بقلم: رجب أبو سرية

شاركت حركة حماس في ثاني انتخابات تشريعية فلسطينية تجري من أجل انتخاب المجلس النيابي للسلطة الفلسطينية، وذلك مطلع العام 2006، بعد أن كانت قد قاطعت أول انتخابات جرت في العام 1996، أي قبل ذلك بنحو عشرة أعوام، وكذلك بعد ان قاطعت انتخابات الرئاسة التي جرت قبل ذلك بعام واحد، في 2005 لانتخاب رئيس للسلطة، بعد أن شغر المنصب برحيل الرئيس ياسر عرفات في العام 2004. وقد نجحت "حماس" لأسباب عديدة منها ما هو سياسي ومنها ما هو فني، أي مرتبط بالنظام الانتخابي الذي جرت على أساسه تلك الانتخابات بأغلبية المقاعد، حيث إن فوزها الكاسح بالدوائر ( جرت الانتخابات وفق النظام المختلط 50 % دوائر + 50% نسبي ) منحها أقل قليلاً من ثلثي عدد المقاعد النيابية، رغم انها تفوقت على حركة فتح في النسبي بفارق 1% فقط ( 43% مقابل 42% )، ولو انها كانت قد حصلت على ثلثي المقاعد (كانت حصلت على 74 + 4 مقاعد للشخصيات التي تحالفت معها من أصل 132 مقعدا) لكان بمقدورها أن تقوم بتعديل القانون الأساسي للسلطة والذي هو بمكانة الدستور بالنسبة للدول المستقلة.

هذا الفوز وبهذا الحجم فاجأ الجميع وفاجأ "حماس" نفسها، ورغم أن رأس قائمتها الانتخابية، إسماعيل هنية، أعلن رفضه لما ورد في رسالة التكليف التي وجهها إليه الرئيس محمود عباس، إلا أن الرئيس لم يتراجع عن تكليف الرجل نزولا عند الالتزام بالتقليد الديمقراطي، حيث يكلف الرئيس رأس القائمة التي حصلت على أعلى المقاعد البرلمانية لتشكيل الحكومة، حينها أخذ هنية وقته بالكامل وبعد نحو شهرين، أي في آذار عام 2006 أعلن حكومته التي اقتصرت على قيادات واعضاء "حماس" فقط وخلت من كل القوى الأخرى بما في ذلك الجبهة الشعبية التي كانت قد صوتت مع الحكومة، وخلت أيضا ممن خاضوا الانتخابات متحالفين معها، بعد ذلك ووجهت حكومة "حماس" بمقاطعة دولية، ترجمت على شكل وقف الدول المانحة تقديمها أموال الدعم للسلطة، ما ترتب عليه وقف الرواتب لموظفي الخدمة العامة، وكذلك بصعوبة التحكم بمؤسسات السلطة، خاصة الأجهزة الأمنية .

بدل ان تسعى "حماس" الى دخول الكل الوطني والى عقد التحالفات، لنيل ثقة أوسع قطاع داخلي وخارجي ممكن لحكومة تقودها هي، قامت بتشكيل اجهزة موازية، أولها واهمها كان ما يسمى بالقوة التنفيذية التي شكلها أول وزير داخلية لحكومة حماس، الشهيد سعيد صيام، والذي هو أيضا من بادر الى انشاء اقتصاد الأنفاق لاحقا، ما ترتب عليه، أن وجد ليس أعضاء "فتح" فقط ولكن معظم المواطنين الفلسطينيين أنفسهم خارج إطار قدرة "حماس" على أن تمنحهم مكانا في وطنهم وفي مؤسسات سلطته الوطنية.

بعد ذلك، فضلت "حماس" ان تذهب الى فرض سلطتها بالقوة، بعد ان اكتشفت أن الانتخابات لا تكفي للظفر بالسلطة الحقيقية والفعلية، ويقينا انها كانت تظن أن السيطرة اولا على غزة، ستتبعها سيطرة على الضفة، لكنها مع ذلك وعلى مدار 7 سنوات، فضلت حكما متفردا لغزة على شراكة في الحكم لكل الوطن .

تكاد التجربة المصرية تكون مشابهة، لكن مع فارق أن الإخوان في مصر وصلوا الى الحكم كاملا، أي أنهم سيطروا على البرلمان أولا، ومن ثم على الرئاسة ثانيا، ورغم أنهم لم يواجهوا رفضا دوليا كما حدث مع "حماس"، إلا ان الرفض الشعبي الداخلي كان كافياً لإسقاطهم بعد عام واحد فقط . كيف حدث وأن نجحت "حماس" فيما فشل فيه الإخوان، رغم ان وصول حماس للحكم كان قبل وصول الإخوان؟ الإجابة تعني تحديد أسباب عديدة، منها وأهمها أن بقاء "حماس" في حكم غزة، يعني الإبقاء على الانقسام الفلسطيني، ولإسرائيل مصلحة في هذا، لذا هي شجعت على تمكن "حماس" من حكم غزة، وحرصت على توجيه نيرانها للداخل الفلسطيني وعلى تقليم أظافرها المتجهة نحوها، كذلك ربما لأن "حماس" اكتفت بنصف السلطة، اي الحكومة دون الرئاسة أولا ومن ثم غزة دون كل الوطن ثانيا، وربما لأن الفلسطينيين يفتقدون لمؤسسات أو لقواعد الدولة العميقة كما هو الحال في مصر، حيث أن مؤسسات الجيش والقضاء، ثم الإعلام والثقافة، إضافة الى رأس المال الوطني، تجندوا في معركة إسقاط الإخوان، وربما أيضا لأن إخوان مصر افتقدوا للقوة العسكرية، فلم يكن لديهم لا قسام ولا قوة تنفيذية لإتباع السيطرة الديمقراطية بسيطرة عسكرية، وهنا كان يمكن لعسكر "حماس" ان يقفوا في وجه الأمن المصري الداخلي وحتى ربما الجيش المصري لو كانت هناك مواجهة ممكنة بنشوب حرب أهلية في مصر، كما الحال في سورية مثلا، أي قبل أن يتم عزل مرسي العياط.

على الصعيد الفلسطيني، ليس هناك جيش، وغير مسموح للفلسطينيين بجيش وطني، يقوم بإسقاط حكم "حماس" في غزة بالقوة، كما فعلت هي ووصلت للحكم بالقوة، وربما حتى أن السلطة الفلسطينية، قد وجدت في هذه المعادلة رغم انها موجعة ومؤلمة، ما يريحها بعد ان انحصر الصراع مع إسرائيل في الضفة والقدس، حيث أن تحكم "حماس" بغزة قد أخرجها من الضفة، وأبقى على قيادة السلطة وحدها، حرة وطليقة في تمثيل الفلسطينيين، ليس على الصعيد الدبلوماسي (السفارات والمنظمات الدولية وحسب) ولكن على الصعيد السياسي والتفاوضي .

يمكن أخيراً ان نشير إلى أن الحالة الفلسطينية أسهل من الناحية القانونية من الحالة المصرية وحتى التونسية ( حيث إن إخوان تونس كانوا أكثر اعتدالا وذهبوا الى شراكة سياسية ) من حيث ان فترة التفويض النيابي قد انتهت منذ عام 2010، حيث ان المطالبة بأجراء الانتخابات وحدها تسقط "حماس" وتسقط الانقسام القائم بسبب حكمهم لغزة، ويمكن للرئيس _ لو أراد _ ان يصدر مرسوما، دون الاتفاق مع "حماس" على إجراء الانتخابات الرئاسية فورا، على الأقل، ليجدد شرعية الرئيس إن كان هو شخصيا أو غيره، وحيث ان انتخابات الرئاسة تقوم على أساس أن الوطن دائرة واحدة، ولا يتطلب الأمر أن يصوت أهل غزة في مراكز اقتراع، بل كما تصوت الجاليات في الدول التي يقيمون فيها أو بأية طريقة أُخرى ممكنة.