقل منفتح مبدع ماهر، إنسانا واعيا لهويته الوطنية لأنه هو الإنسان القادر على الصمود ومواجهة مشروع كالمشروع الصهيوني.

وفي السياق فإن الهوية الثقافية باعتبارها ليست الحامية للهوية الوطنية وحسب بل هي الحامي للمشروع الوطني، وهي الأرسخ في الوعي. فتنمية الثقافة الوطنية هي العامل الحاسم في صراعنا الطويل مع الصهيونية.. هذه الصهيونية التي صاغت روايتها وأحكمت صياغتها، برغم من أن أسسها مستوحاة من الميثولوجيا والتزوير التاريخي.