في خضم عملية التهميش والتهشيم لعملية الصراع السياسية الفلسطينية الإسرائيلية، يجرى العمل على قدم وساق من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل لحرف الأنظار عن مسار الصراع، وإلباسه عباءة لا تمت له بصلة، واعتبار الكارثة الجارية في محافظات الجنوب الفلسطينية، بأنها كارثة "إنسانية".

وهذا الإقصاء القسري للبعد السياسي، وتجريد القضية الفلسطينية عمومًا وقطاع غزة خصوصًا من جذر وركائز الصراع الوطني والقومي مع دولة الاستعمار الإسرائيلية، وفي ذات الوقت قيام إدارة ترامب وشريكتها الإستراتيجية إسرائيل بالعمل على تجفيف أموال الدعم لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، تمهيدًا لتصفية قضية اللاجئين، يشير إلى أنَّ عملية التصفية السياسية للقضية الوطنية تتم على أكثر من مسار ومساق، أولاً حرف بوصلة الصراع عن مجراها السياسي، وإسدال الستار عليه؛ ثانيًا إسقاط القضية الفلسطينية من أجندة الإدارة الأميركية، كقضية سياسية متكاملة تمهيدًا لسحب البساط من تحت أقدامها في المؤسسات والمنابر الدولية، ومن هنا نلحظ الهجوم الأميركي الإسرائيلي المكثف على المنابر الأممية وخاصة لجنة حقوق الإنسان الدولية وفصلها السابع المتعلق بالمسألة الفلسطينية لشطبه، وملاحقة الدول وترهيبها بعدم التصويت لصالح القضية الفلسطينية؛ ثالثًا وتماشيًا مع ذلك أصدر بلفور الجديد، الرئيس دونالد ترامب وعده بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، وكان أعلن قبل ذلك بالقدس عاصمة لإسرائيل الاستعمارية، ضاربًا عرض الحائط بمرجعيات السَّلام وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة. وارتباطًا مع ذلك وتمهيدًا لصفقة القرن الترامبية أعلن رسميًا وعمليًا عن "إزالة" أهم ملفين من ملفات الحل النهائي، هما ملفا القدس واللاجئين، وكلاهما على تماس عميق الجذور مع ملف الأرض وحدود الدولة وسيادتها واستقلالها؛ رابعًا الضغط على الدول العربية المحيطة بفلسطين للسماح بعقد مؤتمرات دولية وإقليمية لبحث المسألة الإنسانية المتعاظمة في محافظات غزة الجنوبية، وبالتالي تمزيق ملف القضية الفلسطينية إلى عدد من الملفات الإنسانية المنفصلة عن بعضها البعض. ومن يعود لتقارير وزارة الخارجية الأميركية منذ العام الماضي لاحظ أنَّها عندما تحدثت عن الواقع القانوني والحقوقي في أراضي دولة فلسطين المحتلة، لم تشر من قريب أو بعيد إلى أراضي السلطة الفلسطينية، إنَّما وضعتها تحت بندين منفصلين، هما الضفة والقطاع، ودون أن تكون القدس جزءًا من تلك التقارير؛ خامسًا تلازم مع ذلك التصعيد الاستيطاني الإسرائيلي في أراضي دولة فلسطين المحتلة في الخامس من حزيران/ يونيو 1967 وخاصة القدس الشرقية عاصمة فلسطين الأبدية، وتلازم مع ذلك فرض القانون الإسرائيلي على المستعمرات الإسرائيلية، وتدريجيًا تتم عملية تنفيذ الضم والدمج لأراضي الدولة الفلسطينية لدولة الاستعمار الإسرائيلية، وحدث ولا حرج عن الخنق العضوي للاقتصاد الفلسطيني، والحؤول دون استقلاله ولو نسبيًا عن الاقتصاد الإسرائيلي.

هذه العوامل المتسارعة من قبل قوى الأعداء الإسرائيليين والأميركيين تكشف عن المخطط الخبيث والمفضوح الجاري تطبيقه على الأرض. وما البكاء على الوضع في قطاع غزة، وإبراز البعد الإنساني، وفي السياق طرح الحلول الترقيعية والتجميلية الاقتصادية، ليست سوى شكل من أشكال التصفية الناعمة للقضية الفلسطينية سياسيا.

كل كوارث وأزمات فلسطين المحتلة منذ النكبة في العام 1948، وقيام إسرائيل الاستعمارية على أرض الشعب الفلسطيني، ثم الحؤول دون استقلال دولة فلسطين وفق القرار الدولي 181، ومن ثم الرفض الإسرائيلي للانسحاب من الأراضي المحتلة في الخامس من حزيران/ يونيو 1967 بما فيها القدس الشرقية، وبالتالي المنع بقوة الاستعمار العسكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية الإسرائيلية لاستقلال الدولة الفلسطينية على تلك الحدود، التي تنخفض إلى نصف ما حدده القرار الدولي 181 للتقسيم، وما نجم من تداعيات خطيرة على مستقبل ومصير الشعب الفلسطيني، ناجم عن الاستعمار الإسرائيلي. وما الكارثة الخطيرة في غزة إلا نتاج ذلك. وبالتالي من يريد إخراج غزة والضفة بما فيها القدس من الكوارث، التي تعيشها، عليه أن يمسك بجذر المسألة السياسي، وان يكف عن دموع التماسيح الكاذبة على غزة وأبنائها، لأنهم جزء أصيل من الشعب، وليسوا جزءا منفصلا عنه، وكارثتهم، هي كارثة الشعب الفلسطيني كله، ومن يريد السلام والاستقرار عليه إلزام إسرائيل بدفع الاستحقاق السياسي، لأنه كفيل بحل ومعالجة كل الكوارث والأزمات.